ضربة امنية جديدة تلقتها تل أبيب بعد ٧ ايار ٢٠٠٨.. وانتصار تموز ٢٠٠٦بعد أحداث ٧ أيار من العام الماضي، التي تمكنت فيها المعارضة الوطنية من أن تكون شريكة في حكومة الوحدة الوطنية، اعلن العدو الاسرائيلي على لسان مسؤوليه، أن ما تمّ بناؤه في ثلاث سنوات انهار في ثلاث ساعات، بعد سيطرة المعارضة على بيروت والحاق هزيمة بقوى “١٤ آذار”، دفعت قياداتها وعلى رأسها النائب وليد جنبلاط إلى إعلان الاستسلام والطلب الى اعضاء حزبه التقدمي الاشتراكي بتسليم السلاح والمكاتب الى الجيش اللبناني واحزاب المعارضة، ومثله فعل “تيار المستقبل” في العاصمة وبعض المناطق.فما كشفه قادة العدو الاسرائيلي مما حلّ بحلفاء اميركا في لبنان، وامساك المعارضة بالحكومة، فإن اكتشاف شبكات التجسس والتخريب الاسرائيلية في لبنان، كان ضربة مكملة لما حدث في ٧ ايار عام ٢٠٠٨، وهي استكمال للانتصار الذي احرزته المقاومة على العدو الاسرائيلي اثناء حربه على لبنان صيف ٢٠٠٦ والتي دامت ٣٣ يوماً، تكبّد فيها خسائر مادية وبشرية ومعنوية.فخلال ثلاث سنوات تمكنت الأجهزة الامنية اللبنانية من مخابرات الجيش ومؤخراً فرع المعلومات التابع لقوى الامن الداخلي او بالتعاون والتنسيق مع “حزب الله” واحزاب في المعارضة، من القاء القبض على خمس شبكات متعاملة مع العدو الاسرائيلي، الذي وجهت اليه ضربة موجعة، حيث ذكرت صحيفة “هارتس” الصهيونية، ان “كشف الشبكات لا يبشر بالخير”، وقال محرر الشؤون الاستخباراتية فيها يوسي ميلمان ان الهدف الرئيسي للاستخبارات الاسرائيلية هو “حزب الله”، حيث تمّ التركيز عليه منذ مطلع التسعينات، وقد تمكن “الموساد” الاسرائيلي من الوصول الى قيادات فيه عبر تفجير سياراتهم، فتمّ اغتيال كل من: علي صالح وغالب عوالي في الضاحية الجنوبية معقل “حزب الله”، ونجل أحمد جبريل الامين العام للجبهة الشعبية-القيادة العامة جهاد في بيروت، وشقيق الشهيد عماد مغنية منتصف التسعينات، وزرع عبوة على جسر الزهراني في العام ٢٠٠٥، تمّ اكتشافها وتعطيلها، وهي على الطريق التي يسلكها الرئيس نبيه بري الى المصيلح، وكانت عبوة ناسفة انفجرت على جسر الناعمة في ٢٢ آب ١٩٩٩، اضافة الى مقتل الاخوين نضال ومحمود المجذوب في صيدا في ٢٧ ايار ٢٠٠٦.فمسلسل الاغتيالات والتفجيرات التي قامت بها الشبكات الاسرائيلية طويل، وكان يتركز على قيادات المقاومة، حيث نجحت اسرائيل في اغتيال العديد من قادة المقاومة الفلسطينية في لبنان منذ نهاية الستينات وحتى خروج منظمة التحرير الفلسطينية بعد الغزو الصهيوني في العام ١٩٨٢، وكان الاستهداف الكبير لثلاثة من قادة المقاومة هم: كمال ناصر، كمال عدوان وأبو يوسف النجار في فردان في نيسان ١٩٧٣، ثم ابو حسن سلامة في العام ١٩٨٠، الى آخرين من المسؤولين الفلسطينين.ومنذ ظهور “المقاومة الاسلامية” والتي اكدت حضورها العسكري في مواجهة الاحتلال الاسرائيلي بدأت الاستخبارات الاسرائيلية تركز جهدها على “حزب الله”، فاغتالت امينه العام السيّد عباس الموسوي في العام ١٩٩٢ قرب النبطية بصواريخ من مروحية تعقبته بعد انتهاء حفل تأبين للشيخ راغب حرب، ثم تتالت عمليات الاغتيال، وقد نجح “حزب الله” في اتخاذ الاجراءات الوقائية واقامة “حزام امني” حول قياداته وكوادره، وبدأ بزرع رجاله لرصد ومراقبة المتعاملين مع العدو الاسرائيلي، الذي كان يحتل اجزاء واسعة من الجنوب، حيث نجحت عملية استخبارية في استدراج العميل احمد الحلاق من “الشريط الحدودي” في العام ١٩٩٥ الى خارجه، حيث وقع في يد مخابرات الجيش التي حققت معه وحكم عليه القضاء اللبناني بالاعدام ونفذ به، في جرائم اغتيال وتفجير ومنها شقيق عماد مغنية في محلة صفير في الضاحية الجنوبية.فاعتقال الحلاق ومحاكمته واعدامه، كان ضربة للعدو الاسرائيلي وعملائه، حيث انزلت به المقاومة خسائر بشرية ومادية، وتمكنت من تفكيك ميليشيا انطوان لحد، التي قدم عناصر منها معلومات الى المقاومة، ساعدتها في تنفيذ عملياتها، ونجحت في احداث اختراق امني داخل صفوف الجيش الاسرائيلي وعملائه، مما عجّل في انسحابه في ٢٥ ايار عام ٢٠٠٠، ولكنه ترك وراءه شبكة عملاء نائمة، بعد ان هرب الكثيرون منهم الى اسرائيل مع انسحاب جيشها، وقد كان التعامل المرن مع العملاء، وعدم انزال عقوبات قاسية بحقهم، سبباً لاستمرار الشبكات النائمة في العمل، ومنها من تمّ تجنيده منذ اكثر من ربع قرن، وقد لجات اجهزة الأمن الاسرائيلية من “الموساد” الى “الشاباك” والمخابرات العسكرية، الى تركيز عملها على اشخاص في المقاومة الفلسطينية، او يعملون في اجهزة الأمن اللبنانية، حيث تبيّن ان المعتقلين من الجواسيس، كانوا ينتسبون الى فصائل فلسطينية او قوى الامن الداخلي والامن العام اللبناني.فالشبكة الاخيرة التي تمّ اكتشافها وعلى رأسها عميد متقاعد في الامن العام، تشير الى مدى اختراق الامن الاسرائيلي للأمن اللبناني، بالوصول الى شخص احتل مراكز هامة في جهاز أمني لبناني، له علاقة بمتابعة التجسس وكشف الشبكات الارهابية، واعطاء جوازات سفر، مما يفتح الاسئلة عن وجود اشخاص آخرين في مراكز هامة، تم تجنيدهم كما حصل مع سعد حداد وانطوان لحد واتيان صقر وآخرين ممّن عملوا في الجيش اللبناني والقوى الأمنية اللبنانية، وهذا امر خطير توقف عنده المراقبون، اذ تبيّن ان العميد العميل أديب العلم وزوجته حياة الصالومي، يعملون منذ مطلع الثمانينات مع الاستخبارات الاسرائيلية، وهما من بلدة رميش الحدودية التي كانت من ضمن “الشريط الحدودي”، والمتاخمة للمستوطنات الصهيونية، وقد جنّد العلم ابن شقيقه جوزيف، وهو مؤهل في الأمن العام ويعمل في مركز امن عام الناقورة على الحدود مع فلسطين المحتلة.وقد أظهرت التحقيقات ان الجاسوس اديب العلم وزوجته شاركا في عملية اغتيال الشقيقين مجذوب في صيدا، من خلال عملية تهريب ضابط الموساد الاسرائيلي الذي أشرف على العملية، عبر نقله الى جبيل حيث حضرت فرقة “كوماندوس” اسرائيلية واقتادته، وهي العملية التي قام بها العميل محمود رافع الذي اعتقل في ١٢ حزيران عام ٢٠٠٦، أي بعد حوالي اسبوعين على تنفيذها في منزله في حاصبيا، بعد مراقبة ورصد له ولسيارته “رانج روفر” تحمل الرقم “٣٠٦١٩٥” التي شوهدت مراراً في مكان الجريمة، وقد اعترف امام مخابرات الجيش بالعملية، واصدر القضاء اللبناني قراره الظني بحقه وستبدأ محاكمته، مع شريكه الفار من وجه العدالة حسين خطاب وهو فلسطيني كان يقيم في مخيم عين الحلوة وشقيق الشيخ جمال خطاب احد المسؤولين في منظمة اسلامية اصولية، المتهم أيضاً باغتيال جهاد جبريل والذي أوقف ثم اطلق سراحه، ليقوم فيما بعد بالمشاركة في اغتيال الأخوين مجذوب، حيث يقال انه فرّ الى داخل الكيان الصهيوني.وتمّ تجنيد محمود رافع اثناء عمله في قوى الامن الداخلي برتبة رقيب عام ١٩٩٠ على يد الضابط الاسرائيلي ايوب، الذي عرّفه على ضابط الاستخبارات “آزاك”، وذهب الى فلسطين المحتلة مرات عدة، كما غيره من العملاء، لتدريبهم على اجهزة التنصت والاتصالات، فأقام في فندق الـ”هاغوشريم” في مستوطنة كريات شمونة القريبة من الحدود مع لبنان، وكان يلتقي هناك الضابط الاسرائيلي سامي، وقد زوّده بجهاز راديو مشفر، لإجراء الاتصالات مع المخابرات الاسرائيلية، وبعد تقاعده من قوى الامن الداخلي، قام رافع بالسفر خارج لبنان للقاء ضباطاً اسرائيليين في قبرص وايطاليا ودول اخرى، وادخل في وحدة التنصت الاسرائيلية ٨٢٠٠، وأقام في شاليه في طبرجا بكسروان، كان يلتقي فيها أحياناً ضباطاً اسرائيليين يدخلون الى لبنان بجوازات سفر مزوّرة. وكان اعتقال رافع صيداً ثميناً، اذ كشف عن عدد من العمليات من بينها اغتيالات قادة من “حزب الله” وزرع عبوات، وقد ساعدت الاجهزة المصادرة من منزله في حاصبيا على معرفة التقنيات المتقدمة التي توصلت اليها اجهزة الامن الاسرائيلية.وكما ادى اغتيال الشقيقين مجذوب الى تعقب العميل رافع في حاصبيا، الذي ظهرت عليه مظاهر الثراء، فان اغتيال القائد العسكري لـ”حزب الله” الشهيد عماد مغنية في دمشق، سرّع في البحث عن من كان يرصده ويتعقبه، اذ صودف اغتياله بعد ساعات من مغادرته لبنان، الى سوريا عبر طريق المصنع عند الحدود، وتبين ان علي الجراح الذي يسكن في منزل قرب الامن العام اللبناني، هو من يقوم بمراقبة العابرين الى سوريا، لا سيما الشخصيات اللبنانية والفلسطينية المهمة. والجراح الذي اوقفه “حزب الله” في حزيران عام ٢٠٠٨، ليسلم الى مخابرات الجيش، وتكشف عنه في ٢٥ تشرين اول من العام نفسه، بعد ان اعلنت عائلته عن فقدانه، وقد كشفت التحقيقات معه، انه تم تجنيده في العام ١٩٨٣، بعد الغزو الصهيوني للبنان، اذ وقع الاختيار عليه، لانه كان لصيقاً ويعمل مع منظمات فلسطينية، فبدأ مع فتح ثم “فتح الانتفاضة” والجبهة الشعبية-القيادة العامة، وكان يظهر تعاطفا مع القضية الفلسطينية، وعمل في الجمعية الوطنية للخدمات الطبية والتاهيل المهني في منطقة جلالا في البقاع، والتي لها صلة باحد التنظيمات الفلسطينية، مما ساعده على التنقل بحرية بين لبنان وسوريا، مستخدماً سيارة فلسطينية، وتصريح مرور عسكري وتركزت مهمته على مراقبة ورصد تحركات القيادات الفلسطينية في لبنان وسوريا، في الثمانينات والتسعينات، ثم كلف بمهمة مراقبة قيادات “حزب الله” ومراكزه والتركيز على الشهيد عماد مغنية، فانتقل من منزله في بلدة المرج الى منطقة المصنع، وتزوج من فلسطينية تدعى نعمت عويّد، وشغلها معه، في المراقبة والرصد، ودخل معه في لعبة الاستخبارات شقيقه يوسف، وقد بدأت تظهر عليهما مظاهر الثراء، وكانا يسافران كثيراً الى الخارج للاجتماع مع مسؤولين امنيين اسرائيليين والتزود منهم بالتوجيهات والقيام بدورات تدريبية على تقنيات حديثة، حيث كان الجراح يراقب الحدود من سيارة من نوع “باجيرو” مزودة باجهزة مراقبة متطورة، وقد اعترف في التحقيقات بما كان يقوم به، وقد صودف انه بعد اشهر على اغتيال مغنية في دمشق، اغتيل العقيد في الجيش السوري محمد سليمان في طرطوس، ووجهت اصابع الاتهام الى المخابرات الاسرائيلية، حيث يشغل المغدور موقعا عسكرياً مهماً في الحرس الجمهوري في سوريا، اضافة الى تسلمه ملفات امنية حساسة.ومع اكتشاف حلقات من مسلسل الشبكات، فكان القاء القبض على العلم، مدخلاً الى كشف شبكة جديدة مؤلفة من ثلاثة اشخاص هم: احمد منتش ومحمد عوض وروبير كفوري، وكل من هؤلاء له علاقة قربى وصلات اجتماعية مع مسؤولين سياسيين لبنانيين او فلسطينيين، مما طرح السؤال حول الاختراق الاسرائيلي لاحزاب لبنانية ومنظمات فلسطينية، وهذه الشبكة حديثة العهد، ليست كشبكات رافع والاخوين الجراح والعميد العلم، اذ كل هذه الشبكات مضى عليها عقود، في حين ان شبكة الثلاثي منتش وعوض وكفوري وهم من مناطق وطوائف وجنسيات مختلفة، وتم تجنيد افرادها بعد العدوان الاسرائيلي عام ٢٠٠٦، وكان الرأس المدبر كفوري وهو من بلدة زحلة ويقيم في مرجعيون ومتزوج من بلدة رميش، وقد يكون من العملاء السابقين، وجند معه عوض القريب من عبد الرحمن عوض امير تنظيم “فتح الاسلام” الجديد والموجود في مخيم عين الحلوة والمتوارى عن الانظار من امام الاجهزة الامنية التي توجه له تهم ارتكاب جرائم قتل وتفجير.ومن بين الشبكات او العملاء الذين تم اعتقالهم مروان فقيه صاحب محطة محروقات في زبدين، وتقرب من مسؤولين في “حزب الله”، وجند والدته للالتصاق بالجهاز النسائي للحزب والتعرف على زوجات المسؤولين في المقاومة واستطاع فقيه ان يقدم سيارة لاحد القياديين الامنيين فيها، في الجنوب الذي وثق به، كما قام بوضع محطة المحروقات التابعة له، في تصرف “حزب الله” في حرب تموز ٢٠٠٦، ولم تتعرض للقصف، وقد تم كشفه من خلال عطل لحق بالسيارة المذكورة، ليتبين بعد معاينتها وجود جهاز صغير للمراقبة وضع فيها، وقد بدأ المذكور باستقدام سيارات وعرضها للبيع من عناصر وقيادات المقاومة، حيث تم كشفه عبر الجهاز المزروع في سيارة “رانج روفر” ومن خلال مراقبته ورصده، في الداخل والخارج، حيث تم التقاط صورة له مع احد الضباط الاسرائيليين في قبرص التي كان يقودها دائماً اضافة الى دول اخرى في اوروبا واسرائيل ايضاً.فاكتشاف هذه الشبكات يعتبر نصراً امنياً للبنان، وقد تم التنويه بفرع المعلومات التابع لقوى الامن الداخلي، الذي نجح في تعقب اتصالات العميد المتقاعد العلم، وتمكن من معرفة ارتباطه بالعدو الاسرائيلي، وادى ذلك الى كشف شبكات اخرى، وقد تم تسجيل هذا العمل الامني، في خانة فرع المعلومات التي كانت تحوم الشبهات حول دور معين قيل انه حصل في اثناء العدوان الاسرائيلي، من خلال تركيز نشاطه الامني على المقاومة واحزاب المعارضة.فوحدة العملاء ذات الرقم ٥٠٤ التابعة للعدو الاسرائيلي بدأت تنهار في لبنان، لاسيما بعد العدوان الاسرائيلي، اذ تبين ان العلم مكلف بتصوير الجسور والطرقات الدولية، التي استهدفها الطيران الاسرائيلي، وكذلك اماكن في سوريا التي قصدها العلم وقبله الجراح، وان عملية الاعتقال لافراد الشبكات، التي كانت تعتمد عليها اسرائيل وزودتها بتقنيات عاليه، لجمع المعلومات حول المقاومة ومقراتها وقياداتها، ومراكز الجيش والمرافق العامة، ادت الى توجيه ضربة للاستخبارات الاسرائيلية، سيعطل عمل شبكات اخرى نائمة، وهو لا يبشر بالخير للعدو الاسرائيلي كما يقول قادته.
Leave a Reply