مؤلف هذا الكتاب الصادر حديثاً هو الصحافي الأميركي المعروف روبرت درابر. وكان قد نشر كتاباً عن جورج بوش عام 1998 عندما كان هذا الأخير لا يزال حاكماً لولاية تكساس. وفي الكتاب الجديد هذا نلاحظ أنه يكمل عمله السابق بعد أن أصبح «البطل» رئيساً لجمهورية أميركا طيلة ولايتين متتابعتين. وقد صدر الكتاب في الربع الأخير من الولاية الثانية لبوش الذي سيغادر منصبه حتماً، ولتأليف كتابه فإن الصحافي روبرت درابر قابل الرئيس الأميركي ست مرات بشكل مطول. وهذا يعني أنه مقرب منه أو له حظوة لدى البيت الأبيض. كما وقابل زوجته لورا بوش، وبعض الشخصيات الأخرى كوزير الدفاع السابق: دونالد رامسفيلد. هذا دون أن ننسى نائب الرئيس ديك تشيني وكوندوليزا رايس وبعض الآخرين. وكلهم تحدثوا له عن فضائل الرئيس ومناقبه. يقول المؤلف بما معناه: لقد ولد جورج دبليو بوش عام 1946 واستلم رئاسة أميركا عام 2000: أي وهو في الرابعة والخمسين من عمره. وهو مرتبط بالجناح الأكثر تديناً ومحافظة في الحزب الجمهوري؟ وعلى الرغم من انخفاض شعبيته بسبب حرب العراق الفاشلة إلا أن المشاهدين الأميركيين وضعوه في المرتبة السادسة بعد ابراهام لينكولن ورونالد ريغان وبعض الآخرين. وهو من مؤيدي عقوبة الإعدام كمعظم الأميركيين وذلك على عكس الأوروبيين الذين ألغوا هذه العقوبة في معظمهم. بل ويعتبرونها دلالة على الهمجية والوحشية. هذا وقد كان جورج دبليو بوش أول من فتح الحكومة الأميركية أمام أبناء الأقليات العرقية بمثل هذا الشكل. فكولن باول كان أول شخص أسود (أو إفريقي – أميركي) يستلم منصب وزير الخارجية. ويمكن أن نقول الشيء ذاته عن كوندوليزا رايس. وكذلك عيّن بوش في حكومته أول امرأة آسيوية مولودة في تايوان ومدعوة باسم: ايلين تشاو. هذا بالإضافة إلى بعض الآخرين. وبالتالي فعلى الرغم من نزعته المحافظة إلا أنه منفتح على الآخرين الذين لا ينتمون إلى الأغلبية البروتستانتية البيضاء. وفي عام 2006 صرح بوش بأنه مع تسوية أوضاع المهاجرين السريين في أميركا عن طريق إعطائهم أوراق إقامة شرعية ورسمية. ومعلوم أن عددهم يقدر بأحد عشر مليون شخص. ولكنه في ذات الوقت أمر حرس الحدود بمنع المكسيكيين من زيادة الهجرة الإضافية. فأميركا لم تعد قادرة على استقبال مهاجرين جدد. ثم يردف المؤلف قائلاً: لم يكن بوش شعبياً في حياته مثلما كان عليه عشية 11 سبتمبر. فقد صفّ الشعب الأميركي وراءه بنسبة تسعين بالمئة.وهذا شيء نادر في تاريخ السياسة الأميركية. ولكن هذه الشعبية لم تدم طويلاً. فبعد الانخراط في حرب العراق غير المفهومة أو غير المبررة أخذت شعبيته تتناقص حتى وصلت مؤخراً إلى نسبة مخيفة أو إلى الحضيض. وقد أخذ عليه الخطأ الكبير التالي ألا وهو حلّ الجيش العراقي وقوى الأمن، وذلك لأن معظم هؤلاء التحقوا بالمقاومة ضد المحتل بل وأصبحوا عصبها الأساسي. وبما أنهم عسكريون ومدربون على السلاح بشكل جيد فإنهم استطاعوا أن يلحقوا خسائر كبيرة في الجنود الأميركيين. ولكن يبدو أن قرار الحل لا يعود إليه وإنما إلى المندوب السامي بول بريمر الذي حكم العراق مباشرة بعد الغزو وإسقاط نظام صدام حسين. يضاف إلى ذلك أن قرار غزو العراق اتخذ بإيعاز من المحافظين الجدد الذين سيطروا على السياسة الخارجية الأميركية بعد 11 سبتمبر. ولكن يبدو أن الحزازات الشخصية لعبت دورها في هذا المجال. فالرئيس بوش أراد أن ينتقم لوالده الذي حاول صدام اغتياله أثناء زيارته للكويت وبعد تركه لمنصب الرئاسة. وهذه الإهانة لا ينساها آل بوش عادة لأنهم من تكساس. وهي عرين «الكاوبوي» في أميركا. ولكن على الرغم من اعترافه بارتكاب أخطاء تكتيكية في العراق إلا أنه لم يندم أبداً على غزوه وإسقاط نظام صدام حسين. وقد هاجم أكثر من مرة معارضي الحرب هناك من الأميركان قائلاً لهم: أنتم تريدون السهولة. ولكن الواجب يفرض علينا أن لا نجبن أمام قوى التعصب والإجرام التي تريد أن تخيفنا. ولذا ينبغي أن نصمد على الرغم من كل الخسائر حتى يتحقق النصر.ويرى المؤلف أن بوش رجل واثق من نفسه إلى حد الغرور أحياناً. وهو يمتلك قناعات راسخة لا تتزعزع على عكس الأشخاص القلقين أو المترددين. وأما فيما يخص علاقات بوش بقادة أوروبا فيقول المؤلف ما معناه: لقد تدهورت هذه العلاقات عندما تحدث عن محور الشر وشرع في غزو العراق. وعندئذ هاجم وزير دفاعه رامسفيلد أوروبا العجوز المتمثلة بألمانيا (شرودر) وفرنسا (شيراك) وبلجيكا. وأثنى على أوروبا الجديدة المتمثلة بإيطاليا واسبانيا وانكلترا ودول أوروبا الوسطى والشرقية التي تحررت مؤخراً من نير الشيوعية، وهي عموماً متعاطفة مع الأميركيين. ومعلوم أن كوندوليزا رايس نصحت الرئيس بعد غزو العراق بمعاقبة فرنسا، وتجاهل ألمانيا، والعفو عن روسيا. ولكن الأمور اختلفت الآن. فالرئيس الفرنسي الجديد أصبح من المتحمسين لبوش. وفي ألمانيا تغيرت الصورة بعد سقوط شرودر وحلول انجيلا ميركل محله. وهكذا تشكل ثلاثي أطلسي مؤيد لأميركا هو: ساركوزي-انجيلا ميركل-غوردون براون. ولم تعد أوروبا مضادة للسياسة الأميركية كما كان عليه الحال قبل بضع سنوات. ولكن ما نفع كل ذلك بعد أن أصبح بوش في آخر عهده؟ في الواقع أنه سيترك إرثاً ثقيلاً لمن سيخلفه في الحكم. وهذا الإرث الثقيل هو مشكلة العراق. فمن الواضح أنه سيترك البيت الأبيض العام القادم بدون أي حل لها. فكيف سيحلها الرئيس المقبل؟ وهل سيكون هيلاري كلينتون أم جولياني عمدة نيويورك السابق أثناء ضربة 11 سبتمبر. ولكن هذا الأخير يعتبر يمينياً وقاسياً أكثر من بوش. وبالتالي فالأيام القادمة لا تبشر بالخير. مهما يكن من أمر فإن معظم دول العالم تعيب على الرئيس الأميركي استفراده بالقرار الدولي وعدم اعترافه بالأمم المتحدة أو بالدول الأخرى. فيما أن أميركا هي أقوى دولة في العالم حالياً فإنه يحق لها في نظره أن تحكم العالم حتى بدون استشارته. هذا المنطق أساء كثيراً للسياسة الأميركية التي كانت في السابق أكثر واقعية وتفهماً لوجهات نظر الآخرين. فهل سيدوم ذلك بعد زوال بوش؟ لا أحد يعرف بالضبط، وبما ستتغير الأمور إذا ما انتخبت أميركا رئيساً ديمقراطياً. ثم يتحدث المؤلف عن قناعات بوش الدينية ويقول: لا ريب في أنه من أكثر رؤساء أميركا تديناً. نقول ذلك وبخاصة أن الدين أنقذه من الانحراف والانحلال نظراً لإسرافه في شرب الكحول بل وتعاطي المخدرات سابقاً. ولم يستطع أن ينتصر على نفسه إلا بعد أن اكتشف الدين وتعلق به. وبعدئذ أقلع عن كل هذه العادات السيئة. ولذلك فهو ضد الشذوذ الجنسي مثلاً وضد تشريع زواج المثليين. هذا في حين أن الديمقراطيين أقرب لهذه المواقف من الجمهوريين عموماً. كما أنه ضد الإجهاض ولكنه لم يتراجع عن القرار الذي يسمح به. ولهذا السبب فإن أكثر الناس محافظة وتزمتاً في الحزب الجمهوري غير راضين عنه. فهم لا يعتبرونه محافظاً بما فيه الكفاية. وبالتالي فهو متدين ولكن ليس بشكل أعمى على عكس ما يشاع أحياناً. وفي عام 2005 كان أول رئيس أميركي يحضر جنازة البابا في روما. وقد رافقه في تلك الرحلة كلٌ من والده وبيل كلينتون. ومعلوم أن الرئيس الأميركي يكون بروتستانتياً عادة: أي ينتمي إلى المذهب المعادي لمذهب البابا. ولكن يبدو أن هذه الصراعات المذهبية أصبحت وراء ظهورهم كما يقال.
Leave a Reply