مريم شهاب
فـي مقولة جميلة للمرحوم السيد محمد حسين فضل الله: «حين نحوّل الدين إلى طقوس وعادات وتقاليد فإنه يجّمد العقل فـي الإنسان ويحوِّله إلى مدمن تخلُّف ورضى عن الذات».
قبل قرنٍ من الزمان، كانت الدنيا تركض فـي دروب العلم والفضاء، كان تلميذ الشيخ محمد عبده يطرح السؤال نفسه منذ ألف ليلة وليلة، إبريق المرحاض أيوضع إلى يمين المتوضئ أو إلى يساره، فـيما الأبحاث العلمية فـي بلاد الله الواسعة، تمكنت من الطيران والتواصل بوسائل تكنولوجية أسرع من عفريت النبي سليمان، وتبديل القلوب التعبانه فـي الصدور، وقهر عقم الزوجات بطفل أُنبوب ومداواة السرطان والإيدز، ومقارعة الزلازل والكوارث فـي جدية التعاطي مع الرقي العلمي، وإتقان استعمال سلاح العلم والمعرفة والتكنولوجيات، ونشر الفرح من خلال الألعاب الرياضية والتمدن فـي الفنون والموسيقى.
من مبدأ لا يوجد معرفةٌ ضارة ولا جهل نافع، يحاول الاستاذ مصطفى العمري فـي برنامجه «قراءات معاصرة» على قناة تلفزيون «ألماس» المحلية هنا فـي ميشيغن، من خلال قراءاته واستضافته البعض من المتنورين ومن المثقفـين والباحثين ورجال الدين، سواء الموجودون هنا أو خارج الولايات الأمريكية. ويتساءل أين نحن من العلوم الغربية الواسعة الشاسعة وما الذي اوصل العرب والمسلمين إلى هذا العصر الذهبي للانحطاط والصدأ؟؟
فـي بلاد الشرق صار العرب والمسلمون تحديداً قبائل متناحرة، متناثرة تهرول بالشعارات الدينية، أين منها عاد وثمود! وهنا فـي بلاد الغرب الكثير منهم يدخن «نارجيلة التاريخ» ويحلم بالماضي، غير مبالٍ للمستقبل، ويجتر تعاليم ونصوصاً دينية تكبّل الحاضر بشرانق الماضي السحيق من الخلافات الطائفـية والطقوس العقائدية، يدور فـيها العربي المسلم تحديداً، مثل الحمار يحمل أسفاراً، مع الأسف الشديد للتعبير.
فـي برنامج «قراءات معاصرة» تغيب الاسئلة التقليدية، وتنحسر فذلكة المذيع كما يحدث فـي أغلب برامج الحوار العربية، حين يستعرض صاحب البرنامج عضلاته الفكرية، ويتمادى فـي أسئلته الاستفزازية بفظاظة وسماجة على مدعويه. بالعكس من ذلك تماماً، ولعل ذلك أحد أسرار نجاح برنامج «قراءات معاصرة»، كما إن قدرة الاستاذ مصطفى العمري الاستثنائية على إيهام ضيفه فـي البرنامج بانه مهم، مما يخلق مناخاً للأستاذ العمري ليطرح أسئلته بجرأة، ويحسن اقتناص الفرص لكسر ملل المشاهد، وشد انتباهه طوال بث البرنامج باسلوبه الناعم الإيجابي فـي محاورة ضيوف حلقاته، حين يستفزعقولهم بأسئلته، ولا يستفز الضعف البشري لديهم، ويشع من قراءاته، ضوء مودته ودفء قلبه كما يشع المصباح حين يضئ من الداخل، وتقطر الدماثة والتواضع من حضوره بذكاء وسعة علم وفهم، هذا إلى جانب الثقافة.
ثمة ظاهرة إيجابية سارّة لدى الأستاذ العمري هو أنه يطالع ويقرأ كتب الذين يستضيفهم فـي برنامجه، وهو أمر بديع ورائع يحسب له، رغم إنه لم يعد شائعاً عند معظم مذيعي ومذيعات برامج «سلق البيض» هذه الأيام.
تهنئتي الخاصة للأستاذ مصطفى العمري وتحية لجرأته فـي تحكيم العقل فـي زمن التخلف والغرائز الهمجية، حتى لا يستمر قابيل فـي قتل شقيقه باسم الدين، وحتى لا يبصق أحفادنا قرفاً حين يدرسون تاريخ ما يحدث الآن فـي ديننا ودنيانا.
Leave a Reply