عرفت الراحلة كاي سبلاني في أوساط الجاليات المسلمة والعربية الأميركية كمديرة تحرير القسم الإنكليزي في صحيفة «صدى الوطن»، ولكن غاب عن بعضهم بانها كانت شخصية إستثنائية بكل المقاييس، وذلك من خلال جهدها وإلتزامها وثراء معرفتها المتعددة الجوانب، فهي بالنسبة لأسرتها الأم والإبنة والجدة والشقيقة المحبة والمعطاءة، تهبّ لمساعدة كل من تصيبه وعكة أو مرض «كانت كلما مرض أحدنا تهرع إليه لمساعدته والوقوف إلى جانبه» بحسب شقيقها كيني كندال.
كاي سبلاني مع أحفادها |
وهي بالنسبة للصحفيين والزملاء العاملين معها المديرة الحانية التي تأخذ الجميع تحت جناحيها والمرشدة الصبور التي تركت بصمات إيجابية في حياتهم المهنية. هكذا تتذكرها زهرة هوبر التي تعمل الآن محررة في إذاعة «دبليو دبليو جي» المحلية الأميركية المعروفة، والتي كانت قد تدربت على التحرير والصحافة في القسم الإنكليزي في «صدى الوطن» وتحت إشراف كاي سبلاني.
تقول هوبر بأن كاي لها فضل كبير في تطوير مهاراتها الصحفية التي أوصلتها الى موقع مرموق كمحررة في أحدى الوسائل الإعلامية الرائدة في هذه الولاية، وذلك من خلال النقد البناء الذي كانت توجهه لها خلال فترة التدريب. أضافت هوبر «أحيانا أتذكر وأمعن التفكير فيما كانت تفعله كاي في مقالاتي عندما كانت تصححها، والحقيقة انها كانت تثريها، بحيث جعلتني أكثر دقة في الكتابة، كانت توجيهاتها بناءة، والآن حين أحرر مقالاً أو أصحح خبراً لأحد الزملاء الجدد، أتذكر ماذا كانت تفعل كاي وماذا تعلمت منها».
وكانت كاي سبلاني قد فاضت روحها الى بارئها في الاول من كانون الثاني (يناير) 2013 بعد أن اشتد عليها مرض السرطان.
عملت كاي مديرة لتحرير القسم الانكليزي في «صدى الوطن» منذ تأسيسها في ٧ أيلول (سبتمبر) من عام 1984. قبل ذلك كانت رئيسة قسم التمريض في أحد أجنحة مستشفى «سانت جون» في ديترويت، وبعد 10 سنوات من العمل في مهنة التمريض، لم تخلع كاي يوما قبعة التمريض بل كانت دوما معطاءة وعطوفة في عملها بحسب زملائها السابقين واصدقائها وأفراد أسرتها.
إذ يقول شقيقها كيني «أستطيع أن أؤكد بأن كاي لم تتخل يوماً عن دورها كممرضة للعائلة» فهي كانت على الدوام راعية لأحفادها ولوالدها حتى وفاته، ولوالدتها ولجميع أفراد أسرتها في حالة تعرضهم للمرض أو لأية انتكاسات صحية، فهي أول الحاضرين لزيارتهم في المستشفى وهي التي تتحدث مع الاطباء لمعرفة الأسباب ولضمان الاعتناء بهم حتى الشفاء.
وفي إحدى المرات سافرت كاي الى ولاية أخرى للاعتناء بواحد من أبناء أشقائها الذي كان قد اصيب في حادث سير أدى الى إدخاله المستشفى.
جودي بلوفيتس، ممرضة متقاعدة وزميلة لكاي وصديقة لها على مدار أكثر من أربعة عقود، قالت إن الراحلة ظلت على صلة بمهنة التمريض حتى بعد تسلمها مهمة إدارة التحرير في «صدى الوطن»، فكانت تعقد ندوات وورشات تدريب للعاملين في المجال الصحي خاصة فيما يتعلق بالتعامل مع المرضى العرب والمسلمين الاميركيين، وأصدرت في هذا الشأن مطبوعة حول طرق التعامل مع المرضى العرب والمسلمين في المستشفيات الاميركية، تم تداولها في معظم المستشفيات المحلية.
وقالت بلوفيتس أن كاي تركت مهنة التمريض لعدم قدرتها على مشاهدة المرضى المتألمين «كانت تبذل قصارى جهدها في رعايتهم، لقد كانت ممرضة غير تقليدية بكل المقاييس، كانت متجددة ولطالما ابتكرت وسائل للعناية بمرضاها».
يتذكر شقيقها كيني بأنها كانت تأتي بعض الأحيان الى المنزل وتبكي طويلاً لأن أحد مرضاها توفي رغم بذلها أقصى جهدها لإنقاذه.
تتذكر بلوفيتس أيضاً كاي الشغوفة بالتاريخ، والجغرافيا وبالشعوب والثقافات المختلفة، كانت «كاي ملتزمة بمهنة التمريض بمثل التزامها بالكتابة والصحافة». تذكر مرة بأنها كانت مع كاي في رحلة استجمام في شمال ميشيغن، قطعت عطلتها لتعود الى مكاتب الصحيفة لمتابعة تداعيات ازمة أمنية عصفت بلبنان في حينه مما تطلب حضورها، بطلب من الناشر ورئيس التحرير. وقالت كان بامكان كاي العودة في أي وقت لعملها كممرضة لمعالجة الأزمة المالية التي واجهتها في مهنة المتاعب في «صدى الوطن»، ولكنها لم تفعل ذلك لإلتزامها وإلمامها بأهمية الصحيفة للجالية العربية في هذه البلاد.
من جانبه يؤكد شقيقها كيني انه لم يناقش كاي يوماً حول إمكانية عودتها للتمريض أثناء معاناتها المالية في الصحيفة، لإنه كان يدرك تماماً حبها وإلتزامها بما تفعله، «لقد كانت سعيدة بعملها في الصحيفة، والدليل على ذلك انها كانت تمضي الليالي الطوال في العمل برغم انها لم تكن تجني راتباً يستحق الذكر».
وأضاف «كانت هذه الصحيفة تمثل لها مصدر سعادة وإعتزاز، وحتى أثناء معاناتها المتكررة من السرطان، لم تفقد يوماً أملها وثقتها في نجاح وإزدهار وديمومة الصحيفة التي كانت تشكل بالنسبة اليها المرتكز الوحيد حتى آخر يوم في حياتها». للأسف لقد منعت شدة المرض الخبيث كاي من مشاهدة مكاتب الصحيفة بحلتها الجديدة، رغم تزويدها بين الحين والآخر بصور حول تطور المبنى الذي كان مصدر فخرٍ واعتزاز دائم لها رغم آلامها الكبيرة في أيامها الأخيرة وهي على فراش الموت.
كل من تعرف على كاي يدرك ما كانت تتمتع به هذه الإمرأة من خفة ظل وروح مرحة مما يضفي على حضورها بهجة وإرتياحاً حتى في أدق المواقف وأكثرها تعباً.
هكذا يتذكرها الصحفي العربي الأميركي خليل الحجل الذي تتدرب على المهنة في «صدى الوطن»، بعد تخرجه من «جامعة ميشيغن» وبإشراف مباشر من كاي، وعمل في الصحيفة لسنوات قبل ان ينتقل الى العمل كمراسل في صحيفة «فلينت جورنال» ومن ثم الى مراسل لموقع «أم لايف» المعروف على شبكة الانترنت. يقول الحجل بأن كاي كانت مديرة تحرير بكل جدارة وجدية، ولكن ذلك لم يمنعها من إطلاق طرفة أو نكتة بين الحين والآخر تدخل البهجة إلى نفوس زملائها المنهكين، ويضيف «حين يقترب موعد وضع اللمسات الأخيرة على الصحيفة تمهيداً للطبع، ترتفع وتيرة الضغط ويكاد العقل يتوقف عن التفكير، تأتي اللحظة المناسبة لإطلاق نكتة تثير بعض الضحك وتفرج الأسارير، هذا ما تعلمته من كاي». يتذكر بأن «أجمل اللحظات كنت أشعرها، حين ننتهي من تحرير الصحيفة بعد منتصف الليل أو قبل الفجر بقليل، وبعد إرسالها للمطبعة، وبينما أقوم بتحضير نفسي للذهاب للمنزل، تتنفس كاي الصعداء وتضع «سي دي» الأغاني العربية في جهاز التسجيل لتستمع قليلاً، تحاول التحدث بالعربية فينفجر الجميع بالضحك، كنت فخوراً بأنها مديرتي».
وتحدث كيني أيضا عن روح كاي المرحة خاصة في الأوقات الحرجة والصعبة، كانت مرحة في أي عمل تقوم به، لكنها في الوقت ذاته كانت صحفية جادة ومديرة قديرة. وقال الحجل «حين كانت تجلس كاي للكتابة، كانت تفيض كلماتها من القلب وكأنها تكتب بدمها بدلاً من الحبر».
في عام 2010 اختارتها مؤسسة «نيو أميركن ميديا» للعمل ضمن هيئة صحفية رفيعة المستوى على دراسة حول المسنين العرب الأميركيين، وسافرت لهذا الغرض الى نيو أورليانز، لكنها لم تكمل مشاركتها بسبب إشتداد مرض السرطان عليها. كانت مهتمة جداً بنشر الثقافة الصحية بين العرب الأميركيين بحسب بول كليمان وهو أحد زملائها في الدراسة. أما كيني فيقول بأنه لم يتخيل يوماً ان تدخل شقيقته كاي عالم الصحافة والإعلام، ولم يكن يتخيل أيضاً بأنها ستهب معظم حياتها للعمل في صحيفة العرب الأميركيين، ولكن حبها للناس وشغفها بالثقافات المتعددة وإهتمامها بالقضايا العادلة كانوا دائماً أساس إلتزامها ومثابرتها.
Leave a Reply