قبل شهر على موعد الانتخابات البلدية العامة، نشرت صحيفة «ديترويت فري برس» تقريراً صحفياً يثير شبهات حول تلقي رئيس بلدية ديربورن جاك أورايلي رشاوى، على خلفية تطوير أحد المشاريع العقارية في غربي المدينة.
التقرير الذي نشر بالتزامن مع إصدار بطاقات التصويت الغيابي، من المرجح أن يؤجج المنافسة على السباق الانتخابي لمنصب رئاسة البلدية الذي يشغله أورايلي منذ 2001 بلا منافسة، كما من شأنه أن يزيد من وتيرة شكوك السكان حول غياب الشفافية أو تراجعها في حكومة المدينة التي شهدت في نيسان (أبريل) الماضي محاكمة الكليرك كاثي بودا لاختلاسها مئات الدولارات من صندوق البلدية.
وكانت بلدية ديربورن قد عقدت –قبل 4 سنوات– صفقة لبيع قطعة أرض، على تقاطع شارعي ميشيغن أفنيو وهوارد، لشركة «هومسايت للاستثمارات» بمبلغ 30 ألف دولار على أن تقوم الشركة باستثمار نصف مليون دولار لبناء مطعم ومقهى.
وبعد ستة أشهر من عقد الصفقة، كشفت وثائق سكرتاريا المدينة أن أورايلي قد اشترى من حسن صعب (الذي يعمل في شركة هومسايت) سيارة من طراز «فورد اسكايب»، موديل 2008، مقابل ألفي دولار، مع أن الأول كان قد اشتراها من أحد المزادات بمبلغ 2200 دولار، علماً أن سعرها في السوق يقارب الـ4 آلاف دولار، مما أثار تساؤلات عديدة حول حصول صعب على موافقة البلدية على عقد تلك الصفقة، وحول ما إذا كانت صداقته مع ابن رئيس البلدية قد لعبت دوراً في ذلك.
وقال أورايلي –على صفحة حملته الانتخابية على «فيسبوك»– إن ما يثار من شبهات حول تلك المسألة مغرض، لكن أحد العاملين في متجر للأدوات الموسيقية بغرب المدينة، علق بالقول «تحتاج المدينة لعملية فحصها للشركاء المحتملين».
وأشارت المسؤولة الإعلامية في البلدية ماري لاندروش إلى أن البلدية بحثت عن مضاربين راغبين في استثمار العقار الآنف الذكر في 2014 عقب امتلاك البلدية له من خلال عملية رهن عقاري. وأضافت «إن مضاربين اثنين تقدما بعرضين أحدهما كان شركة «هومسايت إنفستمنت» التي يعمل صعب فيها، وقد قامت الشركة بإيداع (ديبوزت) مبلغ قدره 100 ألف دولار، في نيسان (أبريل) من ذلك العام». وأكدت أن «العرض تم تقييمه من قبل لجنة المراجعة التي كان أورايلي قد عينها قبل أكثر من عام، والتي أوصت المجلس البلدي بالموافقة على العرض في حزيران (يونيو) 2015».
كما أشارت إلى أن لجنة المراجعة تقوم بعشرات إجراءات المراجعة سنوياً، وعند كل عملية شراء تقوم بها البلدية، مثل شراء السيارت، وشراء نظام الهواتف الجديد.
تجدر الإشارة إلى أن موافقة لجنة المراجعة على عرض شركة «هومسايت إنفستمنت» لم يتم بدون خلاف بين أعضائها، إذ أبدى عضو اللجنة وعضو هيئة تطوير داونتاون ديربورن توم كلارك شكوكه حول إمكانية قيام صعب بتلك المهمة، وحول التزام «نودلز كو» بتحويل العقار إلى مطعم.
صفقة الباب الخلفي؟
في شباط (فبراير) 2016، قام صعب بصرف الشيك الذي حرره أورايلي بمبلغ 2000 دولار ثمناً للسيارة التي كان قد اشتراها قبل 9 أيام بمبلغ 2200 دولار. وقد أكد رئيس البلدية في بيان «إن مايلاج السيارة كان يبلغ 160 ألف ميل عندما اشتريتها لابني، ولم يكن لدي علم بأن السيد صعب قد دفع أكثر من 2000 دولار بقليل ثمناً لها، ولو أعلمني بذلك لكنت سعيداً بدفع الثمن كاملاً.. وكنت أعتقد أنني قد قمت بذلك فعلاً».
وعندما علم مسؤولو البلدية أن صعب يتاجر بالعقارات المنزلية بالشراكة مع الصيدلاني عماد سويد الذي كان يخضع للتحقيق الفدرالي بتهم الاحتيال الطبي (ميديكيد)، اعتقدوا أن الأخير هو العقل المدبر لشركة «هومسايت للاستثمارات».
وفي آذار (مارس) 2016، رفع سويد دعوى قضائية ضد صعب أمام محكمة مقاطعة وين مدعياً عليه بسرقة مليون دولار، فيما قال صعب أنه تم تزوير توقيعه على السجلات ذات الصلة بتلك القضية.
وفي حزيران (يونيو) 2016، وفيما كانت الصفقة على وشك الانهيار، اجتمع سويد وصاحب شركة «يوغرتبيا» سام عباس مع أورايلي ومحامية المدينة ديبرا وولينغ لاستشكاف ما إذ كانت ثمة إمكانية في أن تتولى شركة «يوغرتوبيا» عملية تطوير العقار بدلاً من شركة «نودلز كو».
كما اجتمعا لاحقاً، من ذلك الشهر بعضوي المجلس البلدي توم تافيلسكي ومايك سرعيني في أحد مقاهي ديربورن لطلب تمديد الموعد النهائي لتطوير العقار، وقد استغرب كلا العضوين ذلك الطلب، وقالا «مثل هذا الإجراء ليس صحيحاً عندما يتعلق الأمر بالممتلكات العامة للمدينة»، وقصّ سرعيني وقائع اللقاء في رسالة بريدية لمحاميي البلدية.
كما قام تافيلسكي –الذي ينافس أورايلي على منصب رئاسة البلدية– سراً بتسجيل المحادثة عبر هاتفه الشخصي. وتنص قوانين ميشيغن على أنه يمكن لأحد الأشخاص بتسجيل محادثة خاصة بدون إذن أصحابها، ولكنها تحظر إسماع تلك المحادثة للآخرين.
ووصف أستاذ القانون في جامعة «ديترويت ميرسي» عامر زهر التسجيل بأنه قانوني من الناحية الفنية، لكنه يطرح تساؤلات حول أخلاقية ذلك التصرف وحول أهليته تافيلسكي للقيادة، وقال «هنالك الكثير مما يمكن انتقاده في عهد أورايلي لكن شخصيته لا تنطوي على أي نوع من الفساد».
وأضاف «بما أن تافيلسكي قام بتسجيل المحادثة فإنه يمكن الافتراض بأنه هو من قام بتسريب القصة لوسائل الإعلام، فالتوقيت أمر مثير للشكوك خاصة وأنه جاء قبل يومين من إصدار بطاقات التصويت الغيابي. وأكد «مرة أخرى، هذا التصرف يعكس أسئلة مباشرة حول أهليته للقيادة».
وقد أكدت لاندروش –في تداعيات هذه القضية– أن «ملكية قطعة الأرض باتت الآن قيد التقاضي»، وقالت «إن البلدية تعتقد أن من حقها الاحتفاظ بمبلغ الإيداع وهو 100 ألف دولار، فيما تحاول «هومسايت» استرجاع ذلك المبلغ»، ولا تزال قطعة الأرض على حالها، ولم يحرك فيها ساكن منذ أربع سنوات.
حملات انتخابية سلبية
الكثير من سكان المدينة تساءلوا حول توقيت التغطية الإعلامية لوقائع وتداعيات الصفقة بين بلدية ديربورن وشركة «هومسايت انفينسمنت» وحول تأثيرها على الأجواء الانتخابية في المدينة التي يشعر سكانها بضرورة تعزيز الشفافية في حكومة مدينتهم. وتساءل كارل سمولي «أليس غريباً أن تظهر هذه القضية قبل أسابيع قليلة من الانتخابات العامة؟».
لاندروش –من جانبها– رفضت الادعاءات التي تتهم البلدية بسوء التصرف، وأكدت أن «التغطية الإعلامية لم تضر –على ما يبدو– بحملة أورايلي الانتخابية» مدللة على ذلك بأن مكتبها لم يتلقَ سوى رسالتين فقط تستفسران عما جرى.
وفي آب (أغسطس) الماضي، وعشية الانتخابات التمهيدية، تلقى سكان ديربورن منشور يتهم تافيلسكي بانتحال شخصية شرطي ويقوم بالتحرش بامرأة عجوز إضافة إلى تلفظه بعبارات عنصرية، وأصدر تافيلسكي حينها بياناً صحفياً وصف فيه ذلك المنشور «بالمثير للاشمئزاز والمليء بالاتهامات الملفقة والكذب الصريح».
Leave a Reply