عندما يهزم ملاك العدالة الأميركية شياطين أدعياء “حماية الطفولة”!
ديترويت – خاص “صدى الوطن”
لم يدر في خلد المواطن العراقي عماد الجاسم أن الطفلة التي كانت ترقد في أحشاء زوجته وهما على متن الرحلة التي أقلتهما الى الولايات المتحدة الأميركية ذات يوم من كانون أول (ديسمبر) عام 2000 كلاجئين، سوف تنتهي في أحضان اصطناعية، بدل الحضن الدافئ الطبيعي لوالديها اللذين كانا قد تزوجا حديثا.
رأت “معصومة” النور بُعيد وصول الوالدين واستقرارهما في منطقة ديترويت. لكن حياة هذه الطفلة تحولت، قبل بلوغها سن الثالثة من العمر، إلى جحيم، بعيدا عن أحضان الأبوين، وفي منزل لرعاية الأطفال تديره عائلة أميركية في مدينة ديترويت.
فقد ساءت العلاقة بين الأم والأب، بعد أشهر قليلة من وصولهما ثم ما لبثا أن تطلقا (وفق الشرع الإسلامي) ليعيش الأب بعيدا عن طفلته التي بقيت في حضانة الأم، ولتبدأ منذ تلك اللحظات فصول قصة مأساوية سوف تتظافر على اكتمالها جملة من الظروف والحوادث، عنوانها الأبرز الظلم وانتهاك الحقوق الإنسانية و المدنية على أيدي بعض من يفترض أنهم حماة القانون والإنسانية فيما يسمى بـ”وكالة خدمة حماية الأطفال” التابعة لدائرة الخدمات الإنسانية في ولاية ميشيغن.
بدأ الفصل الأول من القصة عندما أدخلت الأم طفلتها “آية” الى قسم الطوارئ في مستشفى “دي أم سي” وهي مصابة بكسر في الجمجمة جراء حادث لم تستطع الأم إقناع الأطباء بـ”طبيعيته” مما أثار الشبهات بالإهمال واساءة المعاملة. وبعد نحو شهرين اتخذت إحدى المحاكم في ديترويت بناء على طلب “وكالة حماية الأطفال” قرارا بفصل الطفلة آية (سنتان) وشقيقتها معصومة (3 سنوات) عن حضانة الأم ووضعهما في بيت للرعاية تديره عائلة أفريقية أميركية في مدينة ديترويت.
والد الطفل “آية” لم يكن معنيا بملاحقة وضع طفلته، وهو لم يكد يظهر على مسرح القصة حتى سارع الى الابتعاد، ثم “الاختفاء”. أما الأم فقد بدت المعركة القانونية لاسترداد طفلتيها مسألة معقدة ومكلفة بالنسبة اليها وانتهت بعد نحو ثلاث سنوات بقرار من المحكمة بانهاء حقوقها القانونية بالطفلتين، ولم تلبث أن تزوجت للمرة الثالثة برجل عراقي وغادرت معه اميركا الى سوريا ولم تعد.
بعد حوالي تسعة أشهر تلقى الزوج الأول ووالد الطفلة “معصومة” عماد الجاسم رسالة من السلطات المختصة تفيده أن طفلته “معصومة” باتت تعيش في بيت للرعاية، فبادر الى التحرك لاستشكاف ما حصل ولمحاولة استرداد طفلته، ليفاجأ بأن لـ”معصومة” أخت أخرى اسمها “آية”، وتقيم معها في بيت الرعاية. وطلبت منه السلطات الحضور و”التعرف” على الطفلتين وترتيب جدول للزيارات مع العاملة الاجتماعية المختصة.
كان قسم الصحة النفسية في المجلس العربي الأميركي والكلداني ممثلا بالمرشدة العيادية الاجتماعية لبيبة رضوان قد دخل على خط مساعدة جاسم في محاولته استرداد طفلته وبذلت المرشدة رضوان جهدا على مدى أشهر لتحديد الهوية الحقيقية للطفلتين اللتين جرى تسجيلهما باسمين جديدن، بعدما كانتا مسجلتين تحت اسم عائلة الأم قبل إنهاء حقوقها القانونية بحضانتهما.
في العام 2005 وبعد انهاء حقوق الأم بالحضانة استطاع جاسم استعادة طفلته “معصومة” الى رعايته، لكن تم الإبقاء على آية وفصلها عن أختها وحيث حصل جاسم على حقوق الزيارة بالنسبة للطفلة الثانية (ابنة مطلقته من زوج آخر).
وهنا بدأ الفصل الثاني من هذه المأساة تمثل بفصل الأختين وما لهذا الفصل من تداعيات نفسية سيئة عليهما، وهما اللتان عاشتا في بيت واحد للرعاية لأكثر من ثلاث سنوات.
ازداد إصرار السيد عماد الجاسم على جمع الطفلتين تحت رعايته، وواصل الاصرار على قراره بفضل مساعدة قانونية تطوعت لتقديمها له المحامية انتصار الخفاجي التي رأت في القضية ظلما واقعا على الطفلتين ولم توفر جهدا في منح جاسم كل الدعم المعنوي والتطوعي.
وفي العام 2006، وبعدما أدركت “وكالة حماية الأطفال” أن هنالك إصرارا من قبل جاسم على استعادة آية قامت بوضعها على لائحة التبني، وطلبت الى جاسم تقديم طلب بهذا الخصوص، كأي متقدم للتبني في هذه الحالة. ولم تلبث وكالة التبني المسماة “سبولدنغ فور تشيلدرن” أن رفضت طلب جاسم ومنحت التبني لعائلة أخرى تقدمت بطلب مماثل.
إلا أن نباهة ودينامية المحامية خفاجي وقفت عائقا أمام اكتمال الفصل التآمري ضد الطفلة آية، حيث اكتشفت خفاجي أن الجاسم كان لا يزال الزوج القانوني لوالدة آية يوم مولدها، وحيث أن الطلاق أجري وفق الشريعة الإسلامية وليس أمام محكمة مدنية. ومن هذه الثغرة استطاعت المحامية خفاجي النفاذ من خلال “جدار الفصل” اللاإنساني الذي كانت تشيده “وكالة الحماية” ووكالة التبني بين الطفلتين الأختين، ما حدا بالقاضية في محكمة ديترويت أن تمهد الأرضية القانونية أمام إعادة آية الى رعاية والد أختها معصومة.
أمام هذا المشهد الذي كاد يختم الفصل الثاني بخاتمة سعيدة، لجأت دائرة الحماية وفق ما يقول الجاسم ومحاموه الى وسيلة خبيثة حيث قامت بتلفيق حادثة تعرضت لها آية أثناء إحدى الزيارات المراقبة التي كان يقوم بها السيد الجاسم بمساعدة وتسهيل من المرشدة لبيبة رضوان من المجلس العربي الأميركي والكلداني، ووصل الحد في العقل التآمري لدى بعض الموظفين الى وضع الجبس (الجفصين) على يد آية لتقديم تقرير الى المحكمة بدعوى عدم أهلية جاسم لحضانة آية.
غير أن المرشدة رضوان التي كانت تتابع كل التفاصيل المتعلقة بالقضية صعقت “المتآمرين” بشريط فيديو يصور آية خلال الزيارة وهي تلعب بحرية في أرجاء الغرفة في اليوم ذاته الذي الذي زعمت الوكالة حصول الحادثة خلاله. وأبلغت المعنيين أن هذه اللعبة لن تنطلي على المحكمة، وسيتم فضحها بالشريط المصور.
إزاء هذا التطور، “ارتقى” التفكير الشيطاني لدى “المدافعين” عن حقوق الطفلة الى وضع سيناريو جديد في محاولة حرمان الجاسم من استعادة الطفلة، سيكون هذه المرة أكثر خبثا وإيلاما من أي وقت مضى. فقد لجأت الموظفة الممسكة بملف آية في وكالة الحماية وبالتواطؤ مع بيت الرعاية الى تلقين الطفلة آية رواية يجب عليها أن تخبرها للإدعاء العام ومفادها أنها تعرضت لتحرش/اعتداء جنسي على يد الجاسم. كان هذا كفيلا باستدعاء الجاسم والتحقيق معه في “التهمة” الموجهة اليه (جريمة اعتداء جنسي من الدرجةالأولى) ثم إيداعه السجن ووضع كفالة مالية بقيمة 100 ألف دولار للإفراج عنه وتم أخذ طفلته معصومة مجددا الى بيت الرعاية.
ومرة اخرى لم يفلح كل المكر الذي مارسته الوكالة بالتواطؤ مع بيت الرعاية، فكان “مكر” المحامين دريد الدر وشريف عقيل وانتصار الخفاجي بالمرصاد لتلك المحاولة الدنيئة التي لجأت اليها الوكالة.
خيضت حملة سريعة لجمع التبرعات لصالح الإفراج عن الجاسم ونجحت الحملة بفضل عدد من الخيرين وأصحاب النخوة والحمية وأبرزهم طبيبة أطفال عربية أميركية بجمع 10 آلاف دولار (القيمة الجزئية للكفالة) وخرج الجاسم من السجن بعد 15 يوما بدت له ١٥ دهرا، ووقف في قاعة المحكمة في أحد ايام كانون الأول الماضي بحضور المحامين والطفلتين آية ومعصومة وبحضور الادعاء والقاضية “ميري بيث كيلي”.
في تلك الجلسة وقف الادعاء ووجه “سؤال المليون دولار” الى الطفلة البريئة آية (عمرها الآن 7 سنوات): أخبري المحكمة ماذا فعل بك هذا الرجل؟
صمتت الطفلة لبرهة ومررت نظراتها الحائرة في أرجاء القاعة ثم التفتت نحو أختها معصومة التي سارعت الى حثها على النطق قائلة لها: “آية.. قولي الحقيقة.. قولي بالضبط ماذا حصل لك”.
نظرت آية الى ممثل الادعاء ونطقت بـ”الحكم” الذي صفع كل من تآمروا على طفولتها البريئة: “لقد طلبت مني السيدة (..) أن أكذب وعلمتني ما يجب أن أقول.. لم أتعرض لهذا الشيء أبدا. أنا أحب أبي (عماد الجاسم) كثيرا وأريد أن أبقى معه ومع أختي.
حل صمت رهيب في قاعة المحكمة للحظات قبل أن ينبري ممثل الادعاء مخاطبا القاضية. “سيدتي أعلن بطلان كل التهم بحق السيد الجاسم وإقفال ملف التحقيق”.
كانت كلمات الادعاء بمثابة البرد والسلام على القاضية النزيهة التي لم تؤمن يوما بفصل الأختين ثم سارعت الى النطق بحكم العدالة الأميركية التي ستظل حارسا أمينا للحقوق المدنية والإنسانية والملاك الذي سيهزم شياطين أدعياء حماية الطفولة: هاتان الطفلتان، بأمر المحكمة تعودان للعيش متحدتين مع والدهما عماد جاسم. أقفل الملف… لدى المعنيين ساعة واحدة لاتمام ترتيبات اعادتهما الى رعاية هذا الإنسان الطيب..”.
كانت كلمات القاضية كيلي تخط آخر الحروف المضيئة للعدالة الميركية لاختتام المشهد الأخير من المسرحية المأساوية بأبطالها الأشرار والخيرين.
والد الطفلتين السيد عماد جاسم حضر بصحبتهما وبحضور المحامين والناشطين في هذه القضية احتفال النهاية السعيدة الذي نظمته المرشدة الديناميكية لبيبة رضوان في مبنى قسم الصحة السلوكية التابع للمجلس العربي الأميركي والكلداني على شارع الميل السابع في مدينة ديترويت مساء يوم الجمعة الماضي وسالت فيه دموع كثيرة تأثرا بمشهد عودة الفتاتين من “غابة الذئاب” الى دفء المنزل الأبوي.
الوالد عماد الجاسم أوجز لـ”صدى الوطن” مشاعره بالقول: فرحة كبيرة غمرتني بعودة ابنتي، لن أجد العبارات التي تفي بوصفها، لكن هذه الفرحة لم يتكن لتتم وتلك المعاناة الطويلة لم تكن لتنجلي عن هذه الخاتمة السعيدة لولا الجهود الكبيرة والخيرة والداعمة التي محضتني إياها كوكبة من أبناء الجالية العربية في مقدمتها: المحامية الإنسانية واللامعة انتصار الخفاجي والسيد عامر الخفاجي والمرشدة اللامعة لبيبة رضوان من المجلس العربي الأميركي والكلداني والدكتورة المخلصة والخيرة رغدة شويكاني والمحاميين شريف عقيل ودريد الدر والقنصل اليمني عبدالحكيم السادة والشيخ صالح الجهيم ومؤسسة “مسلم فاميلي سرفيس” وكثيرون آخرون من رجال دين ونشطاء، ومع شكري وتقديري لصحيفة “صدى الوطن” ودورها في إبراز هذه القضية.
Leave a Reply