علي منصور
تُحسب للحريري جرأته الكبيرة وكسره للجليد الرئاسي، وهي جرأة غير معهودة عند الطبقة السياسية في لبنان.
أقرّ الرجل بالخسارة وأراد أن يختار شكلها ويحدد ملامحها، فانتقى سليمان فرنجية حليف حزب الله الاستراتيجي والصديق الشخصي لكل من السيد حسن نصرالله والرئيس بشار الأسد وأعلن تأييده لرئاسة الجمهورية.
اصطدم الحريري بالجنرال عون وبالتحالف القوي بينه وبين السيد، لم يتنازل الجنرال وبقي نصرالله على وعده وعهده، ولم يبع حاضنته المسيحية الكبيرة ولعب دور الحكم بين ظهيريه المسيحيين محاولاً أن يمسك العصا من الوسط.
قلبت مبادرة الحريري التحالفات ووصلت تردداتها الى داخل تياره السياسي. انقلب رئيس «حزب القوات» سمير جعجع على الإنقلاب الحريري متوجهاً الى نقيضه السياسي والتاريخي ميشال عون وأيَّد انتخابه رئيسا للجمهورية. فقد الحريري هامش المناورة ودخلت مبادرته في موت سريري تدريجياً.
لم يهضم ولم يبارك حزب الله التحالف المستجد بين التيار البرتقالي والقوات، خاصة أن ذلك لم ينعكس على خطاب جعجع السياسي.
أعاد الحريري الكرَّة وأطلق مبادرته الثانية الأكثر جرأة لانتخاب الجنرال ميشال عون رئيساً للجمهورية، وهي تكاد تكون خطوة -على جرأتها- تهوّرية لافتقادها الغطاء السعودي، بخلاف مبادرته الأولى المرعية سعودياً وفرنسياً.
لكن الحريري هذه المرة اصطدم بجدار عين التينة الذي وجده قد ارتفع عالياً بوجهه. لم ترق للرئيس بري المبادرة فأوفد بالتنسيق مع النائب وليد جنبلاط الوزير وائل أبو فاعور كي يستطلع أهل الحل والعقد في السعودية، فعاد خالي الوفاض معقود اللسان، يحمل اللاموقف السعودي من الأزمة الرئاسية.
فشل مسعى الحليفين اللدودين بري وجنبلاط في إشهار الڤيتو السعودي بوجه الحريري.
يعتبر وليد جنبلاط أن مجيء ميشال عون رئيساً للجمهورية خراباً للبنان وكارثة عليه وهو غير ما يقوله في العلن، وللرئيس نبيه بري خلاف متجذر مع الجنرال ليس على ما مضى، إنما على ما يعتبره بري تهديداً لاتفاق الطائف الذي كان عون من أشد محاربيه، ويبدو أن الرئيس بري متيقن من نيّة الجنرال تعديله سياسياً بعد إخفاقه عسكرياً.
زعيم المردة وعضو تكتل الإصلاح والتغيير سابقا نحا نحو القطيعة مع الجنرال وتبنى أقصى ما يمكن اعتباره موقفاً معادياً لانتخاب عون من خلال «تغريدة» على«تويتر» تذكر بسيناريو عام ١٩٨٨ (عندما عيّن أمين الجميل في آخر ساعة من ولايته العماد ميشال عون رئيسا لحكومة عسكرية ولكنه ما لبث أن أنقلب على الجميّل وسمير جعجع فيما بعد حسب ما قصده فرنجية) لم تزل تردداتها حاضرة في ذهن كل من عون والحريري. لكن الجوهر يبقى موقف الرئيس بري الذي هو الأساس والمحدّد لموقف جنبلاط، على اعتبار أن لفرنجية خصوصية وحساسية عالية من انتخاب عون.
ربما هي أحجية يصعب أو يستحيل حلها، الحريري يقول إنه أقر بالخسارة وعلى طريقتكم هذه المرة: ميشال عون عنوان هزيمة مشروع ١٤ آذار.. وعنوان انتصار ٨ آذار ومرشح حزب الله وحليفه الوثيق أقبل به رئيسا للجمهورية، وحزب الله شجعه على اتخاذ هذه الخطوة ووعده بالمساعدة والوقوف الى جانبه، فيأتيه الجواب من ٨ آذار باستثناء الحزب بالرفض القاطع!
ولكن، ما الذي يدفع الحريري الى خوض غمار مغامرة سياسية محفوفة بالمخاطر الداخلية والإقليمية وغير مُنسّقة مع الأقطاب الأساسية في البلد؟ وهي لو حازت على صوت الرئيس بري لكانت سلكت بسهولة طريقها من ساحة النجمة الى قصر بعبدا المهجور.
الجواب يكمن في السعودية وما تنتظره من تغيرات، فالملك سلمان يعمل على تولية ابنه محمد مقاليد الحكم في المملكة من خلال التنحي وتنصيبه ملكاً على العرش السعودي قطعا للطريق على محمد بن نايف بحال مات الملك سلمان. ووفق مؤشرات الحريري فإن وصول ابن سلمان الى الحكم يعني سياسة مختلفة عن سياسة أسلافه، إضافة الى كونه متهوراً لا يُؤْمن جانبه. وإذا مات سلمان ووصل بن نايف الى الحكم فالوضع سيكون أسوأ على الحريري.
من هنا انطلق الرجل لتسوية وضعه الداخلي بالعودة الى جنة السلطة ليفرض نفسه على السعودية كرئيس للحكومة ومرجعية سنية لا بدّ لأي حاكم سعودي التعامل معها كمعبر للنفوذ وأداة تنفيذية للمصالح السعودية في لبنان.
الاخطر في الموضوع هو التحرك العوني الشعبي المُزمع في حال فشل انتخاب عون رئيسا، ومن الواضح أن هذا التحرك سيكون موجهاً ضد الرئيس بري وأنصاره فهل سيحتمل الرئيس بري الظهور بمظهر المعطل للإنتخابات الرئاسية والوقوف بوجه الأكثرية المسيحية، وهو الذي واظب على دعوة المسيحيين للاتفاق على مرشح للسير به؟ الكرة اليوم في ملعب الرئيس بري بانتظار المساعدة التي وعد بها حزب الله الحريري وهي المهمة الصعبة وشبه المستحيلة في إقناع حليفه الوثيق بالسير بقطار التسوية الرئاسية والحكومية.
Leave a Reply