بحضور مسؤول الارتباط المعين حديثاً من قبل وزارة الأمن الداخلي الأميركية
طارق عبدالواحد – «صدى الوطن»
سيطرت أجواء من التفاؤل الحذر على الاجتماع الأخير لمنتدى «بريدجز» الذي عُقد في ديربورن يوم الجمعة الماضي، بمشاركة مسؤولين فدراليين ومحليين رفيعين، إلى جانب العديد من الفعاليات الحقوقية وممثلي المؤسسات العربية والإسلامية والكلدانية بمنطقة ديترويت الكبرى، لتباحث المسائل العالقة، بمشاركة مسؤول الارتباط الجديد، نوار شورى، الذي تم اختياره من قبل وزارة الأمن الداخلي الأميركية، للتنسيق بين وكالة الجمارك والحدود CBP والمجتمعات المحلية.
الرئيس المشارك لـ«بريدجز»، رئيس «الرابطة العربية الأميركية للحقوق المدنية» ACRL، ناصر بيضون، استهل اللقاء بالترحيب بالمدعي العام الفدرالي بشرقي ميشيغن، دون آيسون، ومساعد المفوض التنفيذي لمكتب العمليات الميدانية في وكالة الجمارك والحدود، بيت فلاورز، ومدير العمليات الميدانية للوكالة في ديترويت، كريس بيري، ومساعد مدير مكتب التحقيقات الفدرالي FBI في ديترويت، جوش هوكسهيرست، لافتاً إلى أن «الحضور الحكومي والأمني الرفيع» هو إشارة بالغة الدلالة على جدية السياسات والبرامج التي تنتهجها الحكومة الفدرالية لمعالجة معاناة العرب والمسلمين الأميركيين الذين يتعرضون للتفتيش المتكرر والمضايقات العدوانية في المطارات والمنافذ الحدودية، نتيجة إدارج الكثيرين منهم –بشكل تعسفي– على لائحتي «مراقبة الإرهاب» و«حظر الطيران».
وتشير التقارير إلى أن «قائمة مراقبة الإرهاب» تضم حوالي 1.2 مليون شخص أدرجوا فيها استناداً إلى معايير غامضة، وسط غياب أية آليات رسمية لإزالة الأسماء المدرجة خطأً أو عسفاً.
ودأبت الحكومة الفدرالية لسنوات عديدة على إنكار وجود القائمة، إلى أن أقر مسؤولون في وزارة الأمن الداخلي بوجودها فعلاً، بعدما نشرت وكالة «أسوشتيد برس» تقريراً حول مشاركة الوكالات الفدرالية لـ«قائمة مراقبة الإرهاب» مع أكثر من 1,440 جهة غير حكومية.
في السياق، تم الترحيب أيضاً بمسؤول الارتباط الجديد لدى وكالة الجمارك والحدود، نوار شورى، الذي جاء تعيينه في منصب كبير مدراء العلاقات المجتمعية، لدى فروع الوكالة في منطقة الغرب الأوسط الأميركي، عقب زيارة وزير الأمن الداخلي أليخاندرو مايوركاس إلى مدينة ديربورن أواسط آذار (مارس) الماضي، بغية الحد من سياسات التمييز ضد المسافرين العرب والمسلمين من قبل بعض الوكالات الأمنية، مثل «إدارة أمن النقل» TSA وCBP.
«بريدجز»، ومعناها بالعربية: الجسور، هي اختصار للعبارة الإنكليزية: «بناء الاحترام مع المجموعات المتنوعة لتعزيز الحساسية»، كانت قد تأسست بمنطقة ديترويت في أعقاب هجمات الحادي عشر من أيلول (سبتمبر) 2001، في مسعى من الوكالات الفدرالية وقادة المجتمع المحلي لاحتواء ردود الفعل السلبية ضد الجاليات الإسلامية والشرق أوسطية وإيجاد قناة للتواصل الدوري بين الطرفين.
ويرأس المنتدى رئيسان مشاركان، أحدهما من الجانب الحكومي، والآخر من الجانب المدني، يشغله بيضون منذ آذار (مارس) 2019.
صفحة جديدة
بيضون أثنى خلال الاجتماع الذي عقد في قاعة «النادي اللبناني الأميركي» LAHC في ديربورن، على جهود وزير الأمن الداخلي في إدارة الرئسس جو بايدن، أليخاندرو مايوركاس، لاستحداثه منصب مسؤول الارتباط، لافتاً إلى أن زيارته إلى ديربورن –في مارس المنصرم– كانت إحدى المحطات المضيئة القليلة في مسيرة المنتدى الذي واظب –طيلة السنوات الماضية– على الالتقاء بالمسؤولين الحكوميين والفدراليين، ومن بينهم أربعة وزراء داخلية متعاقبين– من دون أن تسفر تلك الاجتماعات عن أي تحرك فدرالي ملموس لمعالجة شكاوى التضييق على المسافرين العرب والمسلمين.
وأعرب بيضون عن أمله في أن يسفر تعيين شورى عن حلحلة بعض العقبات العويصة التي تنغّص أسفار ورحلات المسافرين من وإلى الولايات المتحدة، مستدركاً بأنه ما زال من المبكر تقييم المنصب الجديد وفعالياته في حل المشاكل العالقة.
وقال بيضون: «مع ذلك، فإن آمالنا كبيرة، لقد كان وزير الداخلية صريحاً ونزيهاً معنا، ونحن –كجالية– جاهزون للتعاون الكامل مع شورى لفتح صفحة جديدة مع وكالة الجمارك والحدود، ومع بقية الوكالات الأمنية الأخرى»، لافتاً إلى أن الوكالة الفدرالية يجب أن تكون مثالاً مضيئاً لضمان الحريات الفردية والدستورية لجميع المسافرين، بمن فيهم العرب والمسلمون، لكونها تمثل «واجهة البلاد».
من جانبه، رفع المحامي نبيه عيّاد الصوت في انتقاد المسؤولين الفدراليين الذين تجاهلوا على مدار العقدين الماضيين شكاوى العرب والمسلمين الأميركيين حول المضايقات «غير المبررة» في المطارات والمنافذ البرية، متسائلاً: «متى سيحين الوقت لحل هذه المعضلة التي تفتقد للوسائل البيروقراطية لمعالجتها أو التعامل معها؟».
وأضاف مؤسِّس «الرابطة العربية للحقوق المدنية»: «لقد جلسنا هنا لسنوات واستمعنا لجميع المسؤولين وهم يمطروننا بالوعود تلو الوعود، ولكننا ما زلنا نجهل –حتى الآن– أسباب إدراج نحو 1,600 شخص لوائح المراقبة وحظر الطيران»، مطالباً ممثلة وزارة العدل الأميركية في شرق ميشيغن، دون آيسون، بالتدخل السريع لإيجاد «مخرج معقول»، لما أسماه «الورطة الذي تؤرق الكثيرين في مجتمعاتنا العربية والإسلامية، لاسيما هنا في منطقة ديترويت».
عيّأد أشار إلى أن بعض موكليه المدرجين على اللوائح آنفة الذكر، يقصدون مكتبه القانوني سعياً وراء شطب أسمائهم من القوائم الفدرالية، لتقليص الأضرار التي تلحق بعائلاتهم وأعمالهم التجارية. وقال: «رغم أنها غير مضمونة النتائج، إلا أن الطريقة الوحيدة الممكنة لإزالة أسماء هؤلاء الأشخاص من قائمتي المراقبة وحظر الطيران.. هو اللجوء إلى المحاكم الفدرالية التي يتعذر على الكثيرين تحمل أعبائها وتكاليفها الباهظة».
وخاطب عياد المسؤولين بالقول: «لقد عانت جاليتنا بما يكفي من التنميط والتمييز والمضايقات، فهل يمكنكم أن تطلعونا على المعايير المعتمدة لإضافة شخص ما على تلك القوائم، نريد أن نعرف الأسباب على أقل تقدير، حتى نستطيع –كمحامين– تحديها في مطارحاتنا القانونية أمام المحاكم».
وأضاف عياد: «إنني أنتهز هذه الفرصة لأطرح السؤال مباشرة على جميع المسؤولين الحكوميين والأمنيين المتواجدين معنا اليوم، وإنني أتمنى أن نحصل على بعض الإجابات المفيدة».
وعود جديدة
في إطار الإجابة على سؤال عيّاد، وعدت آيسون بأن مكتبها سيظل مفتوحاً ومستعداً لحماية الحقوق المدنية والدستورية لجميع المواطنين الأميركيين، بغض النظر عن إثنياتهم وأعراقهم وأديانهم، مؤكدة اهتمامها «الشخصي» بتعزيز العلاقات مع جميع المجتمعات المتأثرة بالقوائم الأمنية الفدرالية.
واقترحت آيسون عقد «اجتماع مصغّر» مع أعضاء «بريدجز» ومسؤولي الوكالات الفدرالية لإجراء بحث معمق ومستفيض «لرسم صورة واضحة» للمشكلة، ثم محاولة البحث عن حلول واقعية لها.
من ناحيته، أكد فلاورز بأن إدارج الأشخاص على قائمتي المراقبة وحظر الطيران لا يندرج ضمن مهام الوكالة، منوهاً بأن CBP هي «مجرد وكالة إنفاذ قوانين»، موضحاً أنها لا تتحكم بلوائح المراقبة، ولا تتدخل فيها، ولكنها تعمل على تطبيقها مثل أية وكالة فدرالية أخرى».
وتعهّد فلاورز بأن فروع الوكالة في منطقة الغرب الأوسط الأميركي تلتزم «التعاون والشفافية مع جميع المجتمعات إلى جانب التزامها بالقوانين والقواعد المهنية كاملة.
بدوره، أعاد بيري التأكيد على استعداد فرع ديترويت، للتعاون والتنسيق مع المجتمعات العربية والإسلامية في المنطقة، متأملاً أن يسهم مسؤول الارتباط المعيّن حديثاً في توضيح طبيعة عمل الوكالة والمهام المنوطة بضباطها ومسؤوليها، واعداً بأن يقوم مكتبه بمحاسبة الضباط المخالفين للقوانين.
وقال بيري: «إذا تجاوز عناصرنا الحدود المسموح بها قانونياً، فنحن على استعداد للتعامل مع هذا النوع من التجاوزات غير المقبولة»، مهيباً بالمسافرين الذين يتعرضون للأسئلة المحظورة قانونياً، أن يلجأوا إلى الضباط الأعلى رتبة (سوبرفايزر)، أو التقدم بشكوى رسمية تتضمن تاريخ الحادثة واسم الضابط الذي يظهر على شارته الرسمية.
وتابع بالقول إن تدقيقات السفر التي تتولاها الوكالة عبر الحدود مع كندا ليست إلا «جزءاً صغيراً» من مهام ضباط الوكالة بديترويت البالغ عديدهم 1,700 فرد والذين تتمحور وظيفتهم الأساسية حول تدقيق وتفتيش البضائع العابرة للحدود، بما في ذلك الأخشاب والأغذية والنباتات والبذور، والتي يجب التأكد من أنها مطابقة لمواصفات «دائرة الغذاء والدواء» FDA ومؤسسة «حماية المستهلك» وسائر المؤسسات الفدرالية.
تقدّم طفيف
من ناحيته، أشاد ناشر «صدى الوطن»، الزميل أسامة السبلاني، بالتوجهات «المبشرة» لدى بعض المسؤولين الحكوميين والأمنيين من أجل تخفيف معاناة المسافرين العرب والمسلمين الأميركيين، وفي مقدمتهم وزير الأمن الداخلي الذي «وعد ووفى بوعده» في استحداث منصب مسؤول الارتباط لدى وكالة الجمارك والحدود.
واعتبر السبلاني بأن جهود مايوركاس أسفرت عن «تقدم طفيف»، لافتاً إلى أن منتدى «بريدجز» يتطلع إلى المزيد من التعاون والتفاهم مع الوكالات الفدرالية، رغم أن «الصورة مازالت غير وردية»، على حد تعبيره.
ودعا السبلاني المسؤولين الأمنيين إلى تفهم شكاوى المسافرين العرب الذين يسافرون بكثافة خلال هذا الصيف، وينقل الكثيرون منهم مبالغ نقدية لمساعدة عائلاتهم وأقاربهم في بعض البلدان التي تعاني من أزمات مالية حادة، مثل لبنان واليمن وسوريا والعراق.
وأوضح أن المشاكل والعراقيل البنكية في بعض الدول، مثل لبنان وسوريا، تدفع بعض هؤلاء المسافرين –في كثير من الأحيان– إلى نقل تلك المبالغ كـ«أمانات» من أقاربهم ومعارفهم لكي يقوموا بإيصالها إلى العائلات المعوزة، ما يسبب لهم الكثير من الإرباك والتشويش عند ملء الاستمارات الخاصة بالإفصاح عن مصادر الأموال التي يحملونها، والتي يجب ألا تزيد عن عشرة آلاف دولار، في جميع الظروف.
وأبدى السبلاني تفهمه لحجم «المهام الضخمة» التي يتولاها ضباط الجمارك والحدود في المطارات والمنافذ الحدودية، منوهاً بأن «القوانين المرعية هي جزء من المشكلة، ولكن فهم روح القانون أيضاً يمثل التحدي الأكبر في هذه المسألة».
وأشار السبلاني إلى قيام نشطاء عرب أميركيين بجولات تفقدية شملت مطار ديترويت الدولي وجسر «أمباسادور» الحدودي بين ديترويت ومدينة ويندزر الكندية، حيث اطلعوا برفقة المسؤولين الفدراليين ومسؤول الارتباط، نوار شورى، على إجراءات CBP في مراقبة وتدقيق مختلف أنواع البضائع المصدرة والمستوردة، وقال: «لقد رأينا كيف أنهم يسابقون الوقت من أجل حماية بلادنا ومواطنينا».
وأضاف ممازحاً: «لديهم بالفعل الكثير من العمل الذي من الممكن أن يدفعهم إلى صرف النظر عنا، ولكنهم –مع ذلك– يجدون ما يكفي من الوقت لمضايقتنا وتعكير أسفارنا».
وفيما يتعلق بقائمتي المراقبة وحظر الطيران، أكد السبلاني بأن أعضاء «بريدجز» ما زالوا «لا يفهمون ولا يعرفون لماذا يدرج اسم شخص ما على هاتين القائمتين»، مضيفاً: «كل ما نريده، هو خلق مسار بيروقراطي عادل لشطب الأسماء المدرجة عسفاً أو خطأ، بدل اللجوء المكلف والمضني للمحاكم الفدرالية».
وطالب السبلاني مسؤولي الهجرة والجمارك بإبداء التفهم لمشاعر وأوضاع المسافرين الذين «يقضون ساعات طويلة في رحلات السفر القادمة إلى الولايات المتحدة، ليتم توقيفهم لساعات إضافية من أجل التفتيش والتدقيق الأمني»، وقال: «هذا الوضع مرهق لهم ولعائلاتهم ولأطفالهم، ولا بد من إيجاد وسائل عملية وجدية لمعالجة المشكلة بأسرع ما يمكن».
وأحجم مساعد مدير مكتب «أف بي آي» في ديترويت، جوش هوكسهيرست، عن الكشف عن الآليات والجهات التي تتولى إعداد قائمتي المراقبة وحظر الطيران، متعللاً بالقول: «هذه معلومات بالغة السرية، ولست مخولاً بالإجابة على هذه النوع من الأسئلة، لكنني أؤكد لكم بأن الغاية الأساسية منها هي حماية بلادنا وأمننا القومي، وليس استقصاد فئات أو شرائح بعينها».
ولفت هوكسهيرست إلى بعض الحلول الجزئية التي من شأنها تخفيف الأعباء على المسافرين الذين يتم توقيفهم لفترات طويلة، كتعبئة استمارات «الاستدراك» Redressing لدى وزارة الأمن الداخلي، لتفادي طوابير الانتظار الطويلة وأسئلة المحققين.
وفي هذا الصدد، توفر وزارة الأمن الداخلي الأميركي برنامجاً باسم «طلب استدراك للمسافر» Traveler Redress Inquiry للمسافرين الذين يواجهون صعوبات في المطارات والمنافذ الحدودية، كالمدرجين على القوائم الفدرالية، وكذلك الذين يتم تأخيرهم أو منعهم من الصعود إلى الطائرات لأسباب غير عادلة.
ويمكن تقديم الطلبات عبر الرابط التالي: trip.dhs.gov
قناة فعالة
خلال مداخلته، أوضح شورى بأنه لن يوفر أي جهد لكي يكون منصبه الجديد «قناة فعّالة باتجاهين»، تعمل على تخفيف التوتر وإزالة الالتباسات بين وكالة الجمارك والحدود من جهة، وبين المجتمعات الإثنية في الغرب الأوسط الأميركي، والتي تشمل العديد من المدن الكبيرة مثل ديترويت وشيكاغو وكليفلاند، لافتاً إلى أنه يسعى منذ تعيينه قبل زهاء ثلاثة أسابيع إلى «تكوين صورة متكاملة حول الأوضاع» من خلال الالتقاء بالعديد من المسؤولين المحليين والفدراليين والممثلين المحليين في المنظمات الحقوقية والمدنية.
وقال شورى، السوري الأصل، إن بابه «مفتوح» أمام الجميع، وإن أولوياته سوف تتركز حول خلق «مسار واضح» لمعالجة التحديات التي يواجهها المسافرون العرب والمسلمون الأميركيون، لافتاً إلى أن غياب الثقافة القانونية وعدم فهم طبيعة العمليات البيروقراطية والإدارية، غالباً ما يتسببان في تعقيد المشكلة وتدهور العلاقة بين الوكالة والمجتمعات الإثنية.
ولفت إلى أن تدريب ضباط الوكالة الفدرالية على الاختلافات والحساسيات الثقافية لأبناء المجتمعات الإثنية، سيكون خطوة مفتاحية للإسهام في معالجة المشكلة العالقة منذ عدة عقود.
ويمتلك شورى مسيرة مهنية طويلة في مجالي الحقوق المدنية والأمن القومي، حيث قدم –خلال أكثر من 20 عاماً– تدريباً خاصاً لأكثر من 100 ألف من المحللين الاستخباراتيين وضباط إنفاذ القانون وأساتذة الجامعات، إضافة إلى قيامه بالتدريس في أكاديمية «أف بي آي» و«المركز الوطني لمكافحة الإرهاب» و«مركز فحص الإرهاب».
Leave a Reply