حادثة اختطاف السفينة السعودية «سايروس ستار» المحملة بمليوني برميل من النفط تقدر قيمتها بمئة مليون دولار، والتي أقدم قراصنة صوماليون على اختطافها في مياه خليج عدن الأسبوع الماضي، جاءت لتذكر العالم بحوداث «قرصنة جوية» أقدم عليها الفلسطينيون في سبعينيات القرن الماضي، مع فارق التشبيه. فالصوماليون هدفهم المعلن هو الحصول على فدى مالية، فيما كان الفلسطينيون هدفهم تحرير أراضيهم، ولو أن الطرفين بقصد أو بدون قصد بأفعالهم هذه دقوا ناقوس خطر إلى المجتمع الدولي بضرورة التنبه لمعاناتهم وإيجاد الحلول السياسية لقضاياهم المنسية. ذلك قد يذكز بقضية أخرى منسية، هي الحصار على غزة، هذه المدينة الصامدة وقطاعها الباسل، ما انفك الإسرائيليون بدعم من الولايات المتحدة وسكوت أوربي وتخاذل عربي عن ممارسة كافة الضعوط عليها، العسكرية والاقتصادية والانسانية، حتى لكأن المغيث الوحيد لهذه المدينة المنكوبة هو بضع سفن صغيرة ومتهالكة تأتيها بقليل من الغذاء والدواء من جمعيات إنسانية في أوربا.كان يمكن لأهل غزة أن يقتنصوا اللحظة، لحظة محاكاة أخوتهم في الصومال ويمارسوا أعمال قرصنة بحرية حتى لا يموتون جوعاً، لكن الحال غير الحال، فسواحل غزة لا يزيد طولها عن عشرات الأميال، فيما سواحل الصومال ممتدة آلاف الأميال، وخليج عدن تبلغ مساحته أكثر من مليون ميل مربع، لا يقدر الأسطول الخامس الأميركي بعظمته من السيطرة عليه وحمايته، وهو المرابط هناك مع عديد قطع بحرية تابعة لحلف الناتو وقوات بحرية إقليمية.ظل العالم يغض الطرف عن معاناة الصوماليين المحتلة أرضهم من الجيش الإثيوبي بدعم من الولايات المتحدة والمهدورة كرامتهم والمشتتون في عدة دول إفريقية، والمتقاتلون على أنصبة الحكم، فقد وصل عدد سفن اختطفوها في الأسبوعين الماضيين إلى عشرة، كان أضخمها حاملة النفط السعودية، ما أثار فزع شركات النقل البحرية فأمرت سفنها بتجنب الإبحار في خليج عدن والالتفاف بحمولاتها عبر رأس الرجاء الصالح في رأس إفريقيا بدلاً من المرور في قناة السويس، فذلك من شأنه دق مسمار إضافي في نعش الاقتصاد العالمي المتهاوي، ذلك من شأنه ارتفاع بوالص التأمين على الشحن البحري وزيادة أسعار البضائع خاصة النفط، وحرمان مصر من عائدات ضخمة للمرور بقناة السويس، ناهيك عن إهدار المليارات لتوظيف قطع حربية ترافق السفن التجارية، أو حروب صغيرة تشن على معاقل القراصنة. كل ذلك يمكن تفاديه بجهد سياسي تبذله الولايات المتحدة لحل المعضلة الصومالية وإقامة حكومة وطنية في هذا البلد الممزق، يمكنها السيطرة على القراصنة وغيرهم، لكن ذلك كلام نظري وحسب، إذ كيف لواشنطن أن تعيد هندسة علاقاتها الخارجية في منطقة القرن الإفريقي، من أجل سلام الصومال واستقراره فقد تكون مصالحها الذاتية لا تتحقق سوى بالفوضى والحروب، فهذا ما عودتنا عليه أميركا طوال تاريخها فهذه الإمبراطورية التي عمرها 230 عاماً شنت حتى اللحظة 241 حرباً، ما يعني أن عظمتها وازدهارها لا يتحققان إلا بدماء الآخرين ودموعهم.أما وقد عادت موجة القرصنة في الألفية الثالثة بعد أن كانت بدأت زمن الحضارة الفينيقية قبل خمسة آلاف عام، فيجدر بالقادة العودة إلى ذلك الزمن ليتعلموا كيف كان الأوائل يحموا سفنهم في عرض البحر، فقد كانت ترافقها في رحلاتها زوارق حربية سريعة تحميها من خطر القراصنة فما الذي ينقص الشركات العملاقة كشركة «أرامكو» السعودية من أن تحذو حذو الفينيقيين؟!..
Leave a Reply