إنّ المفارقات التي أجدها مصادفة أو أحياناً هي التي تصادفني تستأثر باهتمامي فيسيل لها لعاب القلم فأهرع إلى تدوينها، مثلما حصل مع امرأة شاءت الصدف أن تجمعنا لتشرح لي معاناتها والأسئلة التي تحيرها، وإليكم معضلتها كما روتها لي على لسانها.
تعرفت إليه في إحدى وسائط النقل، كان يجلس على المقعد الأمامي فيما كانت تجلس على المقعد المقابل له، فجأة رنّ هاتفه وكان على الخط شخص يطلب مقابلته بخصوص عمل ما. بدت على وجهه الحيرة بسبب عدم إلمامه بلغة المهاتف، فانبرت من جانبها لمساعدته في الترجمة فسُرّ بذلك واتفقا، ثم سألها بكل أدب عن إمكانية الاتصال بها عند الحاجة. ولما لم تجد في ذلك مانعاً أعطته رقم هاتفها.
تقول: في اليوم التالي اتصل بي قائلاً إنه معجب بقوة شخصيتي وإن صوتي فيه نبرة موسيقية شدّته إليه من اللحظة الأولى وقد شعر بميله إلي، و«قد داهم الحب قلبه بسرعة لم يعهدها من قبل». ولما أردت من جانبي استطلاع أمره رحت أستفسر منه عما حصل له فاتخذ من أسئلتي وسيلة لمعاودة الاتصال الهاتفي حتى أصبحت الاتصالات بيننا يومية.
أخذ يسمعها كلاماً جميلا دغدغ مشاعرها وأيقظ أحاسيسها وأعاد الفرح إلى قلبها الذي كان يغط في سبات عميق ويرفض السماح لأحد أن يطرق بابه بعد أن مرت فترة طويلة قطعت فيها على نفسها عهداً بألا تثق برجل آخر بعد خيبة الأمل التي خلفتها خيانة زوجها لها والطلاق منه.
هكذا صار الاتصال اليومي أشبه بحبة دواء وكانت دقات قلبها منتظمة على توقيت اتصالاته.
ثم تقابلا في مكان عام لوقت قصير. «أحسسنا بأننا مراهقان يتبادلان النظرات العاشقة والشوق الملتهب، فانسجمنا وربطت بين قلبينا لغة الحب التي لا تقاوم».
سافر إلى بلده وبقينا على هذا الحال من تبادل المحبة عبر الاتصالات الهاتفية، وشاء القدر أن يذهب هو وصديقه إلى بلد آخر تربطهما به مشاريع عمل. حينها انقطعت الاتصالات واستعاض عنها بإرسال الرسائل النصية فقط، لكن الحظ التعيس كان لهما بالمرصاد، حيث تعرض صاحبه لحادث سير مروع أفقده الوعي مما تطلب نقله إلى البلد الأم بعد أن دخل في غيبوبة طويلة.
بدأ حبيبي بالتلكؤ عن الاتصال بي وأصبحت أنا من يديم الاتصال فأواسيه لمعرفتي بمدى حبه وإخلاصه لصديقه الذي كان شريكاً له في العمل.
كانت مبادئه واضحة تتميز بالمحبة والصبر والإخاء ومساندة الصديق في المحن، وقد شدتني إليه هذه الصفات الحميدة، لذلك كنت أشعر بأنه من الممكن أن يكون زوجاً صالحاً لي يحافظ علي كما يحافظ على أصدقائه.
وعلى الرغم من أنني وقفت إلى جانبه في مرض صاحبه وحملت معه الألم كما حاولت إخراجه من الصدمة التي سيطرت عليه، لكنه سرعان ما فشل عند أول منعطف، حين تجاهلني عندما تعرضت لحادث سير أرسلت له صور تفاصيله غير أنه لم يكترث للأمر ولم يسأل حتى عن وضعي الصحي، فشعرت بجرح في الصميم وبدأ بناء الأمل الذي حلمت يهتز، فقاطعته ولم أعد أتصل به.
بعد مرور شهر قرأت على مواقع الاتصال الاجتماعي على صفحته بحلول عيد ميلاده فبادرت إلى إرسال بطاقة الكترونية إليه تحمل عبارة (كل عام وأنت بخير) ولم أزد على ذلك لأشعره بما اقترف بحقي من ذنب التجاهل، فأرسل لي رسالة صوتية يبلغني فيها بموت صديقه، وكان صوته مخنوقاً يتملكه الحزن فتأثرت لموت صديقه سيما وقد أراني صورته يوماً عبر هاتفه.
إن واجبه وإخلاصه تجاه صديقه لا يعفياه من أداء واجبه تجاهي، كيف لا وهو حبيبي كما يدعي.
كان بإمكانه أن يسأل عني حتى ولو بكلمة واحدة تطيب خاطري، سيما وأن حضوره دائم عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
أجد نفسي حائرة من أمره، هل يحبني أم أنه يحتاجني بعد موت صديقه فلم يجد غيري ليواسيه ويخفف عنه مصابه؟ كيف لي أن أثق به بعد إهماله لي؟ هل أقفل قلبي مجدداً أم أتركه مشرعاً لرجل آخر قد يدخل إليه دون استئذان وبمحض الصدفة.
Leave a Reply