بقلم: كمال العبدلي
قدّمتُ فـي الحلقةِ الأولى نموذجَين فـي الكتابة أحدُهما لشاعرٍ يكتب عن معرضٍ تشكيليٍّ للرسم، والثاني لقاصٍّ يُرثي نفسَه، وها أنّي أقدم نموذجاً لحوارٍ مع شاعرٍ يقتحم الكثير من مناطق الجرأةِ والمُغايَرة فـي طرح أفكارِهِ وآرائه:
حوارُ الشاعر خالد مطلك
القاهرة: محمد أبو زيد
يبدو العراقي خالد مطلك شاعراً إشكاليا، خاصة من خلال آرائه فـي التراث العربي والشعر الحديث، وموقفه من الحرب ضد العراق. صدرت له العديد من الاعمال الابداعية فـي الشعر والرواية والمسرحية، منها المجموعة الشعرية «تمثال لجلالة الملك» ورواية «بيضة هولاكو» ومسرحية «جزرة وسطية».
«الشرق الأوسط» التقته اثناء زيارته الخاطفة للقاهرة مقبلاً من الإمارات حيث يقيم، وكان هذا الحوار معه.
* ألاحظ بدايةً أنّ أغلب قصائدك تدور فـي فلك الحروب، هل حياتك هي التي فرضت عليك هذا، ومن ثم ألا تخشى أن تسقطَ فـي فخِّ القصيدة السياسية؟
ـ لم افكر يوماً فـي معنى آخر للقصيدة سوى كونها قصيدة، أمّا أنّها تقرأ من زاوية كونِها يومية أو سياسية أو أي توصيف آخر فلا أدري، الشاعر فـي اعتقادي لا يفهم فـي السياسة، لأنّ السياسة لعبة من يمارسها، وبرأيي، أنّ كتّاب القصائد السياسية محرضون شعبيون يكتبون أشياء جميلة تعطّل الناس عن ممارسة حيواتهم، أنا اقرف من أولئك الذين يجلسون فـي البارات ويردّدون قصائد لشعراء الستينات التي تتحدّى الحكومات، هذه القصائد إفـيونات مخدِّرة، ليست هناك حكومة تسقط بقصيدة، الحكومات تسقط بأميركا، أميركا وحدها.
* لماذا يبدو اهتمامك بالسرد فـي قصائدك طاغياً على كل تقنيات الكتابة الأخرى؟
ـ هذا كلام صحيح، أنا اكتب كلامي، ليس لديَّ وقت لكتابة قصيدة تأمّلية والأصح أنّي لا أعرف كيف تُكتب قصيدة تأملية واحياناً عندما لا أجد مطابقات لغوية سريعة لحالتي النفسية أرسم المعاني، ولقد رسمتُ كثيراً فـي قصائدي.
* هل تعتقد أنّ المحسّنات البلاغية التي كانت تستخدم فـي القصائد الستينية لم تعد تصلح الآن؟
ـ ربما تصلح، وربما لا تصلح، لكنني لستُ ستينيا، ولا أفهم فـي فقه اللغة، وأقرأ الصحفَ اليومية، ومنها أستمدّ عباراتي وليس من كتاب الأغاني للأصفهاني، أو الحيوان للجاحظ، هذه كتب قرأتها عندما كنت ساذجاً وغبيّاً نوعاً ما، لا يستطيع الجرجاني أن يقول لك الشرق الاوسط الكبير، لتمدَّ ذراعيك وتلامس موقعَك الجديد فـي العالم، أنا كائن أخباري بمعنى أنّ لغتي هي أقرب إلى لغة قناة «الجزيرة» منها إلى لغة طرفة بن العبد، وعندما يقول لي الصحافـي جميل عازر إن عشرة أشخاص قتلوا فـي جنوب الفلبين مثلاً، فأنا اتحمّل تلقائياً مسؤولية ثلاثة منهم على الأقل.
* هل طغيان السرد على قصائدك هو الذي حفّزك لأن تكتب روايتك «بيضة هولاكو»؟
ـ كتبتُ رواية ومسرحية وكلتاهما كنتُ اكتبهما كما لو أنني أروي لزوجتي، لكنَّ الخلاصة النهائية للعملين هي التي قررت أدبيتهما، الفكرة، وليست وسائل معالجتها، هي الشعري لا السرد، ثم ألا تتفق معي أنّ الشعر لم يعد كلاماً موزوناً مقفّى كما خدعنا الاجداد؟
* أراك تقطع صلتك بالتراث، وتهاجمه دائماً، هل ترى أنّه قد استنفدَ ما قد يمنحه الينا؟
ـ بعد سقوط أوّل قذيفة مدفعية قريباً منّي عام 1986 قتل التراث أمامي، ورأيته مضرّجاً بدمائه، بلاغة المدفعية والطائرات هي تراثي الذي أستمدّ منه لغتي، التراث بالنسبة لي الآن، وأقصد تراثنا الأدبي، هو عباءة مهترئة تعود لجدّتي الميتة نخجل من ذكراها ولا نرميها فـي القمامة، أعتقد انني لم ابالغ فـي ذلك وإذا كنتُ قد بالغتُ فليكن.
* أرى لديك ولعاً كبيراً بالتشكيل فـي فضاء النص هل ترى أنه أحد متطلبات القصيدة بالنسبة لك؟
ـ قبل أن تظهر الحروف إلى الوجود، كان جدُّنا الإنسان يرسم الأشياء، وعندما تتعطل الكلمات وتخونني، أرسم الأشياء، لماذا لا؟ أرسمها لأنها أشيائي أنا، وليس لديَّ أي تردّد فـي ذلك، عندما أريد أن أقول لك المطر، وأشعر أنّ الكلمة غير مناسبة أرسم لك المطر، وقد تعلمتُ من (سوسير) أنّ العلاقة بين الدال والمدلول اعتباطية، أحياناً يستقرّ الشعر فـي هذه الإعتباطية وأحياناً لا.
* تبدو الفكرة الأساسية فـي روايتك «بيضة هولاكو» هي الحرية، هل هذا انعكاس لوضعك فـي العراق؟
ـ أنا حرّ تحت أي نظام حتى تحت نظام الدكتاتور، كما أنا حرٌّ الآن لم أعش المنفى، لم ينفِني أحد، خرجتُ لأعمل، وأعتقد أنني فكرتُ بصوتٍ عالٍ أيّام الحكم السابق إلى حدّ اتّهامي بالتهوّر والجنون، وقد تساءلت حقاً ماذا سنفعل بدون ديكتاتور؟ الحياة بدونه سخيفة من وجهة نظري على الأقل، نريد ديكتاتوراً نشتمه سرّاً ونعطي لوجوده معنى، أرواحنا لم تتدرّب على الحرب جيداً، نحن أبناء الديكتاتوريات، وفـيما يتعلق بفكرة الحرية داخل الرواية أقول لك بصدق إنني كنت اكتب بحرية، ولا أكتب عنها، أكتب لأمتّع نفسي، الكتابة جميلة وبهجة وأليمة، وما أروع تلك اللحظات التي أكون فـيها داخل زمن الكتابة.
Leave a Reply