مهضوم تيار «المستقبل» بشعاراته التي سرعان ما تُشعِل «السوشال ميديا» وباقي الوسائل التواصلية كالواتساب، فمن شعار «والسما زرقا» حتى «الخرزة الزرقاء» التي أعلن عنها سعد الحريري بعد الإعلان عن أسماء مرشحيه لخوض الانتخابات النيابية في لبنان. إلا أنَّ الجمهور اللبناني «أهضم» من التيار الأزرق بكثير حيث لم يتوقف سيل النكات على «الخرزة» منذ الإعلان عنها، وأطرفها تلك المقاطع المدبلجة من المسلسل السوري الشعبي «ضيعة ضايعة» والتي تضمنت حمل أبطال المسلسل للخرزات الزرق. أما النكتة الطريفة الأخرى فهي التي تقول إنه رداً على «الخرزة الزرقاء» سيعلن الحزب لائحته تحت إسم «طاسة الرعبة»!
البعض الآخر تداول صوراً للحدود مع فلسطين المحتلة مع خرزات زرق كبيرة منصوبة بوجه العدو كي لا يُصاب لبنان بالعين من قبل إسرائيل. ولكن بعيداً عن الهزل، فإن الحريري لم يكن موفَّقاً بهذه اللائحة التي أول شخص من ضمنها هو ولد عاق لوالده البعريني. هذا الانقلاب لوحده يكفي ولكنه غير مستغرب إذا وضع في سياق المشيخات الخليجية التي شهدت انقلاب الأبناء على الآباء ونفيهم خارج البلاد والحريري ليس غريباً عن هذه البيئة. كذلك شهدنا بكاء النائب البيروتي محمد قبَّاني علناً أمام الكاميرا بعد تخلي الحريري عنه بهدا الشكل المهين رغم أنه لم يُعرَف عنه كونه من بين الذين طعنوه في الظهر أثناء احتجازه في السعودية من قبل ابن سلمان! أو على الأحوط ربما يكون قبَّاني من الذين انقلبوا عليه لكن خطيئته حتماً لم تكن بحجم السنيورة وفتفت وريفي!
الحسنة الوحيدة في لائحة الحريري العتيدة أنها أنهت حياة السنيورة وفتفت السياسية التي شابها الكثير من الكوارث وربما في يومٍ ما عندما يحلُّ في شبه الوطن ما يشبه دولة القانون قد تتم محاكمة أخطر سياسيين ومحاسبتهما على خياناتهما في المالية وفِي ثكنة مرجعيون!
إذاً تسامح الحريري وسامح سجانيه في السعودية وعادت المياه إلى مجاريها بينهما بعد «قليل» من الاعتقال والسجن والإهانات والإذلال! ومن حسن حظ الحريري أنه تمت تبرئة الممثل زياد عيتاني من تهمة التعامل مع إسرائيل حيث «زبطت» معه في الوقت الانتخابي المناسب في خطوة قد تُسعِف الحريري «المزنوق» ضد المنافسين الجديين له في بيروت وغيرها. ولكن مع ذلك، المهم أنه تم إنقاذ حياة إنسان تعرض لتهمة فظيعة وخطيرة جداً، مع أن المطبِّعين في لبنان قد تجاوزوا المبدئيين، لذلك لا يسعنا إلا تهنئة عيتاني بالبراءة بعد التنكيل الفظيع به من قبل المحققين وتلبيسه التهم تحت التهديد. ولكن هناك حديث آخر بعد إطلاق سراح عيتاني.
قضية دريفوس، اليهودي الكابتن في سلاح المدفعية الفرنسي الذي اتُّهم عنوةً بالخيانة من خلال تسريب أسرار عسكرية للألمان خلال القرن التاسع عشر، ما زال صداها حتى اليوم في الذاكرة الباريسية وقد استفادت فرنسا منها لمنع إعاقة العدالة بعد ذلك. هذا عند الأم الحنون، أما عند الابن اللبناني الذي لا يحمل مقوٍّمات وطن فلطالما شهد إجهاضاً ونحراً للعدالة فلا دروس تمت الإستفادة منها ولا عِبَر!
مثلاً خذ قضية تلفيق إيلي غبش، الهاكر الآلي، التهمة لعيتاني (تصر بعض الصحف على نشر أول حرفين من إسمه رغم أنه اصبح أشهر من نار على علم مع سوزان الحاج)، المنطق يقول إن إسرائيل منذ أيام باسيل وشربل نحاس خرقت داتا الإتصالات في لبنان لدرجة أن لجنة الإتصالات النيابية اجتمعت وترك أعضاؤها هواتفهم القيمة خارج القاعة، والمنطق يقول بما أن داتا الاتصالات مخروقة ويمكن لغبش اتهام رجل بريء بهذه السهولة فإذاً المحكمة الدولية أصبحت لزوم ما لا يلزم لأنها اعتمدت على «شوية» اتصالات هاتفية معروف من بإمكانه التلاعب بها لأنه يملك التكنولوجيا الضرورية!
فهل يتخذ الرئيس قراراً تاريخياً بإلغاء المحكمة الحقيرة التي ضللت العدالة لأكثر من عقد ونيِّف؟ وماذا عن التهم التي ساقها أشرف ريفي ووسام الحسن ضد ميشال سماحة؟ هل يمكن الوثوق بشخص مثل ريفي؟
هذا آخر هم عند السلطة المشغولة اليوم بالتحالفات والخرائط الإنتخابية بينما المنطقة تغلي من حولنا والعالم. ففي حين تقوم سوريا بتحرير آخر مناطقها في الغوطة من الإرهابيين الظلاميين، أحباء الغربيين وخصوصاً بريطانيا وأميركا، قد تشتعل حرب عالمية مجدداً في سوريا بعد التحذير الروسي لأميركا بالرد على أية ضربة توجَّه لدمشق وهذا تصعيد خطير في ظل المناورات الإسرائيلية الأميركية المشتركة. ولا تخفف من خطر هذا التصعيد خطوة ترامب المتهورة بطرد وزير جارجيته تيلرسون بشكل مهين كما فعل مع المدير السابق للـ«أف بي آي»، مما يعني تسليم كامل إدارته المتعثٍّرة للعسكر والاستخبارات وهو ما حذّر منه أيرنهاور منذ 65 عاماً. التسعير المجنون اليوم ضد روسيا من قبل لندن بسبب اتهامها بتسميم معارض روسي، ومن قبل السيخية نيكي هيلي التي بلغت بها الوقاحة حد التلميح بأن سلاح الأعصاب الروسي قد يُستَعمَل في نيويورك، ماهو إلا محاولة لتكبيل يد موسكو في العالم وخصوصاً في سوريا، وبوتين المنتصر لن يقف مكتوف اليدين.
لبنان لم يعد في سلم أولويات واشنطن كما يظن ساسة لبنان بوجود بن سلمان وتحركه الدائر ضمن التحالف مع إسرائيل، التي رغم خدمته لها لا تريد منحه طاقة نووية سلمية. الخطر على لبنان داهم وعليه أن يبقى على جهورية تامة لأنه لا يمكن لأحد أن يأمن جانب العدو. لكن لا يهم طالما أن الخرزة الزرقاء تحرس لبنان!
Leave a Reply