قلم عتيق
يقال إن نيكيتا خروتشوف، الزعيم السوفياتي الذي حلّ مكان ستالين وسحر الجماهير في بلده وحول العالم بعفويته وشخصيته البسيطة وقامته القصيرة الممتلئة، مات وفي قلبه حرقة كبرى، وهي منعه من زيارة «ديزني لاند» عندما طلب ذلك عام 1959 خلال زيارته للولايات المتحدة الأميركية.
قد يكون هذا الخبر صحيحاً، فقد كان في قلب الرجل طفل ظاهر على الدوام. وهذا ما أشعر به أنا أيضاً. يختلجني ضعف شديد أمام مناسبات الفرح والأعياد والاحتفالات منذ أن اضطرتني الظروف القاهرة إلى الاغتراب عن وطني الأم قبل سنوات بعيدة، حيث صادف وصولي إلى ديربورن، في مثل هذه الأيام، طقس بارد وأشجار عارية، غير أن زينة الأعياد وأضواءها المنتشرة في كل زاوية من زوايا المدينة خففت عني وطأة الغربة ووجع الفراق عن وطني الجميل.
كانت زينة الميلاد المجيد تملأ الشوارع والبيوت في ديربورن، بالفرحة والذوق والجمال والألوان المبهرة. وإن خفّت الزينة هذه الأيام فلا يزال الطفل في صدري تبهره تلك الأضواء المبهجة رغم كل المآسي والتراجيديا التي تجتاح عالمنا.
هناك مقطع من قصيدة «أنشودة الخلود» للشاعر الإنكليزي الكبير وليام ووردزورث، كانت معلمة اللغة الإنكليزية تردده على أسماعنا دائماً وتتمنى لو نحفظه.. وفيه يعبر الشاعر عن شكره، لأن له قلباً رقيقاً وحنوناً تتفاعل فيه الأفراح والأحزان:
Thanks to the human heart by which we live,
Thanks to its tenderness, its joys and its fears.
تحضرني تلك الكلمات البسيطة والمؤثرة رغم قلة الفرح الذي يجاهد الناس هذه الأيام لصنعه وسط الكوارث الطبيعية والسياسية والاجتماعية والصحية، سواء هنا في وطني الجديد أو في وطني الأم لبنان الذي تغطيه الأحزان هذه الأيام من شماله إلى جنوبه.
في إحدى المرات تعجبت أمام صديقي الأميركي، براين، لما ينفقه على زينة بيته من الداخل والخارج. فقال إنها زينة الفرح لولادة يسوع المخلص. قلت له لكني لم أرك يوماً تصلي أو تذهب إلى الكنيسة (رغم أنه جاء من عائلة متدينة جداً)، فأجابني بأن ممارسة الدين الحق تكمن في البرّ والخير والإحسان، وهذا ما يحرص على تطبيقه في خدمة والدته المسنة بعد أن تخلّى عنها إخوته، وعمل الخير والإحسان للعائلة والأصدقاء وعمّال الظل الذين يكدحون لسد رمق أسرة فقيرة.
في العام 1621 أصدر روبرت بيرتون تحفة أدبية عنوانها «تشريح الكآبة». يقسّم فيها الحزن إلى قسمين، العابر والدائم. أما العابر فيأتي ويذهب ويمر به جميع الناس في مراحل متقطعة، إما بسبب الحاجة أو المرض أو الوحدة. أما الحزن الدائم فهو اليأس. وإنني أحمد الله على ما أنا فيه… لأن قلبي يحاول دائماً العبور بي من الضفة المظلمة إلى الضفة المضيئة فيحميني من كل يأس في هذا العالم. أشكر الله أن في صدري قلب طفل يتمنى لكم جميعاً ميلاداً مجيداً وعاماً سعيداً.
غريب الدار
Leave a Reply