مريم شهاب
لو نظرت حولك أيها القارئ الكريم، في هذا العالم المجنون المتهاوي على وقع الحروب والكوارث والموت… لتبين لك سريعاً أن هذا العالم يلف ويدور في فراغ الحزن والحقد والألم، وكل ما يلزمه هو قليل من الحب.
قالوها من قبل، وسوف يقولونها فيما بعد: الحقيقة السرمدية أن غياب الحب في هذا العالم، هو أصل الشرور والغرور ودوامة الحروب والويلات والدسائس التي أوصلت البشرية إلى ما نراه الآن. حتى من يدعون رفض الكراهية لا يعرفون كيف يحبون.
الإنسان لم ولن يتعلم، منذ أيام هابيل وقابيل حتى قيام الساعة، كيف يُحب أخاه وشريكه الإنسان على هذه الأرض، ولذلك هو يعيش الشقاء جيلاً بعد جيل.
ما فائدة العلم، ما فائدة التكنولوجيا، ما فائدة كل الرفاهية والغنى الذي يتسابقون عليه؟ هل خفّ الظلم؟ هل أصبح الإنسان أكثر إنسانية؟ أيأنس ويحب ويسامح الآخر المختلف؟ هل يتجاوز عن الأخطاء أم يتصيدها؟
من يملك منّا عين الرضا؟ من يملك منّا النفس البسيطة والروح المطمئنة بأننا ضيوف على هذه الأرض؟ من منّا لديه الحكمة ليغرف منها الخير ويقدمه للآخرين؟
الحقيقة لا يمكن إنكارها إلى ما لا نهاية، فهي كفيلة بإثبات نفسها. لكنها بلا شك غالباً ما تأتي متأخرة، بعد خراب البصرة. فالإنسان لا يدرك الحكمة إلّا في أعماق الجحيم.
عالمنا اليوم، يعيش في جحيم افتراضي وقد يتحول في أية لحظة إلى جحيم فعلي، فهل من أمل؟ نعم، لازال الأمل موجوداً.
إليكم ومضة حب وأمل:
في إحدى دور المسنين هنا في ديربورن، «زين» لا يعرف كم عدد سنوات عمره، ولا يتذكر تاريخ ميلاده، لكنه يعلم ومتأكد من أن لديه أبناء وبنات وأحفاد وحفيدات.
أفنى سنين عمره حتى كبروا وتعلموا ثم تنكروا له ووضعوه في دار العجزة، مثل قطعة أثاث منسية، لا لزوم لها.
وكما تعرف عزيزي القارئ، هنا في الولايات المتحدة دور المسنين مختلطة بين النساء والرجال، مثل الدار التي تؤوي «زين» والتي انضمت إليها «عليا» بعد معاناتها هي أيضاً من ظلم ذوي القربى فلم تجد مأوى لها إلّا في تلك الدار.
عمل الحب عمله: نظرة فابتسامة فسلام فكلام فسؤال عن الصحة وسبب الكحة (السعال) وتيبس المفاصل حتى الإحساس بالإلفة، فكتب زين رسالة إلى إدارة الدار يعرب فيها عن رغبته بالزواج من «عليا»، بعد أن اشتدّ بينهما رباط المودة والرحمة التي يفتقدها كلٌّ منهما.
جاءت الموافقة السريعة من الإدارة بعد أن أدركت صدق عواطف الحبيبين فخصصت لهما غرفة نوم مشتركة. وقرر أحد أصحاب قاعات الأفراح بإقامة حفل الزفاف على نفقته في قاعة دار المسنين وانهمرت الهدايا والتبريكات على العروسين.
المشهد جعل الجميع يدرك أن الحب عاطفة نبيلة وسامية ولا علاقة لها بنزوات الشباب. باختصار، الحب ليس بهرجة وإيموجي وكلاماً معسولاً وشهوة جنسية.
«زين» رجل متقاعد لم تتزوجه «عليا» طلباً للأولاد أو طمعاً في ماله أو أملاكه. فالإنسان يبقى بحاجة إلى الحب في كل مراحل العمر ويكون أشد الحاجة إليه في سنوات الشيخوخة. فالإنسان يفرح بإنجاب الأولاد لأنه يتوقع منهم تزويده بجرعات الحب في وقت الحاجة والضعف.
لكن للأسف، «زين» و«عليا» –مثل الكثيرين– رُزقا بأبناء عاقّين. لكن الله مَنَّ عليهما وأكرمهما بنعمة الحب في قلبيهما، وشاء لهذا الحب أن تكون خاتمته الإلفة والرفقة والمودة حتى اللحد.
المهم الآن، أن العواطف اشتعلت في قلوب سكان الدار، وصار سوق الرجال فيها «حامياً» لأن عددهم أقل من النساء. قولوا مبروك!
Leave a Reply