بدأ القلق في لبنان، كما في المنطقة من التغيير الذي يقوم به الرئيس الأميركي دونالد ترامب، وتعيين فريق من «المحافظين الجدد» في إدارته التي باتت توصف بأنها إدارة حرب، ومن أبرز رموزها، جون بولتون الذي عيّن مستشاراً للأمن القومي، مكان هربرت ماكماستر، وهو كان سفيراً لواشنطن في الأمم المتحدة بين عامي 2005 و2006 في عهد الرئيس الأسبق جورج بوش الابن، الذي سيطر «المحافظون الجدد»، أو ما يُعرفون بـ«المسيحيين المتصهينين»– على إدارته التي أطلقت مشروع «الشرق الأوسط الكبير» وفق نظرية «الفوضى الخلاقة» والحروب الاستباقية.
صقور
وتزامن تعيين بولتون، مع تعيين مارك بومبيو وزيراً للخارجية، بعد إقالة الوزير السابق ريكس تليرسون من منصبه، بسبب الخلاف مع ترامب على ملفات إيران وكوريا الشمالية وروسيا، حيث تجمع بين بومبيو وبولتون نقاط مشتركة وأبرزها الانسحاب من الإتفاق النووي مع إيران، الذي وُقع عام 2015 بين الدول الست (أميركا وروسيا وفرنسا وبريطانيا والصين وألمانيا)، وبين الجمهورية الإسلامية الإيرانية، وأزعج كلاً من إسرائيل والسعودية الساعيتين لإلغاء هذا الاتفاق، الذي اعتبره الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما، من أهم ما توصلت إليه إدارته.
ويعتبر منصب مستشار الأمن القومي، من أهم وأبرز المناصب في الإدارة الأميركية، وهو أكبر مساعدي المكتب التنفيذي للرئيس، ويعيّن دون العودة إلى مجلس الشيوخ لأخذ موافقته، وتقوم مهامه على دراسة وتقييم جميع الأبحاث والتحليلات والاستنتاجات التي يقوم بها مجلس الأمن القومي.
وفور توليه منصبه الجديد، سيقدم بولتون –من خلال موقعه كباحث ومستشار ومشارك في معاهد أبحاث ومراكز فكرية، ومنها معهد «إيست وست ديناميكس»، و«الاتحاد القومي للأسلحة»، و«اللجنة الأميركية للحرية الدينية الدولية»، و«مجلس السياسة الوطنية» (CNP)، و«معهد غيتسون»– تقارير وملخصات للرئيس للتصعيد ضد إيران، وربما مواجهتها عسكرياً بعد إلغاء الإتفاق معها من جانب الولايات المتحدة، تحت عنوان، أنها خالفته بمواصلة تطوير أسلحة باليستية و«دعم الإهاب».
داعية حروب
المستشار الجديد للأمن القومي داعية حروب، وكان من المشجعين للحرب على العراق، كما كان له دور أساسي في خلق شائعة امتلاك العراق لأسلحة دمار شامل، وهي الذريعة التي استندت إليها واشنطن لتبرير الغزو والإطاحة بالنظام العراقي عام 2003، مما أدى إلى تفتيت البلاد مع حل الجيش تحت شعار اجتثاث «حزب البعث» من مؤسسات الدولة، وإرساء دستور طائفي أسهم في تأجيج التطرف وتمدد تنظيم «القاعدة» في الشرق الأوسط.
كذلك بولتون من دعاة استخدام القوة ضد كوريا الشمالية، وكان يطالب دائماً بتوجيه ضربات عسكرية استباقية لبيونغيانغ، وعدم الاعتماد على العقوبات لردعها عن تجاربها النووية والصاروخية، وقد عبّر عن ذلك منذ توليه منصب سفير لبلاده في الأمم المتحدة.
عودة الحرب الباردة
ومن الأفكار التي يطرحها بولتون الذي سيستلم مهامه في التاسع من نيسان (أبريل)، استعادة الحرب الباردة، فهو من أشد المتحمسين لوقف اندفاعة روسيا التي تمكنت من زعزعة الأحادية القطبية لأميركا من خلال مجموعة دول الـ«بريكس» وتطورات الشرق الأوسط وفشل مشروع إسقاط النظام السوري، وهو ما أسهم في تنامي نفوذ موسكو في منطقة «قلب العالم القديم» التي باتت روسيا لاعباً أساسياً فيها، بالتحالف مع إيران وسوريا بمواجهة مخططات «الشرق الأوسط الكبير»، الذي تعثر في العراق، وفشل في لبنان، وسقط في سوريا.
قلق لبناني
أثارت عودة بولتون قلق اللبنانيين، فهو من أبرز وجوه العدوان الإسرائيلي على لبنان صيف ٢٠٠٦، كما كان راعياً لحركة قوى «١٤ آذار» التي تبنت مطلب نزع سلاح المقاومة مراهنةً على نجاح مشروع بوش للشرق الأوسط الجديد، الذي قوبل بصمود عسكري–سياسي من المقاومة التي أنزلت الهزيمة بـ«الجيش الذي لا يقهر» وأجهضت أهداف «ثورة الأرز» –وهي من «الثورات الملونة» التي أطلقتها أميركا في عدد من الدول الأوروبية والآسيوية تحت شعار قيام أنظمة ديمقراطية، واستتبعت بما سمي بـ«الربيع العربي» تحت شعار «الشعب يريد إسقاط النظام».
وأول مَن حذر في لبنان من التغييرات في الإدارة الأميركية، كان النائب وليد جنبلاط، الذي ألمح إلى حرب باردة قادمة، ونصح فريق لبناني، كان هو من صلبه –أي «14 آذار» الذي انتهى تنظيمياً، وبقي سياسياً– بعدم المراهنة على عودة «المحافظين الجدد» إلى الإدارة الأميركية، لأن هؤلاء هم مشاريع حرب للمنطقة، ولبنان لن يكون بعيداً عنها، إذا ما تعاون فريق في لبنان مع الإدارة الأميركية، كما حصل منذ العام 2000، بقيام «لقاء قرنة شهوان» برعاية البطريرك نصرالله صفير.
استهداف محور المقاومة
تعد إدارة ترامب، مشروعها الخاص للمنطقة، تحت اسم «صفقة القرن»، الذي شارك بولتون في صياغته ووضعه على سكة التطبيق، وسيكون من منفذيه لتصفية القضية الفلسطينية عبر خطة للحدّ من النفوذ الإيراني في المنطقة، بما يخدم أمن إسرائيل التي ترى في طهران ألد أعدائها بسبب دعمها المتواصل لحركات المقاومة في لبنان وفلسطين.
وفي زيارة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان إلى الولايات المتحدة إشارة واضحة إلى أن أمر العمليات قد اتّخذ ويبقى التوقيت لتضييق الخناق على إيران وحلفائها في المنطقة للعمل مرة أخرى على تفتيت محور المقاومة بأدوات مالية وعسكرية إذا تطلب الأمر.
ولكن تهديدات واشنطن العسكرية، لاسيما ضد النظام السوري تحت ذريعة استخدام أسلحة كيميائية ضد المدنيين، قوبلت برد قاس من روسيا، بأنها لن تقف مكتوفة اليدين وستقوم بالرد المباشر على أي اعتداء أميركي، لتعود إلى الأذهان الحرب الباردة التي قد تتحول إلى ساخنة عند أقرب منعطف، لأن الحروب الأميركية بالوكالة كُسرت ميدانياً، ولم يعد بإمكان واشنطن سوى خوض حرب مباشرة لتعديل موازين القوى في الشرق الأوسط الذي بات يميل باتجاه روسيا ومحور المقاومة.
لبنان في دائرة الخطر
فمع الإدارة الحربية في البيت الأبيض، وعودة «المحافظين الجدد» على القرار فيه، فإن لبنان الذي تمّ تحييده عن صراعات المنطقة وحروبها، كما عن المحاور الإقليمية والدولية، في النزاعات القائمة، عاد مجدداً إلى دائرة الخطر، مع وصول بولتون وبومبيو. إذ سيُطلب من أطراف لبنانية داخلية، أن تنخرط في الجهود الأميركية الجديدة ضد «حزب الله» المدعوم من إيران والذي بات قوة إقليمية أساسية.
إن لبنان يعيش اليوم أجواء الانتخابات النيابية، التي لا تزال بعض الأوساط السياسية تشكك بإمكانية حصولها بالرغم من كل التحضيرات اللوجستية القائمة. وقد جاء تعيين بولتون ليرفع منسوب القلق ويضع الناخبين أمام هواجس جديدة لا تقل عن الأعباء الاقتصادية والمعيشية الكبيرة التي يرزح تحتها اللبنانيون، وفي مقدمتها مخاطر الإفلاس.
Leave a Reply