واشنطن – خرج الرئيس الاميركي السابق جورج بوش الذي توارى عن الانظار منذ انتهاء ولايته الرئاسية قبل عامين تقريبا، الى الاضواء الثلاثاء الماضي مع نشر مذكراته تحت عنوان “لحظات القرار”. ورغم أن البعض يميل الى الاعتقاد انه عندما ينشر رئيس سابق مذكراته فهي تكون بعيدة عن المناورات السياسية اليومية إلا أن كتاب بوش كان سياسيا بامتياز بسبب اتصال المواضيع التي تطرق اليها بواقع الحركة السياسية في العالم اليوم ولا سيما في الشرق الأوسط.
فهو تعامل مع أحداث هامة في تاريخ المنطقة العربية بكل سطحية، فقد تحدث عن عدم ثقته في الرئيس الفلسطيني السابق ياسر عرفات، وكيف أنه أثار استياء قادة كثيرين أوروبيين وعرب عندما طالب بانتخاب قيادة جديدة تمثلت في الرئيس الحالي محمود عباس. وتناول بوش وفاة عرفات في كلمات قليلة فقط، ومن دون الحديث عن أية تفاصيل تتعلق بالجدل حول دور رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق ارييل شارون وسعيه للحصول على موافقة بوش لاغتيال عرفات. كما لم يشر من قريب أو بعيد إلى خطاب الضمانات الشهير الذي قدمه لشارون الذي تحدث عنه بحب بالغ. لكن بوش، وفي معرض ما ساقه من دلائل للتأكيد على سيل المعلومات التي تلقاها حول مخزون صدام حسين من أسلحة الدمار الشامل، قال إن “الرئيس المصري حسني مبارك أطلع الجنرال تومي فرانكس على أن العراق لديه أسلحة بيولوجية وأنه سيقوم باستخدامها ضد قواتنا بكل تأكيد (قبل غزو العام 2003). ورفض مبارك التصريح بذلك الاتهام علنا خشية إثارة الشارع العربي”. ولكنه يقول “المعلومات الاستخباراتية التي حصلت عليها من قائد في منطقة الشرق الأوسط يعرف صدام جيدا كان لها تأثير على تفكيري. وكما كانت هناك مخاطر ترتبط بالقيام بتحرك، فإن عدم القيام بتحرك كان أيضا ينطوي على مخاطر: فامتلاك صدام لأسلحة بيولوجية كان يمثل تهديدا خطيرا لنا جميعا”.
كما أنه من اللافت في كتاب بوش غياب الحديث عن ادوار قادة عرب مقربين من الإدارة الأميركية. ولكنه أفرد مجالا للملك السعودي عبدالله، الذي يصفه بوش بالمهذب والخجول، راوياً دور ديك رومي في تهدئـة غضبه بعد الإشارة إلى ان اجتياح شارون للضفة وتأجيل النظر في مبادرة السلام العربية.
“متى سيغادر ذلك الخنزير رام الله؟” هكذا كانت بداية رواية بوش للقاء الشهير الذي جمعه مع الملك عبدالله عندما كان وليا للعهد في مزرعته الخاصة في كروفورد في تكساس يوم 25 نيسان 2002 وذلك بعد نحو ثلاثة اسابيع من قيام شارون باجتياح الضفة الغربية وحصار الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات… وتنهي الرواية برضا الملك السعودي بعد رؤيته ديكا روميا في فناء مزرعة بوش قائلا “يا أخي، هذه علامة من الله. هذا فأل حسن”. ويعلق بوش على ردة فعل عبدالله بالقول “لم أفهم أبدا مدى أهمية الطائر، ولكنني شعرت بأن التوتر بدأ فجأة في الذوبان. وعندما عدنا للمنزل، اندهش المساعدون عندما سمعونا نقول إننا على استعداد لتناول طعام الغداء. وفي اليوم التالي، تلقيت مكالمة من والدتي ووالدي. وأخطراني بأن الأمير توقف لزيارتهم في هيوستون. وقالت لي أمي إن الدموع كانت بادية في عينيه هو يحكي عن الوقت الذي قضاه في كروفورد، وعما يمكن أن نحققه سويا. وطوال الفترة المتبقية من رئاستي، فإن علاقتي مع الأمير، الذي اصبح ملكا بعد ذلك بوقت قصير، كانت قريبة للغاية. ولم أكن قد رأيت ديكا روميا في ذلك الجانب من المزرعة من قبل، ولم أر واحدا منذ ذلك الحين”!
كما تناول بوش في كتابه لقاء ثانيا جمعه مع الملك السعودي في كانون الثاني 2008 وذلك بعد شهرين من إصدار أجهزة الاستخبارات الأميركية تقييمها المشترك بشأن قدرات إيران النووية، والذي أدهش العالم عندما خلص إلى أن إيران أوقفت برنامجا سريا لانتاج الأسلحة النووية في العام 2003. والأهم أن التقرير سحب البساط من تحت أقدام أي أطراف كانت تضغط على الرئيس بوش للقيام بعمل عسكري ضد إيران، وكتب بوش: “في مطلع العام 2008 قمت برحلة للشرق الأوسط حيث حاولت إقناع القادة هناك بأننا ما زلنا ملتزمين بالتعامل مع إيران. ووجدت اسرائيل وحلفاؤنا العرب أنفسهم في لحظة نادرة من الوحدة. فلقد كان كلاهما قلقا للغاية من إيران وغاضبا للغاية من التقييم المشترك الذي أصدرته أجهزة الاستخبارات القومية. وفي السعودية التقيت بالملك عبدالله وأعضاء من السديرية السبعة، الإخوة الأشقاء للملك الراحل فهد. وسألت “جلالتك، هل تسمح لي بافتتاح الاجتماع. أنا على ثقة من أن كل فرد منكم يعتقد أنني كتبت تقييم أجهزة الاستخبارات كوسيلة لتجنب القيام بعمل ضد إيران”. ولم ينطق أحد بكلمة. فالسعوديون كانوا مهذبين للغاية لكي يعبروا عن شكوكهم بصوت عال. وقلت لهم “يجب أن تفهموا نظامنا. تقييم أجهزة الاستخبارات صدر بشكل مستقل من الأجهزة. وأنا غاضب من ذلك التقييم تماما مثلكم”.
وأضاف بوش أن تقييم أجهزة الاستخبارات الأميركية “لم يهدد فقط الجهود الدبلوماسية، ولكنه كذلك قيد يديّ في ما يتعلق بالجانب العسكري. وهناك العديد من الأسباب التي دفعتني للقلق من القيام بضربة عسكرية ضد إيران” وتابع “كنت آمل بالتأكيد أن محللي الاستخبارات لم يكونوا يحاولون التأثير على صنع السياسة. ومهما كان التفسير، فإن التقييم المشترك للأجهزة كان له تأثير كبير، ولم يكن تأثيرا جيدا”.
ويحاول بوش في كتابه تبرير قائمة الاتهامات الطويلة للغاية الموجهة له من قبل الأميركيين قبل العرب والمسلمين، وذلك من خلال ادعائه النوايا الحسنة والرغبة في حماية أميركا من الأخطار المحدقة بعد هجمات “١١ أيلول”، وخاصة هاجسه من إمكانية حصول المنظمات الإرهابية كـ”القاعدة” للمساعدة من “أنظمة المارقة” مثل نظام الرئيس العراقي السابق صدام حسين. بوش ذهب إلى تخيّل ما كان “يمكن لصدام حسين القيام به” لو كان قد استفاد من الارتفاع الكبير في أسعار النفط الذي تحقق بعد خمس سنوات من غزو واحتلال العراق!!
كما لم يخلُ الكتاب من “المبالغات البوشية” المعهودة فقد زعم الرئيس الأميركي السابق أنه كان المحرك لعقد كل انتخابات شهدتها المنطقة العربية على مدى السنوات الثماني التي قضاها في البيت الأبيض، في لبنان والعراق والأردن والكويت والبحرين والأراضي الفلسطينية المحتلة ومصر والمغرب، وتقدم عدة دول خليجية منها السعودية نحو عقد انتخابات تشريعية، وتنامي الأصوات المطالبة بالديموقراطية في سوريا، وتمكين المرأة العربية من تبوّء المزيد من المناصب الرسمية، وكل تظاهرة أو احتجاج شهدته المدن العربية.
Leave a Reply