وليد مرمر – لندن
يحلو للنائب إميل رحمة، التندر لدى الحديث عن السيد نصرالله (كما ينقل عنه الوزير السابق وئام وهاب)، بأنك تكاد تظن –بسبب تواضع السيد ودماثة خلقه واحترامه لمحدثه، تكاد تظن بأنك أنت من لديك 50 ألف مقاتل و5 آلاف استشهادي رهن إصبعك وليس هو!
في كلمة نصرالله المتلفزة الأخيرة في «ذكرى القادة الشهداء» كان لافتاً هدوؤه واتزانه واطمئنانه رغم خطورة وأهمية بعض النقاط التي طرحها، ورغم الحملات الشنيعة والممنهجة المتتالية التي تشن على «حزب الله» بطريقة تجاوزت كل الخطوط الحمر.
فبالنسبة لانفجار مرفأ بيروت، دعا السيد نصرالله الجهات القضائية المختصة إلى «الكشف عن التحقيق الفني والتقني الذي أعده الجيش اللبناني وقوى الأمن وأُرسل إلى المدعي العدلي بعد أن تم الاستعانة بخبراء أميركيين وألمان وغيرهم». وأضاف «يجب الإعلان عن نتيجة التحقيق لأن هذا مهم جدا لعوائل الشهداء… لقد تابعنا مع قيادة الجيش وقوى الأمن ورئاسة الجمهورية هذا الأمر وقالوا إن هذا ضمن مسؤولية القضاء.. أجدد الطلب من الجهة القضائية إعلان نتيجة التحقيق للشعب اللبناني لأن هذا حقه. نطالب بهذا الأمر ونلح عليه».
وكان السيد قد تعهد في كلمة سابقة –كحزب سياسي– بالإصرار على وصول هذا الملف إلى نهايته العادلة والصادقة، وذلك لسببين، «أولهما السبب الانساني حيث قضى شهداء وسقط جرحى وحصلت اضرار كبيرة، والسبب الثاني ان هذه القضية استخدمت للاستهداف السياسي سواء باتجاه حزب الله أو الرئيس ميشال عون والتيار الوطني الحر». وتابع قائلاً: «عند كل حادثة تنبري جوقة إعلامية وسياسية معروفة لتوجيه الاتهامات والسباب والشتائم والاتهامات والادعاءات ضد حزب الله والمقاومة في لبنان مستخدمة وسائل التواصل الإجتماعي ووسائل الإعلام المحلية والعربية المتواطئة. وهذه الشتائم تعبر عن المضمون الأخلاقي لأصحابها ذلك أن كل إناء ينضح بما فيه. كما أنها تعبر عن الضعف والعجز والإحباط. أقول لهذه الجوقة، إن حملاتكم لن تزيدنا إلا قناعة بالحق الذي نحن عليه، فنحن أتباع أنبياء وأئمة ومجاهدين لطالما سُبّوا وشُتموا ولُعنوا على المنابر والمآذن وقيل فيهم ما يندى له الجبين ولم يزدهم هذا إلا إصراراً وثباتاً على ما هم عليه». ثم أردف نصرالله «أدعو جمهور المقاومة إلى عدم الرد بالمثل فنحن لسنا سبابين ولا شتامين ونحن لسنا ضعافاً ولا عاجزين ولا محبطين. يجب أن نكون منسجمين مع أنبيائنا الذين كانوا يتعرضون لحملات مشابهة ويتعاملون معها بالإعراض والتجاهل». وعرض نصرالله المقولات اللامنطقية التي ترددها جوقة السبّابين مثل: «حزب الله مسؤول حتى تثبت براءته»، «وأنت القاتل حتى تكشف لنا القاتل»، كاشفاً أن هذه السفاسف والترهات «تُسقَى من ماء واحد»، «والواضح أن منبعها من غرفة واحدة» و«التوجيه هو نفسه، فالكل يتكلم بنفس اللغة».
وكان حزب الله قد تعرض لحملة تجن وبهتان عقب انفجار المرفأ ثم عقب اغتيال لقمان سليم، من قبل سياسيين «سياديين»، وإعلاميين يُشتَبَه بأنهم «على كشوف المرتبات الخارجية»، وجمعيات ومنظمات تأتمر بقبضة الملياردير الصهيوني، عراب الثورات الملونة، جورج سوروس، وتطأطئ له الرؤوس في الساحات.
اكتفى نصرالله بهذا الكلام المختصر للرد على أوركسترا الشتائم التي لم تكل أو تمل منذ أشهر على مختلف وسائل الإعلام داعياِ إلى الكشف عن الحقيقة بأسرع وقت، وكأن لسان حاله يتمثل بقول الشاعر:
فما تبالي السما يوما إذا نبحتْ
كلّ الكلابِ، وحقِّ الواحدِ الباري!
لو كلُّ كلبٍ عوى أَلقَمْتَهُ حجراً
لَأَصبحَ الصخرَ مثقالاً بدينار!
وعن فكرة تدويل الأزمة اللبنانية التي دعا إليها البطريرك الماروني وأيدها حفنة من السياسيين، كان موقف نصرالله حازماً في الرفض المطلق لهذه الفكرة التي يدعو إليها البعض من أجل «الاستقواء بالخارج».
والنقطة الأكثر أهمية والأشد خطورة التي أثارها نصرالله كانت في معرض رده على رئيس الأركان الإسرائيلي أفيف كوخافي.
وكان كوخافي قد كشف في كلمة ألقاها خلال المؤتمر الدولي السنوي لمعهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي منذ حوالي ثلاثة أسابيع عن البدء بالإعداد لخطة لقصف البرنامج النووي الإيراني! وزعم كوخافي بأنّ إسرائيل تعلم جيداً مواقع ومخازن ومرابض الصواريخ العادية والدقيقة في غزة ولبنان. وهي أماكن، حسب ادعائه، تقع ضمن المناطق المأهولة، مهدداً بأن «إسرائيل أعدّت الخطط لتدمير تلك القواعد أو المخازن ولن يثنيها عن تنفيذ عملية التدمير وجود مدنيّين وقتلهم مهما كانت أعدادهم»، زاعماً أن تخزين الصواريخ داخل البيوت في مناطق «حزب الله» يُقدّر بمعدل بيت واحد من بين كل خمسة بيوت!
أما الشيء اللافت والأكثر خطورة وغرابة فكان ادّعاء كوخافي بأنّ «إسرائيل ستنفذ مهامها دون أن تنزلق إلى حرب واسعة مفتوحة وأنها ستبقى مسيطرة على زمام الأمور في الميدان بحيث توقف الحرب بعد أن تنتهي المهمة المحدّدة في كلّ من إيران ولبنان وغزة فضلاً عن سوريا والعراق». وهذه المهمة لن تكون إسرائيل وحيدة في تنفيذها كما قال، بل سيكون هناك حسب قوله «حلفاً عسكرياً ناشئاً حديثاً بقيادة إسرائيل التي تتوسّطه ويمتدّ من اليونان وقبرص في الغرب إلى الإمارات والبحرين في الشرق بمشاركة الأردن والسعودية ومصر غيرها من البلدان».
وبالنسبة لإيران فقد جاء الرد على كوخافي صارماً وسريعاً من قبل المتحدث باسم القوات المسلحة الإيرانية العميد أبو الفضل شكارجي عندما صرح أنَّ «الجمهورية الإسلامية ستُبيد تل أبيب إذا ما ارتكب الكيان الصهيوني حماقةً تجاه إيران وشعبها العظيم».
أما فيما خص «الأيام القتالية» التي لمح إليها كوخافي فهو لم يكن السباق لاستعمال هذا المصطلح الجديد والخطير. فمنذ أسبوعين أعلن المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي أفيخاي انطلاق مناورة «عاصفة الرعد» «لتعزيز الجاهزية لسيناريو «أيام قتالية» على الحدود مع لبنان»!
وتتحدث وسائل الإعلام الإسرائيلية بإسهاب عن «أيام قتالية» مرتقبة مع لبنان في حال أقدم «حزب الله» على أي عمل عسكري على الحدود الشمالية.
إذن، أصبح من الواضح أن ما تسعى إليه إسرائيل هو تغيير جذري لقواعد الاشتباك الحالية بسبب عجزها عن وقف تدفق الصواريخ لـ«حزب الله» أو تصنيعها في مناطقه. فمنذ بدء الحرب السورية لم تترك إسرائيل فرصة لاستهداف نقل الصواريخ النوعية إلى «حزب الله» إلا وانتهزتها، ولكن دائماً ضمن الأراضي السورية. ذلك فضلاً عن استهداف مواقع للجيش السوري وللفصائل الحليفة في محاولات دؤوبة لإضعاف الدولة السورية ولمحاولة إمالة الدفة لصالح المجموعات المسلحة المناوئة. ولكن طوال هذه السنوات كانت إسرائيل تقف عاجزة عن استهداف الصواريخ الدقيقة لدى الحزب في لبنان بسبب معادلة الردع التي أرستها المقاومة عقب حرب 2006، وبالتالي فإن إسرائيل –وحسب مصادر مطلعة– قد تكون «هي الراغب الأساسي بالأيام القتالية»، إذ أن تل أبيب ترغب بالرد على أية عملية يقوم بها الحزب بافتعال معركة تستمر لأيام معدودة تقوم خلالها بالقضاء على ترسانة «حزب الله» من الصواريخ الدقيقة.
وفي سياق تطور الأحداث، جاء رد السيد نصرالله في كلمته على «الأيام القتالية» مصرحاً أنه «في أية مواجهة إن حصلت، أقول بكل وضوح: تضربون مدناً عندنا نضرب مدنا عندكم، تضربون قرى عندنا نضرب مستعمرات عندكم. وإن تحججتم بأهداف عسكرية داخل المدن عندنا، فأنتم توجد عندكم أهداف ذات طابع عسكري داخل مدنكم». وتابع السيد نصرلله قائلاً «إن لعبة الأيام القتالية هي لعبة خطيرة لأن لا أحد يضمن أن الأيام القتالية لن تجر إلى حرب شاملة»، مضيفاً أن «الجبهة الداخلية في كيان العدو سوف تواجه وقائع لم تواجهها منذ قيام هذا الكيان عام 1948. كفى لعباً بالنار! وليعرف العدو حدوده… الزمن الذي يهَدَّد فيه الناس ويبقون ساكتين وخاضعين قد ولى… هناك مقاومة من غزة إلى لبنان إلى كل دول المنطقة… نحن في زمن مختلف… في زمن محور المقاومة»!
بعد أقل من 72 ساعة على كلمة نصرالله، وفي خضم حرب نفسية يحسن إدارتها، وكتأكيد على القدرة الدفاعية والهجومية لديه، وفي خطوة تكاد تكون غير مسبوقة، قام «حزب الله» عبر إعلامه الحربي، بنشر فيديو لأهداف عسكرية داخل مدن إسرائيلية عديدة منها مقر قيادة الجيش الإسرائيلي «الكريا» وسط الأحياء في تل أبيب، ومقر قيادة المنطقة الشمالية «دادو» وسط الأحياء السكنية في صفد، ومقر قيادة اللواء الشرقي في فرقة الجليل داخل مستوطنة كريات شمونة، ومقر قيادة اللواء الغربي في فرقة الجليل داخل مستوطنة شوميرا!
Leave a Reply