تظاهرات غاضبة .. قوبلت بالقمع والاعتقالات
شيكاغو – بمشاركة خمسين دولة وتحت حصار آلاف المتظاهرين، إختتمت الأسبوع الماضي قمة حلف شمالي الأطلسي (الناتو) في شيكاغو بإقرار إستراتيجية الإنسحاب من أفغانستان، ومواصلة نشر نظام الدفاع الصاروخي في أوروبا الذي اعتبر اولوية القمة لتحقيق مشروع طموح يهدف الى حماية اوروبا من صواريخ قد تطلق من الشرق الاوسط، وتحديدا من ايران.
متظاهرة تم اعتقالها في محيط موقع القمة في شيكاغو. |
وفي كلمة له في الجلسة الختامية للقمة ذكر الرئيس الأميركي باراك أوباما أن قيادة الرادارات التي نصبت في تركيا ضمن إطار نظام الدفاع الصاروخي الذي إكتملت مرحلتين من مراحله الأربع، ستكون تحت قيادة “الناتو”، وقال “لقد توصلنا إلى الوفاق بشأن وضع نظام الدفاع الصاروخي تحت مظلة الناتو”.
وقال أوباما إنه “سيكون للولايات المتحدة اسهامات تدريجية في هذه المساعي. وإن المنظومة الرادارية ستنشر أيضاً في إسبانيا ورومانيا وبولندا، كما تقوم هولندا بتحديث راداراتها”. وأضاف “إننا نتطلع إلى اسهامات باقي الدول الحليفة”.
وأكد أوباما على أن نظام الدفاع الصاروخي غير موجه ضد روسيا، مشيرا إلى أنه على العكس سيمكن الذهاب إلى إقامة تعاون بهذا الصدد مع موسكو، التي من جانبها أجرت، مباشرة بعد القمة، تجربة ناجحة لصاروخ باليستي متطور قادر على اختراق الدرع وعلى حمل عشرة رؤوس نووية.
وأعلن الأمين العام للحلف اندرس فوغ راسموسن في شيكاغو، حيث اختتمت قمة الحلف إنه “من الضروري امتلاك وسائل للدفاع ضد الصواريخ، فنحن نواجه تهديدات فعلية”. وأعلن رؤساء الدول والحكومات الـ28 الأعضاء في الحلف رسميا اكتمال المرحلة الأولى من عملية نشر الصواريخ (القدرة الانتقالية). وهناك ثلاث مراحل أخرى مقررة حتى عام 2020. وأوضح راسموسن “إنها خطوة أولى نحو هدفنا على المدى البعيد وهو تأمين حماية كاملة لكل سكان وأراضي وقوات الدول الأوروبية”.
ولا يعتبر الحلف الأطلسي أن التهديد الأساسي مصدره روسيا كما كان خلال الحرب الباردة، بل من دول في الشرق الأوسط أو غيره لديها صواريخ قادرة على بلوغ أوروبا. وهناك ثلاثون دولة ينطبق عليها هذا الوصف، لكن إيران ذكرت بوضوح كخطر محتمل.
وشاركت في قمة حلف “الناتو” أكثر من خمسين دولة بما فيها الدول الثمان و العشرين الأعضاء في الحلف. وتم خلالها التركيز بالدرجة الأولى على إستراتيجية الإنسحاب من أفغانستان. وحسب الخطة التي أقرت في القمة، ستسلم قوات “الناتو” جميع المهام القتالية إلى القوات الأفغانية إعتبارا من أواسط العام المقبل، كما أن معظم جنود الحلف البالغ عددهم 130 ألفا سينسحبون من أفغانستان مع حلول نهاية العام القادم. وتعذر خلال القمة إقناع الرئيس الباكستاني عاصف علي زرداري على فتح طرق إمدادات “الناتو” داخل الأراضي الباكستانية.
عناصر الشرطة يستخدمون العنف في تفريق التظاهرات. |
من ناحية أخرى، وعلى الرغم من إنتهاء القمة، تواصلت في شيكاغو المظاهرات المناهضة للناتو . وطالب المتظاهرون بإستخدام الضرائب التي يدفعونها لإفتتاح مجالات عمل جديدة بدلا من إنفاقها لصالح حلف “الناتو”.
تظاهرات غاضبة
تظاهر آلاف الأشخاص في شيكاغو، بينهم ناشطون سلميون ومن حركة “احتلوا” للاعتراض على قمة الحلف ولمطالبة الدول المشاركة بإنفاق مبالغ أقل على الدفاع وأكثر على التعليم. واحتل الناشطون الشوارع شبه الخالية في وسط المدينة وقد طوقتهم قوات الشرطة. ولم يسمح للمتظاهرين بالاقتراب من مركز المؤتمرات حيث اختتمت القمة. وضمن الاستعدادات للقمة، وضع وسط المدينة في شيكاغو تحت حراسة أمنية مشددة وأغلقت بعض الطرقات أمام حركة المرور. وتم اعتقال عشرات المتظاهرين بعد وقوع اشتباكات بين الشرطة ومحتجين مناهضين للحرب كانوا يقومون بمسيرة الى مقر انعقاد قمة حلف شمال الأطلسي في شيكاغو.
وقامت الشرطة بتوقيف العديد من المتظاهرين إثر صدامات على هامش التظاهرة. وتمت عمليات التوقيف بعد قيام متظاهرين برشق رجال الشرطة بمقذوفات. ودعت الشرطة المجهزة بخراطيم المياه المتظاهرين إلى مغادرة المكان. وردد المتظاهرون في المقابل “ابقوا، لا بد من اتخاذ موقف”، رافضين الرحيل.
وقالت مجموعة محامين تساعد المحتجين، إن 12 محتجا على الأقل أصيب بعضهم بجروح في الرأس بهراوات الشرطة كما اعتقل أكثر من 60 شخصا. وبدأت المواجهة بعد مسيرة امتدت لميلين ونصف من متنزه بشيكاغو إلى مكان قريب من مقر انعقاد القمة.
ودافع غاري مكارثي قائد شرطة شيكاغو عن أساليب الشرطة. وقال للصحفيين “أعرف أن هذه الصورة، صورة رجال الشرطة في زي مكافحة الشغب وهم يدفعون ويضربون المحتجين، هي التي ستنطبع لدى الناس.. ولكن رجال الشرطة ليسوا موجودين هناك كي يتم الاعتداء عليهم”. وقال إن معظم رجال الشرطة أصيبوا بجروح طفيفة ولكن أحدهم طعن في ساقه. وعلى الرغم من حصول هذا الصدام الذي وقع في ختام التجمع على معظم الاهتمام فقد هدأ الوضع بحلول الليل.
وفي اليوم السابق من اليوم الختامي للقمة، تظاهر المئات في شيكاغو مطالبين بالإفراج عن ثلاثة ناشطين اتهموا عشية القمة بالتحضير لاعتداءات إرهابية في المدينة أثناء القمة. وهتف المتظاهرون “حريتنا اقوى من سجونكم” وقطعوا الطريق في حي الاعمال في المدينة قبل ان يحاولوا الاقتراب من قصر المؤتمرات الذي يستضيف القمة. وتم اعتقال عدد من المتظاهرين.
مخطط إرهابي.. أم كمين أمني؟
وأشارت معلومات أمنية، تناقلتها وسائل الإعلام الأميركية، إلى أن الأشخاص الثلاثة الذين جرى اعتقالهم بتهمة التحضير لأعمال وصفت بأنها “إرهابية” في شيكاغو، خلال قمة “الناتو”، ينتمون إلى تيار متشدد في الحركة الفوضوية (المناوئة للحكومة الفدرالية)، يعرف باسم “التكتل الأسود”، وقد سبق له التورط بأعمال عنف أثناء الحملات الشعبية ضد النظام الرأسمالي في العالم، حسب المعلومات الأمنية.
أوباما متحدثاً عبر شاشة عملاقة خلال قمة شيكاغو. (رويترز) |
وقالت السلطات الأميركية إن “التكتل الأسود” سبق له أن شارك في احتجاجات عنيفة وقعت في العاصمة الإيطالية، روما، العام الماضي، عندما قامت مجموعة من المقنعين باستهداف الشرطة ومجموعات معارضة أخرى. وأضافت السلطات إن الثلاثة كانوا يخططون لتدمير سيارات شرطة ومهاجمة أربع مراكز للشرطة في شيكاغو لتشتيت انتباه الشرطة عن هجمات أخرى تعد ضد قمة “الناتو”.
وكان قاض في ولاية ايلينوي قد قرر تحديد كفالة قدرها 1.5 مليون دولار لكل واحد من الثلاثة المشتبه بهم اتهموا بالسفر إلى شيكاغو “لارتكاب أعمال إرهابية” خلال قمة “الناتو”. وقال ممثلو الادعاء أمام المحكمة إن الرجال الثلاثة خططوا لاستهداف مقر حملة الرئيس باراك أوباما، ومنزل رئيس بلدية شيكاغو رام إيمانويل، وعدد من المواقع الأمنية، والمالية في المدينة. واتهم ممثلو الادعاء الرجال الثلاثة “بالتحضير لارتكاب أعمال العنف والدمار” وحيازة قنابل مولوتوف وتخزينها وغيرها من الأسلحة والتخطيط لهجمات على الشرطة. غير أن محامي الدفاع قالوا إن هذه الاتهامات “دعاية”، وزعموا أن السلطات أوقعت بجماعة سلمية ووجهت اتهامات للرجال الثلاثة.
وقال احد محامي الدفاع، مايكل دويتش، ان المتهمين الثلاثة استدرجوا من جانب مخبرين لدى الشرطة ووقعوا في كمين. وأضاف أن المخبرين “هم من اشتروا المعدات وحاولوا تدريب موكلينا على أنشطة غير قانونية”.
من جهتهم، أكد المدعون والشرطة أن في حوزتهم أدلة عدة على ان هؤلاء “الفوضويين” كانوا يصنعون قنابل حارقة وينوون زرع الاضطرابات على هامش قمة الحلف الاطلسي. والمعتقلون الثلاثة هم براين تشورش (22 عاما) من فلوريدا، وغاريد تشايز (27 عاما) من نيوهمبشاير، وبرينت بيترلي (24 عاما) من ماساتشوستس.
موسكو قلقة من اعتقال المتظاهرين السلميين
ومن جهة أخرى، اعلن قسطنطين دولغوف مفوض وزارة الخارجية الروسية لشؤون حقوق الانسان والديمقراطية وسيادة القانون في بيان له، الاثنين الماضي، ان موسكو قلقة من حملة الاعتقالات العنيفة والواسعة للمتظاهرين السلميين في شيكاغو، ومونتريال الكندية.
وقال المفوض: “لقد اثارت انتباهنا حملة الاعتقالات التي اكتسبت طابعا منتظما للطلاب المحتجين على زيادة اجور التعليم في مونتريال وللمتظاهرين الذين يحتجون على النهج الاجتماعي- الاقتصادي والسياسي للسلطات الذي لا يرضيهم، وخاصة الاعمال في اطار حلف “الناتو” التي ادت الى وقوع عدد كبير من الضحايا وسط السكان المدنيين في ليبيا. وعلى الرغم من ان فعاليات الاحتجاج للمواطنين كانت في اغلبية الاحوال، وخاصة في البداية، تتسم بطابع سلمي، فقد استخدمت الشرطة الاميركية والكندية القوة ضدهم بشكل غير متناسب”.
وجاء في البيان أيضا أن روسيا تأمل بأن “يتصف رد فعل السلطات الاميركية والكندية على الاحتجاجات السلمية في المستقبل بأقصى قدر من ضبط النفس والمسؤولية، وألا يتناقض مع الالتزامات القانونية الدولية للبلدين”. وقد جرت خلال الايام الاخيرة اعتقالات واسعة بين نشطاء حركة “احتلوا شيكاغو” و”احتلوا وول ستريت” في نيويورك والطلاب المحتجين في مونتريال.
Leave a Reply