في المجتمعات الديمقراطية تتسم السباقات الانتخابية على المواقع والمناصب المتعددة بانقسامات سياسية، إذ يختلف المرشحون ومناصروهم حول مختلف العناوين والقضايا الراهنة والبرامج الانتخابية المطروحة، ولكن في جميع الأحوال لا ينبغي لتلك التناقضات والانقسامات أن تتخطى الخلافات السياسية وتتعداها إلى المسائل الشخصية.
وإذا كان سباق الرئاسة الأميركية هذه السنة، قد اتخذ منحىً غير مألوف في ظل انقسام شعبي حاد وخطاب انتخابي لا يراعي اللياقة العامة والأدبيات السياسية، فيبدو أن السباقات المحلية في ديربورن تسير على نفس المنوال.
فالمدينة التي تشهد هذه الأيام سباقاً حامي الوطيس على منصب قاض في المحكمة الـ19، دخلت في تنافس حاد متعدد الأوجه ومتشعب الصراعات والانقسامات، حتى طغت لغة الشارع على المنافسة الديمقراطية، فغابت الوقائع والحقائق وطغت المهاترات والإشاعات والاتهامات، بشكل بات يهدد وحدة الجالية العربية (المنقسمة أصلاً) ودورها الاجتماعي والسياسي الذي حققت بموجبه نجاحاً ملحوظاً خلال العقود الأخيرة مما يحتّم علينا حمايته وتطويره بدل نسفه بالجهل والتعصب الأعمى.
وكنا في «صدى الوطن» قد حذرنا في افتتاحية العدد الماضي من ازدياد وتيرة الانقسام والجدل الذي يرافق سباق محكمة ديربورن، ولكن النتيجة جاءت معاكسة للأسف، حيث شهدت مواقع التواصل الاجتماعي سيولا من التعليقات المليئة بالأحقاد الشخصية والكراهية والاتهامات الشائنة التي طالت عددا من قيادات الجالية، وصحيفة «صدى الوطن»، وصولاً الى شخص ناشرها الزميل أسامة السبلاني.
ونحن هنا لسنا بوارد استعراض تاريخ الهجمات والاتهامات التي قذفت بها الصحيفة في مسيرة ٣٢ عاماً من الجهد والعطاء، غير أننا نؤكد بأن شعلتنا ستبقى مضيئة لإنارة طريق جاليتنا الى مكانة أرفع في مجتمعنا الأميركي الجديد مع الحفاظ على هويتنا وثقافتنا وإرثنا الحضاري الذي نفتخر به.
لكن من المؤسف أن التحريض الذي تعرضت له الصحيفة لم يلق من يشجبه من المرشحين الذين يجب أن يتحلوا بالمسؤولية والقدرة على ضبط حملتهم، حتى يستحقوا المناصب الحساسة التي يسعون اليها ليحكموا بين الناس بالعدل والقسطاس، وهم يتحملون الجزء الأكبر من المسؤولية في انحدار الخطاب السياسي إلى مستويات غير مسبوقة.
وعلى أي حال، من الضرورة التذكير بالمثل القائل: إن الاختلاف بالرأي لا يفسد للود قضية، أو هكذا ما ينبغي عليه أن تكون الأمور، وقد آن الأوان أن نلتزم بهذه المقولة التي يرددها الجميع من دون أن يتقيدوا بمضمونها الأخلاقي الراقي.
إن تفضيل مرشح على آخر ليس عيباً ولا خطأ، ولكن البعض يتعامل مع هذا الأمر كما لو أنه خطيئة غير قابلة للغفران، مع أن دعم هذا المرشح أو ذاك هو مجرد خيار تفرضه الوقائع والمعطيات وتقديرات الصالح العام، علماً بأن الصحيفة لم تعلن بعد عن اسم المرشح الذي ستدعمه حتى الآن.
وفي مسيرتها، قامت «صدى الوطن» بدعم مرشحين عديدين لمختلف المناصب، سواء في الانتخابات المحلية أو الوطنية وصولاً الى الرئاسة الأميركية، على قاعدة التفاضل بين مؤهلاتهم وخبراتهم ومواقفهم التي تنسجم مع مصالح المجتمع الأميركي والجالية العربية فيه، مع حرصنا الدائم، على إعادة التأكيد بأن صفحات جريدتنا كانت وسوف تبقى مفتوحة أمام أصحاب الآراء المخالفة، وقد قمنا في عدد من المناسبات بنشر مقالات تنتقد دعمنا لهذا المرشح أو ذاك، كما قمنا بنشر أخبار وتقارير لا تنسجم مع خطنا السياسي والإعلامي، وكان ذلك في سياق احترام وتقدير المواقف والآراء المخالفة لتوجهاتنا وقناعاتنا.
نحن لا نقبل النقد فقط.. بل نرحب به، ونعتقد أن الاختلاف في المواقف والآراء هو من طبيعة الأشياء، وأن لكل فرد في مجتمعنا الحق باتخاذ الموقف الذي يراه صحيحاً تجاه مسألة من المسائل، أو قضية من القضايا، كما نعتقد جازمين بأن الاختلاف والتباين بين الآراء والمواقف لا يجب أن يؤدي إلى الكراهية والبغضاء، فهنالك خيط رفيع يفصل بين النقد وبين الإساءة للآخرين وإهانتهم وتوجيه الشتائم المقذعة بحقهم.
قد يعارض الكثيرون دعم السناتور بيرني ساندرز لمنافسته السابقة هيلاري كلينتون التي وصفها بأنها غير مؤهلة للمنصب الرئاسي، قبل عدة شهور، ولكن موقف ساندرز الحالي يمكن أن يكون مثالا يحتذى فيما يمكن أن تفضي إليه التجاذبات السياسية والمنافسات الانتخابية التي تتجلى أبسط خصائصها بتنحية الخلافات السياسية وعدم السماح لها بتدمير العلاقات الشخصية، سواء في دوائر المرشحين أنفسهم، أو في دوائر مناصريهم، وبالتالي المحافظة على المنافسة السياسية في مستوياتها المقبولة بين المتنافسين بوصفهم خصوما لا أعداء.
وفي نهاية المطاف، وبغض النظر عمن سيصوت العرب الأميركيون في انتخابات محكمة ديربورن، فإننا ندعو الجميع إلى الالتزام بالأدبيات الانتخابية وعدم السماح لتوجهاتهم السياسية المتضاربة والمتناقضة أن تحولهم إلى خصوم دائمين، أو أعداء يتربصون ببعضهم البعض، في كل حين، وفي كل مناسبة.
ونحن في «صدى الوطن» -كما عهدتمونا- لن ندعو قراءنا إلا لانتخاب الأفضل لتولي هذا المنصب أو ذاك، كما أنه من واجبنا أن ننشر الأسباب التي تدفعنا الى تفضيل مرشح على آخر..
Leave a Reply