خلال اجتماعه الأخير، اتخذ مجلس الأمناء في «المركز الإسلامي في أميركا» ثلاثة قرارات التي يدل بعضها على التخبط والضبابية التي تلف إدراة الجامع الكبير إلى درجة باتت تدفع الكثيرين إلى التساؤل عمن يدير هذه المؤسسة الدينية العريقة في مدينة ديربورن.
القرارات الثلاثة شملت انتخاب الوسيط العقاري مايك فايز رئيساً لمجلس الأمناء خلفاً للدكتور نورالدين صعب، والاستغناء عن خدمات الشيخ ابراهيم ياسين، والتراجع عن البيان الثاني الذي أصدرته إدارة المركز، وتعهدت فيه بعدم استضافة ضباط إسرائيليين بين الوفود العسكرية ضمن فعالية حوار الأديان التي تقام سنوياً بالتعاون مع «جامعة الدفاع الوطني» منذ 11 عاماً.
ومع أنها ليست المرة الأولى التي يستقبل فيها المركز الإسلامي ضباطاً في جيش الاحتلال الإسرائيلي ضمن الوفود الدولية ، لكن الأخبار التي تسربت في الآونة الأخيرة فجرت غضباً شعبياً متزايداً أسفر عن تنظيم عدة احتجاجات ضمت المئات من أبناء الجالية اللبنانية الذين طالبوا إدارة المركز بالاعتذار ومحاسبة المسؤولين والتعهد بعدم استقبال إسرائيليين في المستقبل.
بدايةً، تراوحت ردود أفعال الأمناء، بين التجاهل والبرود والإنكار، وأعقبها بيان رمادي زاد الطين بلة وأجج سخط المحتجين على إدارة المركز لترتفع حدة وتيرة الاحتجاجات، مما دفع المركز الإسلامي إلى إصدار بيان ثان على صفحته على «فيسبوك»، في محاولة لتهدئة الغضب المتصاعد في أوساط الجالية اللبنانية.
البيان الثاني الذي تعهد بعدم استقبال أي عسكري إسرائيلي داخل الجامع الكبير، مثّل اعترافاً بأحقية مطالب المحتجين ومشروعيتها، غير أنه تجاهل المطلبين الآخرين (الاعتذار ومحاسبة المسؤولين)، ومع ذلك، عاد المركز ليلحس كلامه ويتراجع عن تعهده بعد قيام صحيفة «ديترويت فري برس» بنشر تقرير حول الموضوع، جاء فيه أن مسؤولي المركز يدرسون منع ضباط الجيش الإسرائيلي من زيارة المسجد.
فكان أن رفض مجلس الأمناء البيان الثاني، وبالتالي تم إلغاؤه رغم نشره، في خطوة تدعو للحيرة والتساؤل عمن يتخذ القرارات فعلاً في أحد أكبر المراكز الإسلامية في الولايات المتحدة.
حقيقةً، بدأ التخبط يعصف بالمركز الإسلامي منذ وفاة مؤسسه الشيخ محمد جواد شري، عام 1994، ومنذ ذلك الحين فإن العديد من رجال الدين البارزين دخلوا المركز وخرجوا منه بعد خلافات مع مجالس الأمناء المتعاقبة وصلت إلى حد الصدام، وقد وقعت آخر مواجهة من هذا النوع منذ نحو ثلاث سنوات وأسفرت عن خروج السيد حسن القزويني بعد 18 سنة من إمامة الجامع الكبير.
ولعل جوهر هذا الصراع يتمثل في التناقض بين رؤية الأمناء، الذين يرون في الأئمة والشيوخ موظفين في مؤسسة غير ربحية، وأن واجباتهم تقتصر على إدارة الشؤون الدينية فيما تناط إدارة المركز ومسؤولية اتخاذ القرار فيه إلى الأمناء، فيما يرى آخرون بأنه يجب أن يكون لرجال الدين اليد العليا في اتخاذ القرارات. وما يزال هذا الخلاف يتفاقم ويحتدم بين الحين والآخر، مسبباً تعطيل الأعمال داخل المركز وزيادة التوترات والانقسامات في أوساط الجالية، في حين يقف المراقبون يتساءلون عما يخبئه المستقبل لهذه المؤسسة العريقة.
إن تشكيل مجلس أمناء قوي وفعال هو مسألة ملحة تبدت ضروريتها في كل أزمة واجهها المركز في العقود الثلاثة الأخيرة. والآن يواجه المجلس المكون من أكثر من 30 عضواً، تحدياً حقيقياً يهدد وحدته وتماسكه.
فقد علمت «صدى الوطن» أن أربعة أعضاء على الأقل مستاؤون من تعثر أعمال المركز، فيما يشتكي بعض الأمناء الآخرون من أنهم لم يعلموا بالتطورات الأخيرة إلا من خلال وسائل التواصل الاجتماعي ومن الإعلام، حتى هم أنفسهم بدأوا يتساءلون.. من يدير شؤون هذه المؤسسة؟
فصل الشيخ ياسين –أيضاً– فتح النقاش حول واجبات الأئمة غير الواضحة، لاسيما وأن الاستغناء عن خدماته جاء بعد إلقائه خطبة يوم الجمعة 18 أيار (مايو) الجاري، انتقد فيها المرشح لحاكمية ميشيغن عبدول السيد على خلفية تأييده لزواج المثليين وتشريع الماريوانا.
أولاً، قوننة زواج المثليين تمت بقرار من المحكمة العليا الأميركية، وهو ما تجاهله –أو يجهله– ياسين الذي صوب سهامه نحو النجم السياسي الشاب، داعياً إلى مقاطعة عشاء جمع التبرعات المقرر إقامته في إحدى قاعات المركز في 19 أيار (مايو)، ما دفع بحملة المرشح العربي الأميركي إلى إلغاء الفعالية.
وتجدر الإشارة إلى أن تأييد حقوق المثليين يعتبر في صلب أجندة الديمقراطيين، وأن جميع المسؤولين المنتخبين عن الحزب الديمقراطي الذين استضافهم أو يستضيفهم المسجد الكبير وغيره من المراكز الدينية لديهم الموقف نفسه، دون أن يثير ذلك حفيظة أي من الشيوخ أو الأئمة، مما يدفع الكثيرين إلى التساؤل عن حقيقة مراد الشيخ!.
قرار فصل ياسين، زاد من وتيرة النقاش على وسائل التواصل الاجتماعي التي أججها الصمت المطبق لأعضاء الإدارة ومجلس الأمناء. وفي حين أن لدى المسؤولين سبب وجيه لفصل ياسين، إلا أنه من الضروري اتباع قواعد واضحة تحكم العلاقة بين الموظفين والإدارة، إذا ما أردنا التحدث بلغة المؤسسات. ومن هذا المنطلق فإن مجلس الأمناء مدين بتقديم تفسيرات واضحة للإجراءات التي يتخذها بحق الموظفين لمنع الشائعات والأقاويل التي تضع المسجد والأشخاص ذوي العلاقة والجالية بأكملها في مهب القيل والقال.
تبقى هنالك ثلاثة أسئلة شاخصة، وهي: متى يتعلم مجلس الأمناء من إخفاقاته المتكررة، ولماذا تراجع عن البيان الثاني، وهل يقدم الأجوبة الشفافة والشافية لإصلاح صورته من جهة، وعلاقته بالجالية من جهة أخرى؟
إننا في «صدى الوطن» نعتقد بأن هذه الأجوبة باتت ضرورية وملحة أكثر من أي وقت مضى، بحيث لم يعد من الممكن التهرب منها، أو إخفاؤها تحت طرف البساط. اللهم إنا بلغنا.. فاشهد!
Leave a Reply