سامر حجازي وطارق عبدالواحد – «صدى الوطن»
دفع فواتير المطاعم والمقاهي عند العرب له طقوس خاصة بات يألفها الجميع فـي مترو ديترويت، وهي تتصل مباشرة بكرم الضيافة ويتخللها فـي كثير من الأحيان تسابق الزبائن على دفع الفاتورة كاملة وسط إصرار لا يخلو من الصياح وحلف الأيمان وخطف الفاتورة من أيدي النادل وبعضهم البعض. هذه العادة معروفة ومألوفة لدى العرب، وما كانت هذه المسألة لتثار أصلا أو أن تكون موضوع تقرير صحفـي لولا الواقع الذي يفرض المقارنة بين عادات الزبائن العرب والزبائن الأميركيين المعروفـين باقتسامهم الفاتورة فـيما بينهم حتى آخر سنت.
على مستوى آخر، باتت هذه العادة تسبب شيئا من الحرج للبعض، خاصة ممن ولدوا أو عاشوا زمناً طويلاً على الأراضي الأميركية، فباتوا يفضلون «الطريقة الأميركية» فـي دفع الفاتورة باعتبار «الطريقة العربية» تقليدا لا ضرورة له، أو لتجنب إحراج بعض العاملين الأميركيين فـي المطاعم والمقاهي الذين لا يخفون استغرابهم ودهشتهم من «الانتحار المالي» الذي يتسابق إليه العرب.
وتقول النادلة جيسيكا لووني التي تعمل كنادلة فـي مطعم «لابيتا» فـي مدينة ديربورن: عندما تصدر الفاتورة تبدأ الضجة وفـي الحال سيقوم أحدهم باختطافها من يدي، وسوف يتسابق الزبائن على اختطافها من أيدي بعضهم البعض، وبما أن الأمر أصبح مألوفاً ومتوقعاً تعلق على ذلك بالقول بينها وبين نفسها: لقد حان وقت الحفلة!
ومع أنها تعمل فـي المطعم نفسه منذ ثماني سنوات إلا أنها تجد نفسها فـي أوقات كثيرة فـي حرج كبير نتيجة إصرار أحد الزبائن على دفع فاتورة الطاولة المليئة بالزبائن.
ولا ينتهي الحرج عند هذه الدرجة، فهي كثيراً ما تقف محتارة ومربكة لا تعرف بماذا تتصرف حين يقوم جميع الزبائن بتقديم بطاقاتهم الائتمانية (كرديت كارد) لها دفعة واحدة، وفـي هذه الحالة «أقوم بأخذ بطاقة من أحدهم وأسرع نحو الصندوق لاقتطاع المبلغ، ولكن المشكلة تتعقد حين يأتي شخص آخر ويصر على دفع الفاتورة من بطاقته صارخا: لا..لا.. استخدمي بطاقتي»!
«مهرجان دفع الفاتورة» هذا، استقدمه العرب من عادات أبناء أوطانهم فـي العالم العربي، وكونه غير مألوف فـي الولايات المتحدة فإن معظم الأميركيين ينظرون إليه «بغرابة»، وما يحدث على طاولة يتجمع حولها زبائن عرب لا يمكن أن يحدث على طاولة يتحلق حولها زبائن أميركيون يقوم كل واحد منهم بدفع ثمن طعامه وشرابه، بدون ضجيج.
إحراج
بدورها، تشعر العراقية الأميركية صابرين النعماني التي تعيش فـي لوس أنجليس بعدم الارتياح عندما تقوم بزيارة أقاربها فـي منطقة مترو ديترويت حيث يصر العرب على دفع فاتورتها، وتقول: بكل أمانة أشعر بالتوتر.. لأن من عادة الناس أن يقوموا بدفع الفاتورة كاملة.. لا بل يتعاركون من أجل القيام بذلك. ومع أن ذلك شيء لطيف ولكنني أشعر بالأسف والإحراج لأجلهم.. هذه التصرفات توترني وأشعر أنها نوع من المباهاة و«التعليم» على الأصدقاء.. أن يشترك الجميع بدفع الفاتورة هو أمر أكثر سهولة».
وتضيف: «هذا الأمر يحرجني لأنني فـي كثير من الأحيان لا أستطيع أن أقوم برد الجميل فظروفـي المالية لا تسمح لي بذلك». ولذلك فهي تفضل -فـي سياق نشاطاتها الاجتماعية- أي شيء آخر على الذهاب إلى المطاعم برفقة الأصدقاء والأقارب الذين يصرون على الدفع بالنيابة عنها، مع العلم أنها فـي المكان الذي ترعرعت فـيه (فـي كاليفورنيا) لا تتردد فـي ارتياد المطاعم والمقاهي برفقة أصدقائها «لأن الفاتورة سيتم اقتسامها حتى آخر قرش».
وتؤكد أنها عندما تخرج برفقة أصدقائها فـي كاليفورنيا فإنهم يقومون بطلب الفواتير منفصلة وكل شخص يدفع فاتورته، ولكن هنا فـي كل مرة أخرج مع أصدقائي فإنني أتجنب الذهاب إلى الحمام لأنني أشعر أن شخصاً سيستغل غيابي ويقوم بدفع الفاتورة.. إنني أخشى على نقودهم».
أجمل تجليات الثقافة العربية
وقد أرجع الكوميدي العربي الفلسطيني عامر زهر كرم الضيافة عند العرب إلى قوة المجتمع العربي، وقال «إن هذه العادة تأتي غالبا من فكرة مفادها أن بيتي هو بيتك، ويطبق الناس هذه الفكرة حتى وإن كانوا خارج منازلهم».
واعتبر زهر أن إصرار العرب «وقتالهم» على دفع الفاتورة هو واحد من أجمل تعبيرات الثقافة العربية التي تمتن أواصر الصداقة بين الناس، «فعندما يدفع أحد الأشخاص كامل الفاتورة، فإن كل شخص آخر سيقرر أنه هو الذي سيدفع فـي المرة القادمة.. وهذا يعني أن الأصدقاء سيجتمعون ثانية».
وعزا عدم شيوع هذه العادة لدى الشريحة العظمى من الأميركيين إلى أن «مفهوم المال يختلف عندهم عن مفهومه لدى الإثنيات الأخرى». وقال «إن التيار العام فـي الثقافة الأميركية يبجل المال وامتلاكه ونحن (العرب) نقدر هذه الأشياء ولكن بطريقة مجتمعية.. لقد عرفت أميركيين بيضاً كانوا يتواعدون على العشاء لمدة عامين وكانوا يقتسمون الفاتورة، وهذا الشيء ليس بالضرورة أمراً جيداً أو سيئاً.. إنه فقط شيء يختلف عن عاداتنا».
تجدر الإشارة إلى أن أفراد المجموعات الإثنية التي تعيش فـي الولايات المتحدة تمارس كرم الضيافة وآدابها بين بعضهم البعض، ويقول زهر إن الحس المجتمعي يطغى دائماً ولذلك فعندما يحقق بعض الأفراد إنجازات كبيرة يتم التعامل معها وكأنها إنجازات لكامل الجماعة وكل المجتمع سوف يحتفل بها وكأنها إنجازاته، فمثلاً عندما يفوز ممثل مسلم أو عربي بجائزة ما فجميعنا نشعر بالسعادة وكأننا نحن من ربحناها.
ويضيف «كرم الضيافة فـي المجتمعات العربية قد تكون له مساوئه، خاصة عندما يتقاعس الآخرون عن المبادرة والتصرف بالمثل»، ويقول «لقد حصل هذا الأمر معي سابقاً، عندما كنت برفقة بعض الأصدقاء البيض، وعندما كان النادل يأتي بالفاتورة كنت أتوقع أن تحصل معركة صغيرة حول دفع الحساب.. وفـي اللحظة التي كنت أقول فـيها أنا سأدفع كامل الفاتورة كان الجميع يكتفون بالموافقة ويقولون: أوكي، ولم يحدث أي عراك من أجل دفع الفاتورة».
Leave a Reply