عماد مرمل – «صدى الوطن»
تبدو المنطقة قابعة فوق فوهة بركان، قابل للانفجار في أية لحظة، بعدما قرر الرئيس الأميركي دونالد ترامب تجاوز كل الخطوط الحمر في تعامله مع ملف الصراع العربي–الإسرائيلي، حيث تموضع على يمين رئيس وزراء العدو بنيامين نتنياهو و«زايد» عليه في ولائه لإسرائيل وانحيازه إلى مصالحها، على حساب الحد الادنى من الحقوق العربية والفلسطينية.
بعد قراره بنقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس المحتلة، ها هو ترامب يوقع على اعترافه بسيادة الاحتلال على الجولان السوري من دون أن يرف له جفن أو إصبع، في موقف يشكل بالدرجة الأولى إهانة لكل حلفاء واشنطن العرب، واستهانة بهم، وكأن «رامبو» البيت الأبيض يمعن في إحراجهم وتعريتهم حتى من ورقة التوت، على الرغم من كل التنازلات التي قدموها له، من الخيارات السياسية الخانعة والخاضعة إلى مئات مليارات الدولارات التي بدت أشبه بـ«الخوّات»، فيما حصل نتنياهو من جهته على أثمن هدية مجانية وهي التطبيع العلني وفتح أبواب عدد من العواصم العربية أمام الوفود الإسرائيلية.
مستفيداً من الغطاء الأميركي اللامحدود والضعف العربي اللامتناهي، يمعن نتنياهو بالاعتداء على الفلسطينيين في غزة، كما اعتاد أن يفعل المسؤولون الإسرائيليون عند كل استحقاق انتخابي. لكن الصواريخ «المشفرة» التي سقطت على تل أبيب ومحيطها، الأسبوع الماضي، شكلت بدورها رسالة بليغة من فصائل المقاومة بأن قواعد اللعبة تغيرت وأن الرد الفلسطيني على أي عدوان واسع سيكون مدوياً.
على وقع هذه التطورات، يؤكد قيادي حركة «حماس» في لبنان علي بركة لـ«صدى الوطن» أن الاجتماع الذي عقد قبل أيام بين الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصرالله ووفد من «حماس» برئاسة نائب رئيس مكتبها السياسي صالح العاروري كان جيداً وتخلله نقاش استراتيجي تطرق إلى التحديات الراهنة، وفي طليعتها الاعتداءات الإسرائيلية على غزة والقرار الأميركي بالاعتراف بالسيادة الإسرائيلية على الجولان المحتل.
ويوضح بركة أنه كان هناك تفاهم تام بين قيادتي «حزب الله» و«حماس» على ضرورة زيادة منسوب التنسيق بين أطراف محور المقاومة، في هذه المرحلة الدقيقة، لمواجهة الاستهدافات الأميركية والإسرائيلية المتصاعدة التي تشمل سوريا وغزة في فلسطين و«حزب الله» في لبنان، والجمهورية الإسلامية الإيرانية التي تتعرض إلى الحصار. ويلفت «أبو الحسن» إلى أن المخاطر التي تواجه مكونات محور المقاومة، تستدعي رداً منسقاً على قاعدة تضافر الجهود والقوى، بمعزل عن التمايزات الموجودة في داخل هذا المحور، مشيراً إلى أنه جرى الاتفاق خلال لقاء نصرالله–العاروري على تفعيل التعاون بين «حزب الله» و«حماس» على كل المستويات وفي كل الساحات، بغية تحسن شروط التعامل مع الهجمة الأميركية–الإسرائيلية في هذه اللحظة المصيرية. ويلفت بركة إلى أن اعتراف ترامب بسيادة الاحتلال الإسرائيلي على الجولان، يأتي استكمالا لقراره السابق بنقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس، «ولاحقاً ربما يرتكب حماقات أخرى ويعترف باحتلال العدو للضفة الغربية ويغطي ضمها إلى الكيان الإسرائيلي»، مؤكداً على أن ما ارتكبه ترامب لا يصيب الجولان فقط بل فلسطين وكل العرب أيضاً، «الأمر الذي يستوجب منا جميعا إعادة ترتيب أوضاعنا وحساباتنا، بما يتناسب مع استحقاقات هذه المرحلة».
وينبه ممثل «حماس» في لبنان إلى أن سلوك ترامب المتفلت من أي ضوابط يصب في خانة تمهيد المسرح أمام تطبيق «صفقة القرن» التي ترمي إلى تصفية القضية الفلسطينية وحقوقنا المشروعة.
ويشير إلى أن التوقيت الواحد للاعتراف الأميركي بضم الجولان إلى كيان الاحتلال وللعدوان الإسرائيلي على غزة، هو دليل إضافي على أن حلف واشنطن–تل أبيب وصل إلى أقصى مستويات التماهي في المصالح والأدوار، ربطاً بأجندة واحدة.
ويكشف بركة أن المكتب السياسي لـ«حماس» يبحث في تعزيز التنسيق مع كل القوى والدول المنخرطة في محور المقاومة، ومن ضمنها سوريا، وذلك على أساس أن الأولوية الملحة في هذا الظرف، والتي تتفوق على أي اعتبار آخر، هي التصدي لعدوانية واشنطن وتل أبيب المتمادية، والتي لا تتوقف عند حد ولا تراعي القرارات الدولية والقانون الدولي.
ويؤكد بركة «أن الخيارات المتوافرة أمامنا ليست كثيرة أصلاً، ولعل أهمها وأفضلها هو إعادة لمّ الشمل وترميم الصف الواحد بغية التصدي للتحديات الداهمة»، موضحاً أن «حزب الله» وإيران بذلا، ولا يزالان، جهداً في هذا الاتجاه».
ويعتبر القيادي البارز في «حماس» أنه «لا يجوز أن نبقى متفرقين أو متفرجين بينما العدو يرص صفوفه ويستخدم كل أوراقه في معركته الموجهة ضدنا جميعاً»، مشدداً على «وجوب أن نضع خلافاتنا الثانوية جانباً وأن نحصن جبهتنا لاسيما أن كل المؤشرات تفيد بأن الانتخابات الإسرائيلية ستفرز حكومة حرب يمينية، لا بد من أن نكون مهيئين للتعاطي مع تداعياتها».
وبينما يؤكد بركة، صلابة المقاومة الفلسطينية بكل فصائلها واستعدادها لمواجهة أي تطور ميداني في قطاع غزة، يكشف أن الجانب الإسرائيلي حاول عبر الوسيط المصري وممثل الأمم المتحدة في فلسطين أن يربط وقف اطلاق النار في القطاع بتقييد مسيرات العودة الأسبوعية التي ينظمها الشعب الفلسطيني، بحيث طلب عدم اقترابها من السياج الحدودي الفاصل عن الاراضي المحلتة ومنعها من إطلاق البالونات الحرارية أو أية مواد نارية، «إلا أننا رفضنا هذا الطرح كلياً، وأكدنا إصرارنا على التمسك بمعادلة وقف العدوان في مقابل وقف الصواريخ حصراً، أما مسيرات العودة فهي مستمرة، ونحن نحضر لواحدة مليونية في ذكرى مرور عام على اطلاقها ولمناسبة يوم الأرض».
ويستبعد بركة حصول هجوم إسرائيلي واسع على غزة، عشية الانتخابات الإسرائيلية، مشيراً إلى أن حدوث أي عدوان كبير يعني أن تلك الانتخابات ستتأجل وأن نتنياهو قرر الانزلاق إلى مغامرة غير محسوبة.
Leave a Reply