أثاروا الجدل على مر العصور؛ فمنذ أن أتقنوا النقش الهيروغليفي حتى يومنا هذا، تراهم يشاغبون هنا ويحاولون إملاء آرائهم علينا هناك. يطلعون علينا بأجمل الكلم ليرونا أفظع الصور.
هم الكتّاب الذين لديهم الاستعداد لبذل الغالي والنفيس في سبيل كلمة؛ قد يضحون بحياتهم.. بحريتهم في سبيل حق، أو حتى في سبيل فكرة آمنوا بها. وتراهم يعاودون الكرة، مرّة بعد المرة،لا يصيبهم كد أو كلل.
هم من ننحني أمامهم إجلالاً وامتناناً.
ولكنهم (وبكل أسف) أصبحوا اليوم عملة نادرة بعد أن دخل (ومنذ أيام الفراعنة) طابور خامس يحمل القلم ليخطّ به كلام السلاطين وأولياء الامور، وينافق المتنفذين وأصحاب الجلالة والسيادة والفضيلة والسماحة!.
كان ذاك في زمن غابر حين كان للسلطان قوة وبأس؛ ولكننا اليوم ونحن نستقبل عقداً آخر من قرن الحريات الذي أتاح لنا أعلى درجات التعبير؛ نرى السيناريو ذاته يتكرر، وإن كان إتخذ لنفسه أوجهاً وعناوين جديدة.
هذا ما يحصل في عالمنا العربي حيث اضطر الكثير من المفكرين والأدباء وأهل المعرفة لتبديل جلودهم، والصعود إلى العربة، وبالتالي التحول من كتّاب إلى مجرد كتبة، وذلك حفاظاً على لقمة عيش، أو لفت انتباه، أو استجداء اعتراف…
ولكن ما لنا نحن أهل المهجر الذين ننعم بالكثير من الحرية والأمان والفرص الحقيقية من كل هذه الهواجس.
لماذا يصرّ الكثير من كتابنا على التحول إلى ذلك الصنف المقيت من أصحاب القلم، فيذهبون بأنفسهم إلى أندية الموائد، ومنابر الكلام المعسول.. الذي لا يفضي إلى شيء؟ لماذا كل هذا الإصرار للتحول الى كتبة يحتضنهم ذو السلطان فلان أو صاحب المال علان؟ لماذا كل هذا الإصرار للرجوع إلى من يحتمون به أو يلجأون للإستظلال بظله أو حتى إلى من يسدد لهم الخطى؟ والجواب ببساطة.. لأنه ليس لديهم على الأرجح ما يقوله، أو يكتبونه.. سوى إثارة الشفقة وجلب التعاطف.. المجاني!
لماذا لم يتعلموا من تجارب من سبقهم؟ أهي عقدة النقص التي نحملها في داخلنا وخصوصاً بعد عام الأحزان الذي ولى آخذاً معه كتاباً ومفكرين ومبدعين كانوا مراجع لنا، كأركون ونصر حامد ومحمد حسين فضل الله، أم هي النفس البشرية الأمارة بالسوء؟!
لماذا أوجد “مثقفو” المهجر (الديربورني) شتى أنواع المؤسسات “الثقافية” التي ما زالت لا تعمل منذ أكثر من عشرين عاماً؟
أليخترعوا ألقاباً واهية يبيعونها لأول مشترٍ، أم ليأتموا بجبران ونعيمة تباهيا؟
لماذا المطلوب من الكتّاب والمثقفين أن يأووا إلى (من لديه الإستعداد الكامل لمناقشة أفكارهم والإختلاف معها، على شرط أن يحتضن المفيد منها)، والمفيد هنا طبعاً أمر نسبي بحت؛ بدل المضي قدماً في تجاربهم؛ والأنكى، لماذا لم يتركوا “الخبز لخبازه” ويدعوا أهل الكتابة أن يقرروا ما هو الغث وما هو النفيس..؟!
لماذا هناك دوماً إصرار وتخطيط ورغبة في تحويل الكتّاب إلى كتبة والفرسان إلى فريسيين؟
مع العلم ان مشكلة المسيح كانت دوماً مع الفريسيين!!
ثمة من يريد إفساد الجميع!
Leave a Reply