وليد مرمر
ربما لم يكن الإعلان عن اتفاقية السلام الإماراتية–الإسرائيلية مفاجئاً لمن لديه اطلاع على تاريخ العلاقات العربية الإسرائيلية منذ العام 1947 وحتى الآن. لكن المفاجئ كان –لا شك– وقاحة الإعلان الذي حمل في طياته تمهيداً صريحاً لاتفاقيات «قريبة» مع دول عربية أخرى، بعد سلسلة من التطورات التي رجحت الطغيان الإسرائيلي على حساب الحقوق العربية، كنقل السفارة الأميركية إلى القدس، والاعتراف الأميركي بضم الجولان السوري، والإعلان عن «صفقة القرن» الهجينة، ناهيك عن محاصرة وإنهاك جميع الأطراف التي يمكن أن تقف بوجه العابثين بمصير المنطقة.
إن عصر الانبطاح العربي لم يبدأ بـ«كامب ديفيد» المشؤوم كما يظن البعض، بل قبل ذلك بكثير. فقد صرحت وسائل إعلام إسرائيلية منذ أيام أن العلاقات مع دول الخليج بدأت من الستينيات، كاشفة أن كل رؤساء الموساد التقوا بقادة الخليج، بما في ذلك السعودية!
لقد أرست قمة بيروت العربية عام 2000، مبدأ «الأرض مقابل السلام»، أي الانسحاب إلى حدود الخامس من حزيران 1967 مقابل السلام. ورغم أن ذلك العرض يصب في خانة المشروع الانهزامي العربي الذي تقوده السعودية، إلا أن بعض الدول الممانعة وافقت على قرارات القمة من مبدأ «إلحق الكذاب لباب بيته!»، وهي تعلم يقيناً أن إسرائيل لن تتخلى عن القدس الشرقية ولا الضفة الغربية كرمى لعيون الأعراب المنبطحين.
لكن هذا كان في عام 2000. أما الآن فلقد صرح بنيامين نتنياهو، بالفم الملآن متبجحاً ومتباهياً، عن معادلة جديدة، ربما لم يفطن إليها الكثيرون، عندما قال إن المبدأ الجديد بين العرب وإسرائيل هو «السلام مقابل السلام».
يعني –ببساطة– نعياً لنظرية «الأرض مقابل السلام»، وهي المعادلة التي رفعها العرب لنصف قرن دون أن يقرِنوها بأي فعل من شأنه استرجاع الحقوق، عدا عن التهافت لتوقيع السلام مع دولة الاحتلال!
ما عناه نتنياهو هو أن السلام من الآن فصاعداً سوف يكون مجانياً، بل هو قد يكون مقابل الإبقاء على عروش الملوك والأمراء والسلاطين، بحماية الموساد من أي تهديد محلي أو خارجي.
إن ما يحصل في العلاقات العربية الإسرائيلية ليس سلاماً، وهو أبعد ما يكون عن سلام الشجعان الذي تتشدق به هذه الأيام أبواق عشرات الفضائيات الممولة بالبترودولار الخليجي. بل هو استسلام مجاني من دون تسجيل أية نقاط، ولو من قبيل المحافظة على ماء الوجه.
لكن مهلا! فقد صرحت دولة «الولايات الإماراتية العظمى» بأن الاتفاق يتضمن تجميد ضم إسرائيل لأراض فلسطينية جديدة، ولذا يتوجب على الفلسطينيين «تلقف الفرصة» والعودة إلى طاولة المفاضات مع إسرائيل! أي أن ثمن السلام هو الانسحاب إلى حدود الخامس عشر من آب 2020!
حقاً، إن شر البلية ما يضحك! ولكن حتى ذلك لم يكن إلا كذبة تسويقية اختُرعت كورقة توت لتغطية عورة النظام الإماراتي.
فلقد صرح صائب عريقات، أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، بأن إسرائيل كانت قد دعت السلطة منذ أكثر من شهرين للعودة إلى المفاوضات لأنها قد جمدت ضم أراض جديدة!
من جهته، قال نتنياهو بوضوح إن قرار تجميد الضم هو قرار تكتيكي مرحلي، مشدداً على أنه تجميد وليس إلغاء. أي إن ادعاء الإمارات بأن إسرائيل قد توقفت عن ضم أراض جديدة كثمن للسلام بينهما هو ليس إلا خدعة وذرّ للرماد في العيون.
إذن، لقد كانت الإمارات تحاول التفتيش عن قربان لتمرير خطوتها المخزية، فلم تجد إلا كذبة تجميد الضم التي تبدو كأنها جاءت بأمر واشنطن ريثما تنقضي الانتخابات الأميركية!
لكن أيعقل أن لا يكون هناك أي مقابل للاستسلام المذل؟
قال وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية، أنور قرقاش، إن اتفاق التطبيع يجب أن يزيل «أي عقبة» أمام الولايات المتحدة لبيع مقاتلات «F–35» لبلاده. لكن هذه ليست إلا أماني بل أضغاث أحلام! فلقد صرح نتنياهو بأن التقارير التي تتحدث عن أن اتفاق تطبيع العلاقات مع الإمارات سيسمح لأبوظبي بشراء هذه المقاتلات المتطورة أو غيرها من الطائرات الأميركية الأخرى، ليست إلا «أخباراً كاذبة بالمطلق»، مضيفاً أنه «منذ البداية، ترفض إسرائيل بيع طائرات F–35 وأسلحة متطورة أخرى لأية دولة في الشرق الأوسط، بما في ذلك الدول العربية التي عقدت السلام مع إسرائيل».
ولمن يتساءل عن حاجة الإمارات لشراء هذه الطائرة المتقدمة فليراجع التدخل الإماراتي العدواني المباشر في اليمن وليبيا، وعبر «الپروكسي» في سوريا والعراق.
لكن لا بد أن ثمة فوائد ما للتطبيع الإماراتي الإسرائيلي! نعم.. فلقد بشر ترامب الإماراتيين بأنه صار بإمكانهم زيارة القدس والصلاة في المسجد الأقصى! ولكن ترامب لا يعلم أن كل مناسك الإسلام وشعائره لا تساوي عند الله دعوة امرأة عند حواجز الذل في فلسطين المقطعة، أو دمعة طفل يتيم في قطاع غزة، أكبر سجن في العالم.
Leave a Reply