الحكمة تقول: “لا نجد مرة دون أن نفتش، إلا أننا فتشنا كثيرا باطنيا قبل أن نجد” لذلك قد تجد أحيانا اسما أو تاريخا أو شيئا ظللت ساعات تقول “إنه على طرف لساني” وتجهد نفسك في الوصول اليه دون جدوى، فجأة يتهادى اليك على طبق سهل بلا تعب ولا عناء لأنك دفعت ثمنهما سلفا.
في هذا الزمن السريع، والراكض نحو لاشيء، يجب أن نتعلم كيف نريح أنفسنا، فلا نكون ضحية الإجهاد في العمل الذي يجب أن نؤديه كاملا، وفي القيادة على الطرقات لنصل على الوقت، وفي الانتظار في صفوف الانتظار أينما وجدت. وكمثال: أن بطل الركض لا يركض في كل مرة ليلحق بالقطار أو الباص الذي ينقله. إنه يأبى أن يستعمل قوته لأمر تافه كهذا، لأن القدرة الجسدية مثل القدرة الفكرية يجب أن نوفرها لوقت الحاجة وذلك بضمان الراحة لها.
رائع أن تعمل، ولكن أعط نفسك قسطا من الراحة، استرح ولو بضع ساعات كل أسبوع، تقرأ فيها كتابا أو تسمع موسيقى تحبها أو تمارس أي نوع من الرياضة. لا تفعل ذلك بالمناوبة، بل بالتزامن لئلا يبدو عملك بلا فضل ولا أجر معنوي.
مما يشدك بأن تنتج مرتين وأنت أقل تعبا مرتين. حاول أن تسترخي في وقت الراحة، مهما كان الوقت قليلا. إن أغلب شقاء الناس يأتي من أنهم ينشدون الكمال في جهدهم وعطائهم يركزون على العمل مباشرة ويشكون ويتذمرون فيخطئون ولا ينجزون العمل كما يريدون.
التاريخ يؤكد لنا، أن أعظم الاكتشافات تحققت في وقت الراحة. العالم أرخميدس كان يستحم في مغطسه عندما وجده مبدأه التاريخي في توازن السوائل وضغطها. والعبقري اسحق نيوتن كان يتنزه ويمشي بهدوء في الحديقة عندما أدرك قواعد الجاذبية الأرضية، والفيلسوف بول كلوديل كان يمر بلحظات ضجر عندما علم طريق العناية الإلهية.
هؤلاء العلماء الثلاثة، وغيرهم، اكتشفوا وطبقوا أعظم الأفكار بأقل عناء، لأنهم عرفوا كيف يعطون جسدهم وعقلهم نصيبا من الراحة وتركوا للفكرة التي كانت تشغل بالهم، تركوها تسبح بحرية في فلكها دون أن يجهدوا أنفسهم بمراقبتها. ولو كانوا مشدودين ومتوترين يفكرون في دفعات البيت وأقساط السيارة والسهر عند الجارة، وقراءة النصيب في الفنجان عند البصارة، يا ترى هل كانوا استطاعوا أن يدركوا ما هم ساعون اليه؟
وعلى فكرة، أحاول أن أتذكر قولا كان يردده الرسام العبقري بيكاسو “يا الله.. ماذا.. ماذا كان يقول؟” آه، لو تذكرت “أجد أولا وأبحث فيما بعد لأن الراحة فن. فن جميل بس من يعرفه؟”.
وأكبر مثال على ما أقول، هي الشعوب العربية. منذ فجر التاريخ وهي تركض وتركض في الوقت الخطأ وفي الملعب أيضا، حتى ضاعت فلسطين وأخواتها. أربعون سنة والعرب يسعون لإنجاز شيء ما. لم يقدروا. كل الذي استطاعوا عليه هو أبناء ملوكهم وزعماؤهم يتحكمون برقابهم. لو أن الشعب العربي يرتاح قليلا عن الركض والصراخ، ويرتاح قليلا، ربما لعل وعسى يستطيع تغيير نفسه المتعبة والمرهقة والتذمر دوما، وبعدها يستطيع تغيير حياته نحو الأفضل. يا ريت..
Leave a Reply