سوف يمضي الكثير من الوقت قبل أن يدرك سكان الكوكب مدى الأذى الذي يلحقونه به. وقد لا تتبلور تلك الثقافة “البيئية” في أذهان الملايين من البشر قبل أن يلمسوها فيضانات هائلة وارتفاعا في مستوى مياه المحيطات يبتلع المزيد من اليابسة في مناطق، وجفافا وتصحرا في مناطق أخرى مما سوف يدفع بالملايين من البشر الى النزوح نحو أماكن أكثر “أمنا” لحياتهم وغذائهم.
قمة المناخ التي تستضيفها العاصمة الدانماركية كوبنهاغن حتى الثامن عشر من الشهر الجاري حدث عالمي استثنائي ويكاد يطغى على أحداث عالمية بارزة تتصل بالصراعات العسكرية والحروب الأهلية في أكثر من منطقة. فالخطر المحدق بالأرض جراء انبعاث الغازات وظاهرة الاحتباس الحراري لم يعد مسألة “أكاديمية” تقتصر على مسارح الجامعات ومراكز الأبحاث. وعندما يندفع ممثلو أكثر من مئة دولة إلى المشاركة في هذه القمة على أعلى مستوى من التمثيل، بهدف وضع جدول زمني لخفض حرارة الأرض درجتين مع حلول العام 2020 ولحماية اليابسة من الابتلاع، ندرك أن العارفين ببواطن الخطر الداهم لم يعد بإمكانهم إخفاؤه وإن ظلت الانقسامات قائمة بين شمال غني وجنوب فقير حول مسؤولية كل منهما حيال صحة الكوكب وحمايته من هذه الظاهرة الخطيرة على حياة سكانه.
لكن المثير للدهشة أن تعاطي العالم بأغنيائه وفقرائه مع هذه الظاهرة لا يزال أسير الحسابات الخاصة والرغبة في القاء اللوم على “الآخر”. ولا تزال السياسة بتناقضاتها تحكم عملية التصدي الملحّ للخطر الماثل.
فالدول الصناعية تلجأ إلى بعض الإجراءات تحت عنوان حماية البيئة لكنها ترمي العبء على الدول النامية والمصدرة للنفط. وثمة تقديرات لدى خبراء بأن كلفة دعم بدائل الطاقة، مثل المواد الزراعية والوقود الحيوي قد تفوق العشرين مليار دولار سنويا لدى المملكة العربية السعودية، على سبيل المثال وكأحد البلدان المنتجة للنفط.
والسؤال المطروح أنه في حال تم إتخاذ إجراءات بيئية للحد من استخدام الطاقة العضوية، فما هي أسباب اندفاع وحماسة كبريات الشركات العالمية للاستثمار في النفط العراقي الذي ينظر الى مخزونه الاحتياطي كثاني أكبر مخزون عالمي بعد السعودية!
ولماذا التوجه الى الاستثمار في تطوير وتعزيز الطاقات الانتاجية للدول النفطية في ظل حديث الدول الصناعية عن السعي الى الحد من استهلاك النفط والى استبداله بالطاقة البديلة كالمواد الزراعية، وهذا ما يهدد بنشوب أزمة غذاء في الدول الفقيرة التي ستعاني من شح الغذاء في أفضل تقدير.
والحال أن المجتمعين في كوبنهاغن عليهم الإجابة على هذه التساؤلات وإرفاق رغبتهم في خفض حرارة الكوكب بتخفيض حرارة طموحاتهم المبنية على استشكاف واستغلال النفط، الذي تخاض لأجله حروب في أكثر من منطقة في العالم بحوافز خفية تبقى السيطرة على مصادره أبرزها على الاطلاق.
لكن ثمة آراء تتعاطى مع مجمل هذه المسالة بكونها “ترفا علميا” يراد به إلهاء البشرية عن قضايا أخرى وتمرير أجندات مخفية من وراء رفع الصوت ومستوى التحذير من ظاهرة الاحتباس الحراري، على غرار ما شهده العالم سابقا من التحذير من “ظاهرة ثقب الأوزون” في منطقة القطب الجنوبي وتعرض الأرض وسكانها لخطر الأشعة ما فوق البنفسجية التي تتكفل تلك الطبقة بـ”فلترتها” والحفاظ على حياة البشر من مخاطرها. فالحديث عن ثقب الأوزون تلاشى منذ سنوات وثمة تقارير بأن تلك الطبقة من الغلاف الجوي قامت بـ”إصلاح ذاتها” ولم يعد الثقب قائما!
وهنالك تقارير “علمية” أخرى تفيد بأن الأرض تعرضت لظاهرة الاحتباس الحراري قبل نحو سبعة آلاف سنة مما أدى الى تبدلات مناخية تشهد البشرية آثارها حاليا من خضرة وخصوبة ووفرة مياه في مناطق، وقحط وجفاف في مناطق أخرى.
و”تؤكد” هذه التقارير أن الجنس البشري كاد ان يشرف على الانقراض في تلك المرحلة لكن “تقنية” إصلاح الأرض لذاتها أنجت الحياة على وجه الكوكب من الاضمحلال.
ومهما يكن من أمر هذه النظرية، فان الثابت أن حرارة الأرض آخذة في الارتفاع، والتقديرات بأن ارتفاعها ست درجات على مدى القرن أو القرنين المقبلين سوف يرتب تغيرات جذرية في نمط حياة البشر على وجه الكوكب.
وإذا لم يبادر قادة العالم بجناحيه الغني والفقير الى الشروع في عملية تبريد الأرض وهي عملية طويلة وشاقة ومعقدة وكلفتها تقرب من الخيال، فان حياة الأجيال القادمة سوف تكون محكومة بسلسلة لا تنتهي من الحروب والكوارث والصراع من أجل البقاء.
فهل تفلح قمة كوبنهاغن في وضع أقدام البشرية على سكة اصلاح ما أفسدته دهورها، أم أن أقطاب العالم يدارون ضعفهم وافتقارهم الى تصور الحلول الناجعة لحمى الكوكب بلقاءات للاستهلاك الاعلامي ولتبديد المخاوف فيما تواصل حرارة الأرض إرتفاعها ويبقى الكوكب لمصيره، دون منقذ؟
Leave a Reply