تراعي تراث المدينة العريق ونسيجها الإجتماعي وإعادة إستخدام حجارتها
بنت جبيل – خاص «صدى الوطن»
أعطت دولة قطر موافقتها على الخطة الهندسية التي قدمها المكتب الفني للتنظيم والإشراف على إعادة إعمار وسط بنت جبيل الذي دمرته إسرائيل خلال عدوانها في صيف العام الماضي. وقضت الخطة بتقسيم وسط المدينة القديمة إلى عدة أجزاء يجري تلزيم كل منها على حدة.فبعد إنتظار طال أكثر من عام على تدمير الأحياء القديمة التاريخية في المدينة وعلى ضوء تعهد الحكومة القطرية إعادة إعمارها كانت بيوت المدينة المهدمة لا تزال على حالها والأهالي ينتظرون العودة إلى بيوتهم وبلدتهم، بسبب التأخر في إيجاد حلول لكيفية إعادة البناء وفي الوقت ذاته العمل على حفظ تراث المدينة وتاريخها وأخصاً حجارتها القديمة.
وأدت جهود المكتب الفني المشرف على إعادة الإعمار إلى تخطي عقبات كثيرة كانت تعرقل حل مشكلة إعادة البناء بما يحافظ على تراث المدينة وأصالتها نظراً لأن أغلبية البيوت المهدمة كليا أو جزئياً مبنية من الحجر وقديمة البناء، تعكس تاريخ المدينة العريق ونسيجها الإجتماعي.وتمثلت المشكلة الأساسية بداية في الطريقة التي ستعتمد لإعادة إعمار وسط المدينة القديم المهدم بصورة شبه كلية والذي تعكس حجارة أبنيته تلاوين المدينة القديمة ونسيجها الإجتماعي المتميز بالتشابك الذي يعبر عنه تلاصق الأبنية.وقد عرضت إقتراحات عديدة من أجل إعادة إعمار بنت جبيل من بينها جرف الوسط القديم وإعادة بنائه من جديد وتلزيم الإعمار إلى شركة هندسية دون أن يكون هنالك رأي للأهالي، مما خلق ردود فعل رافضة وغاضبة من قبلهم، إلى أن جرى تكليف المكتب الفني للتنظيم والإشراف على إعادة البناء.وكان على المكتب مواجهة مشكلات متعددة لأن عقارات بنت جبيل ليست ممسوحة ولا محددة وهي متداخلة ومتلاصقة، إضافة إلى أن عملية النباء تتطلب الملكيات العقارية العامة والخاصة عن طريق «العلم والخبر».وبعد إنجاز عملية تحديد العقارات ومسحها جرى وضع ضوابط عامة للبناء، أهمها تقسيم البلدة إلى عدة أقسام لإنجاز البناء وفق خطة متجانسة ومنظمة. ونظراً إلى تباين المساحات العقارية بين كبيرة وصغيرة ومتوسطة فقد جرى تقسيم عقارات وسط المدينة إلى عدة أقسام تبعاً لمساحة كل عقار ووضعت ضوابط عمل على تطبيقها في كل قسم بما يحافظ على ملكيات جميع الأهالي وحقوقهم.ويقول مسؤول إدارة المشروع وتنظيم إعادة البناء في الجنوب المهندس ناصر شرف الدين «إن المهم هو إعادة الملكيات إلى أصحابها مع المحافظة على النسيج الإجتماعي للمدينة، وضمن هذا النسيج هنالك أبنية لها طابع خاص ورمزي وتاريخي يجب المحافظة عليها».وسوف يتحرك بناء البيوت إلى الأهالي بعد دفع التعويضات المستحقة لهم ضمن ضوابط عامة وحوافز للمحافظة على التراث القديم والنسيج الإجتماعي. ومن هذه الحوافز زيادة المساحة المخققة للبناء في كل عقار من 60 إلى 70 بالمئة، إذا قرر صاحب العقار النباء بالحجر الصخري بدل الباطون المسلح. إضافة إلى أنه سيجري الحرص على جعل الأبنية أكثر إلتصاقاً بعضها بالبعض الآخر، لزيادة عدد الحدائق الخاصة وليصار إلى إنشاء «حديقة المجموعة» في كل عقار.وقسمت الأبنية وفقاً للخطة النهائية إلى ثلاثة أقسام: قسم مهدم كليا وهذا سيعمل على إعادة بنائه وفق الضوابط العامة المحددة والتشجيع على إعادة البناء الحجري. والقسم الثاني هو المباني الحجرية التي تحتاج إلى ترميم، أما القسم الثالث فهو المباني الإسمنتية التي تحتاج إلى ترميم. ويوضح شرف الدين «إن ترميم المباني الإسمنتية لا يشكل عائقاً أمامنا، بعد أن ندخل بعض التعديلات التي تزيل التشوهات التي أحدثها البناء العشوائي أثناء الإحتلال والفوضى. أما المباني الحجرية فهي التي تحتاج إلى كلفة إعادة بناء عالية وتزيد عن المبالغ التي كانت مخصصة أصلاً للتعويض عن الوحدات السكنية وهذا ما جعلنا نترك أمر إعادة بناء المنازل الحجرية إلى مهندسين متخصصين تشرف عليهم بعد تلزيمهم والحصول على الميزانية الخاصة لذلك من الحكومة القطرية». وقد وافق القطريون على ذلك، بعد أن يُصار إلى تلزيم المدينة وتقسيمها إلى عدة أقسام (حوالي 20 قسماً) مستقلة بإشراف المكتب الفني وتكليف المهندس شرف الدين مشرفاً عاماً على عملية البناء بأكملها.ويقول شرف الدين: «قدمنا للمكتب القطري ملفاً متكاملاً وموثقاً بالصور والخرائط عن بنت جبيل وأبنيتها وعقاراتها وهذا ما جرى إعتماده والموافقة عليه أولاً لدفع التعويضات عن الأبنية المهدمة الأخرى الإسمنتية التي تحتاج إلى ترميم».ويقول مدير المكتب الفني في بنت جبيل هيثم بزي أن ملف جدول التعويضات أصبح في حوزة القطريين، ويتوقع أن تدفع الجداول بالتتالي، وقد جرت الموافقة في 13 أيلول على تلزيم الأبنية الحجرية التي تحتاج إلى ترميم وفق خطة المكتب الفني الهندسية، وسيصار لاحقاً إلى شراء المساحات الفارغة لتحويلها إلى حدائق عامة، حيث يوجد أكثر من 130 شخصاً من أصحاب العقارات سيتركون الوسط القديم ليبنوا خارجه، مما يجعل المساحات أكثر إتساعاً ويمكن شراؤها وإستغلالها للمصلحة العامة.ويوضح المهندس شرف الدين «أن الأهالي انتظروا طويلاً لكن ما تم إنجازه معقد وكبير، ولكن المشكلة تبقى في مراقبة تنفيذ عملية البناء الموضوعة والتأكد من إلتزامها الضوابط اللازمة للحفاظ على نسيج بنت جبيل الإجتماعي، لأن التقصير في هذا الإلتزام يولّد مشكلة كبيرة لذلك وجب تجهيز فريق عمل لمراقبة تنفيذ الإعمار وفق القواعد والضوابط العامة».جدير بالذكر أنه حتى الآن لم تدفع قطر في بنت جبيل سوى الدفعة الأولى من تعويضات المنازل المهدمة خارج المدينة القديمة. بينما يقول مدير المكتب الإستشاري القطري كريستيان قمير أنه جرى تحديد جداول خاصة بمائتين وخمسين منزلاً من داخل المدينة المهدمة يفترض الشروع بدفع التعويضات الخاصة بها مع بداية شهر رمضان.ويعلق المهندس هيثم بزي المتفرغ لعمل المكتب الفني أنه جرى إنجاز أمرين هامين، ربما للمرة الأولى في تاريخ بناء بنت جبيل وهما: ثبيت الملكيات وتحديد الورثة لأن عدم تحديدهم طوال السنوات الماضية ساهم في تشابك ملكيات المنازل والأراضي من جيل إلى جيل أما رخص البناء فقد أعطيت إستناداً إلى قرار مجلس الوزراء القاضي بإعادة البناء كما كان عليه، لكن ضمن التراجعات القانونية على أن يتم توسيع الشوارع في الأماكن التي تكون بحاجة ماسة إلى ذلك لأن الطرقات بين المنازل ضيقة كما هو الحال في المدن القديمة.
Leave a Reply