بلال شرارة
تحيه وبعد،
إزاء فشل الحركة المكوكية الثانية الجديدة بين عمان وتل أبيب ورام الله لمعاليكم والهادفة الى خفض سقف التوترات فـي فلسطين المحتلة وامتصاص النهوض الجماهيري الفلسطيني والذي كلف حتى الآن نحو مئة شهيد وآلاف الجرحى والمعتقلين (ولا نعرف الكلفة المتنوعة فـي الجانب الاسرائيلي) فقد أدى النهوض الشعبي الفلسطيني الى:
– أولاً: تأكيد الشعب الفلسطيني انه لم يُصبْ بالاحباط.. وفشل النظرية الاسرائيلية فـي وضعه أمام واحدة من خيارات آشعيا الثلاثة: الاستسلام، الانتحار او الفرار، والتأكيد بأن الشعب الفلسطيني ماض فـي قراره ليس على رفض الاجراءات الاسرائيلية بفرض التقسيم المكاني والزماني على المسجد الاقصى المبارك فحسب، وليس مجرد رفض تصعيد المخططات والاطواق الاستيطانية فـي المناطق الفلسطينية والقدس خصوصاً، وليس مجرد رفض جدار الفصل العنصري ومفاعيله، وإنما فـي تأكيد الشعب الفلسطيني على أمانيه الوطنية فـي العودة وتقرير المصير وإقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس.
– ثانياً: فشل إسرائيل وإجراءاتها القمعية فـي كسر حركة الشعب الفلسطيني وصولاً الى اصدار ما سمي «قانون تشديد العقوبات على راشقي الحجارة)»، وهو القانون الذي يناقض الشرعة الدولية لحقوق الطفل.
– ثالثاً: فشل جميع المخططات الخاصة بالشرق الأوسط واعتبار القضية الفلسطينية قضية ثانوية مقابل احتلال المسألة السورية والتطورات العراقية ووضع اليمن وليبيا والجوار الليبي ومصر والسودان وضعاً رئيسياً وإمكان إقصائها واستيعاب أي محاولة لفت نظر (يقوم بها الفلسطينيون بإصدار قرارات لتحسين ظروفهم المعيشية).
– رابعاً: فشل عمليات تحويل الانتباه دولياً عن الوقائع الفلسطينية بسبب السنة الأخيرة لعهد الرئيس أوباما ودخول الولايات المتحدة فـي عملية التنافس الانتخابي، وانشغال «أوروبا العجوز» بالدفاع عن أمنها إزاء تغلغل الإرهاب والتهديدات البحرية النابعة من الجوار الليبي ومن قضية المهجرين والنازحين عبر الحدود والخلايا النائمة والانشغال العربي من المحيط الى الخليج بالحروب الصغيرة (القُطرية) حول إصلاح السلطات أو المنبعثة من مواجهة تحدي الارهاب.
معالي الوزير،
إن اسرائيل تعتقد انه بإمكانها امتصاص حركة الشعب الفلسطيني بإجراءاتها القمعية من جهة والدفع نحو «انهيار السلطة الفلسطينية» من جهة أخرى مما سيؤدي رسمياً الى قيام البديل (اسرائيل) بإعادة احتلال مناطق السلطة الفلسطينية.
أنا أرى أن ما يجري فـي فلسطين ليس مجرد رد فعل على اجراءات «تقسيم الأقصى» رغم أهميته كرمز إسلامي، وليس بسبب تكثيف الاستيطان فـي القدس وحولها والحفريات أسفل المسجد الأقصى وزيادة الوحدات والكتل الاستيطانية وجدار الفصل العنصري ووجود آلاف الشبان فـي المعتقلات. إن ما يجري ليس هبّة ولا انتفاضة انها «قيامة الشعب الفلسطيني» فـي مواجهة شاملة ستتصاعد حتماً لإثبات وجوده رغم آلاف الشهداء والجرحى والمعتقلين.
إني أرجو توجيه عنايتكم الى أن حركة الشعب الفلسطيني الراهنة غير مسيطر عليها رسمياً على المستوى الفلسطيني لا من السلطة ولا من «حماس» ولا من أي فصيل آخر.. إنها قيامة خارج الايقاع الرسمي الفلسطيني ولا تهتم بوصاية المملكة الأردنية الهاشمية على المسجد الأقصى ولا تراعي خواطر الملك والادارة الاردنية.
إن مشروع اسرائيل لتفكيك السلطة الفلسطينية و دفعها للانهيار، والانتصارات الوهمية لحكومة نتنياهو فـي أية عملية للتطبيع مع دول الخليج لن تؤدي الى دفع الشعب الفلسطيني الى الاستسلام بل أن اليأس الفلسطيني من الوقائع المتصلة بانهيار السلطة من جهة (أي الإعلان الرسمي لفشل ثورته التي انطلقت فـي أواسط الستينات من القرن الماضي فـي تحقيق أي هدف سياسي) والتخلي الأميركي عن حل القضية الفلسطينية باعتبارها القضية المركزية فـي الشرق الاوسط بسبب الانشغلات فـي الانتخابات الرئاسية أو ترتيب جدول عمل السياسات الخارجية الاميركية ووضع القضية الفلسطينية أسفل جدول الأعمال وغياب الدور الأوروبي والتفكك العربي كل ذلك برأيي المتواضع لن يدفع الشعب الفلسطيني الى اليأس بل الى المزيد من «الثورة البيضاء» التي كسرت حالة الخوف من الجيش والأمن الاسرائيلي الذي يستدعي الاحتياط وسيستدعي المزيد من الاحتياط والذي يفترض ان الحل هو باحتلال مناطق السلطة واستمرار احتلال غزة من الخارج.
إن الشعب الفلسطيني يا معالي الوزير جون كيري مسلح بالسكاكين والحجارة بعكس إسرائيل الدولة الاقليمية العظمى عسكرياً والتي حصلت مؤخراً على صفقة العصر العسكرية الأميركية خلال زيارة نتياهو لبلدكم العظيم لرشوته واسكات احتجاجاتها مقابل الملف النووي الإيراني وتسليح أدوار إسرائيل القادمة.
إن كل يوم يمرّ يا معالي الوزير ستسمع أكثر -لو ابديت اهتماما بالتطورات فـي فلسطين المحتلة- ستسمع بالمزيد من المواجهات وبسقوط هيبة حكومة نتنياهو ولن ينفع إرهاب الدولة الذي تمثله إسرائيل وخبرتها فـي مجالي الإرهاب والقمع فـي هزيمة الشعب الفلسطيني المصمم على الشهادة وليس الانتحار او الفرار وصولاً الى تحقيق أمانيه الوطنية. لذلك يا معالي الوزير ليس هناك من حل إلا بعدم تصديق التقارير الاسرائيلية، لأن الحقيقة الوحيدة فـي فلسطين هي تأكيد حق الحياة للشعب الفلسطيني.
Leave a Reply