-1-
السؤال القديم الجديد: ما الذي يمثّله دور رجل الدين في حياة المؤمنين؟
هذا السؤال مشروع في المستوى الثقافي، ولكنه في المستوى الاجتماعي، بمثابة “حقل ألغام”.. بل يكاد يكون “محظوراً” عند شريحة كبيرة من الناس، رغم أن الواقع يقول.. إن الناس يتداولون هذا الموضوع بطريقة “أسرارية” لا تخلو من النقد القاسي، بل تصل أحياناً إلى حد التندر!..
ليس من الذكاء، ولا من الحكمة، أن تتم مناقشة هذا الموضوع بصورة علنية، بسبب “الحساسيات” التي تنطوي عليها الأديان والعقائد، فعلى الرغم من كل شيء، يلعب الدين دوراً حاسماً وفاقعاً في حياة الناس وأحوالهم ونشاطهم وتوجهاتهم..إلخ.
ويحدث كثيراً أن البعض من الناس غالباً ما يحاكمون “الدين” من خلال “رجال الدين”، وقد يكون ذلك غير صحيح، لكن الصحيح أيضاً أنه في كثير من الأحيان يوجد تناقض واضح، وفاضح، بين “الدين” وبين من يمثلونه. ألا يحدث أن بعض رجال الدين يطلبون من الناس التخلي عن أعمال.. هم أنفسهم يقترفونها، ويرشدون الناس إلى أعمال خير.. هم أنفسهم لا يقومون بها. قال الشاعر:
لا تنهَ عن خلق وتأتي مثله
عارٌ عليك إذا فعلت عظيمُ
-2-
جاء أحد مواطني ديربورن، والدمعة في عينه محروقة. لم يعرف كيف يبدأ الموضوع. صهره الشاب (43 عاما) يرقد في أحد المشافي بسبب مرض خبيث. وقال (ق.ص): في المشافي، آيام الآحاد، نرى رجال الدين المسيحيين يمرون على المرضى، يخففون آلامهم بقراءة آيات مقدسة، ويمسحون على رؤوسهم، ويرفعون معنوياتهم. وتساءل: لماذا لا يفعل “مشايخنا” ذلك؟ نحن نؤمن أن في القرآن الكريم وكلام الله، وفي الأدعية شفاء للناس.
الرجل على حق، فالقوة الروحية عند المريض تساعد إلى حد كبير في الشفاء من بعض الأمراض المستعصية، كالسرطان مثلا.. وقد ثبت الدليل العلمي على ذلك. أما حقيقة “القرآن الكريم” بكون آياته فيها شفاء للناس.. فلا حاجة إلى دليل علمي عليها. يكفي الدليل القرآني نفسه، فالأدلة القرآنية عندنا تنسف الأدلة العلمية.. أصلاً.
اتصل الرجل بأحد المراكز الإسلامية في الساعة التاسعة والنصف صباحاً سائلاً عن الشيخ، فأجابته السكرتيرة: الشيخ ليس موجوداً، ولا تتصل قبل الساعة 21 ظهراً، لأن الشيخ يكون نائماً!
نائم! وكما هو متوقع فالرجل الذي زار الجريدة من أصحاب الظن السيء، وليس شخصاً حسن الظن مثلي. قلت له: الشيخ متعب ولا شك بسبب قيام الليل، فهؤلاء الشيوخ لا ينامون في الليل إلا قليلا..
اتصل (ق.ص) بالشيخ في الساعة الثانية عشرة إلا ربعاً، وسأله أن يذهب معه إلى المشفى، لأن الشاب في حالة.. تبكّي الحجر. وعده فضيلة الشيخ (ووعد الحر ليس ديناً كما كان شائعاً في العصور قبل الراسمالية) بأنه سيذهب معه بعد الصلاة. لم يتصل الشيخ.. والسبب أن صلاة الظهر طالت، وما تزال مستمرة حتى الآن..
ويتساءل الرجل: المراكز والجمعيات الإسلامية عندنا في ديربورن أكثر من الهم على القلب.. تسأل عن شيخ فيقولون لك إنه ذهب إلى “الفيكيشن” أو أنه في اجتماع، أو أنه يحضر مؤتمر.. ألخ.
قلت له: الشيخ مثل بقية خلق الله، عنده حياته الخاصة، وهو أيضاً بحاجة إلى عطلة.. ما المانع في ذلك؟ ردّ الرجل: أنا أفهم أن “إمام المسجد” يجب أن يكون موجوداً في المسجد، وإذا غادر لسبب ما فعليه أن يكلف أحداً ينوب عنه. أنا لا أطلب الكثير، لكن صدقني .. كل المراكز والجمعيات الإسلامية.. البيزنس فيها أكثر من الدين!
قلت له: أنا أفهمك! ولكن هذه المراكز والجمعيات.. ليست مدعومة من الحكومات أو المؤسسات الأخرى، وهي بحاجة إلى تبرعات الناس.. وهذا أمر طبيعي.
رد الرجل: صحيح.. أنا وعائلتي تبرعنا بما يكفي في سبيل هذه المراكز الدينية، ولا ننتظر شكراً من أحد، ودعني أقول لك: إن كل أبناء الجالية لا يقصرون في هذا المجال.. وإلا من أين تصرف كل هذه المراكز؟! إنها تصرف من تبرعات الناس، ورغم الظروف الاقتصادية الصعبة.. فإن هذه المراكز ما زالت قائمة وتشغل العشرات، وأنا -وغيري من الناس- لا نطلب الكثير. وإلا ماذا يعني أن يموت أحدهم، قيتصل أهله بشيخ ما، فيتشرطون عليه إقامة مجلس العزاء في مركزهم، وبعدها عليه أن يدفع للمركز “شو بيطلع من خاطره” ولكن أصحاب المراكز لا يرضون إلا بما “يرضي خواطرهم”. بعض الناس فقراء ويستدينون لإقامة مجالس عزاء لموتاهم. هل الله.. يقبل بالمتاجرة بالموت؟
-3-
لم أعرف بماذا أرد على الرجل الملتاع. سألت الله أن يشفي مريضه وجميع المرضى في العالم. وتذكرت قول أحد شعراء العصر الإسلامي الأول:
ألا ليت اللحى كانت حشيشاً
فترعاها خيول المسلمينا
بعد ذلك الشاعر، لم يأتِ شاعر آخر يتمتع بالجرأة ذاتها ليهجو العمائم والعباءات والخواتم الزرقاء..إلخ!
-4-
الرجل الذي جاء إلى الجريدة.. هو شخص مكسور الخاطر، وكسر الخواطر ليس من طبائع الإنسان النبيل، أو المتدين. وهذا يعكس بـ “مرآة ذات أبعاد حقيقة” بعض رجال الدين، وإذا حدثت بعض الاصطدامات والحوادث، فالسبب ليس المرآة بالطبع، بل بسبب السائق.
Leave a Reply