في تموز (يوليو) 2017، نشرت صحيفة «صدى الوطن» تقريراً باللغة الإنكليزية، بعنوان «المجتمع اليمني المحلي يشعر بالتهميش.. بينما اللبنانيون يزدادون زخماً»، لتسليط الضوء على معاناة اليمنيين الأميركيين من التمييز الواقع عليهم من قبل أشقائهم اللبنانيين، إضافة إلى إعراض المنظمات العربية الأميركية عن تمثيلهم بشكل عادل يتناسب مع حضورهم ودورهم المتنامي في منطقة مترو ديترويت.
وبعد أربع سنوات، اختارت «صدى الوطن» ترجمة التقرير إلى اللغة العربية، وإعادة نشره في هذا العدد (الصفحتان 5 و6) منعاً لأي لُبس أو سوء فهم حول فحواه ومضامينه، لاسيما وأن بعض المحرضين انتزعوا عبارة من التقرير آنف الذكر، وتداولوها على مواقع التواصل الاجتماعي، بهدف تعميق الشقاق والحزازات في المجتمع العربي الأميركي، والتأليب على الصحيفة وناشرها الزميل أسامة السبلاني، واتهامنا ظلماً بالتمييز ضد اليمنيين والحطّ من قدرهم والنيل من كرامتهم.
وتقول العبارة المُقتطعة «إن كونك يمنياً في ديربورن يعادل كونك أسود في أميركا»، في إشارة إلى تشبيه معاناة اليمنيين بمعاناة الأميركيين من أصل إفريقي من سياسات التمييز العنصري في الولايات المتحدة على مدى قرون، والتي ماتزال بعض تداعياتها مستمرة حتى اليوم، بأشكال مبطنة ومستترة، ولكنها لا تخفى على أحد.
وقد وردت العبارة آنفة الذكر على لسان أحد اليمنيين الأميركيين الذين قابلتهم «صدى الوطن»، للحديث عن تجربته الحياتية في مدينة ديربورن، والذي أشار إلى أن بعض العاملين في مطعم لبناني بمدينة ديربورن أهملوا وجوده لنحو 45 دقيقة مفضلين خدمة زبائن من أصول عربية أخرى، لا لشيء إلا لأنه يمني.
وصرح الشاب اليمني الأميركي إلى كاتب التقرير الزميل حسن خليفة بأن العرب لا يحبون بعضهم بعضاً، مضيفاً: «الحقيقة أن اللبنانيين لا يحبون اليمنيين، وإذا كنت لا تحبني، فسوف لن أحبك».
وخلال الأيام الماضية، اختار بعض المغرضين تحوير تلك الكلمات، وسلخها من سياقها الذي لا يُشكل على تلميذ في المرحلة الابتدائية، لكي يدسها في سياق مسموم، مطالباً «صدى الوطن» بالاعتذار للجالية اليمنية، ومهدداً بالتظاهر أمام مبنى الصحيفة في ديربورن إذا لم يتم الخضوع لمطالبه.
وبكل أسف، لاقت تلك الدعوات قبولاً مبدئياً لدى شرذمة من الأشخاص الذين لم يتورعوا عن نشر أقذع الشتائم والسُباب التي طالت ناشر الصحيفة وعائلته، ناهيك عن التعريضات الطائفية المقيتة التي كشفت بشكل واضح عن الأسباب الحقيقية لتلك الهجمة المسعورة التي حاولت الحط من «صدى الوطن» ومسيرتها المهنية التي تمتد لنحو أربعة عقود، والتي وضعت مصالح العرب الأميركيين في أميركا الشمالية شعاراً وحيداً لها.
والمفارقة، أن هؤلاء الذين يتظاهرون بحميتهم على الجالية اليمنية، فاتهم أن استياءهم من تشبيه اليمنيين بالأميركيين من أصل إفريقي، يتناقض مع قيمنا العربية ومبادئ ديننا الإسلامي التي تؤكد على أنه لا فضل لعربي على أعجمي، ولا لأبيض على أسود، إلا بالتقوى، ما يعني أننا جميعاً متساوون في كرامتنا الإنسانية، بغض النظر عن أعراقنا وألواننا وخلفياتنا الإثنية.
ولكن هذه التجربة أثبتت بأن البعض مستعد لفعل أي شيء من أجل تحقيق بعض المصالح الشخصية الضيقة، والمجازفة بوحدة الجالية العربية الأميركية التي تتعرض لتحديات متزايدة منذ هجمات الحادي عشر من أيلول (سبتمبر) 2001، الأمر الذي يحتم علينا نبذ خلافاتنا الطائفية والمناطقية وتوحيد جهودنا لتحصيل حقوقنا المدنية والدستورية، وبالشكل الذي يليق بوجودنا ودورنا الثقافي والاقتصادي، إضافة إلى دورنا السياسي الذي يتزايد أهمية يوماً بعد يوم.
لقد آثرنا إعادة نشر التقرير كاملاً، لإعطاء فرصة إضافية لقرائنا الذين نقبل بالاحتكام إلى عقولهم وضمائرهم حول فحوى المقال ومضامينه التي تكشف زيف الادعاءات الظالمة التي يحاول البعض إلصاقها بالصحيفة التي لم تدّخر جهداً، إلا وبذلته للدفاع عن حقوق العرب الأميركيين ومصالحهم في الولايات المتحدة، عبر تسليط الضوء على منجزاتهم الأكاديمية والسياسية والثقافية، وكذلك عبر كشف عوراتهم وأخطائهم لكي يتم تفاديها من منطلق الحرص على كرامة العرب الأميركيين وسمعتهم.
في العام الفائت، وقعت حادثة تمييز في أحد الأعمال اللبنانية ضد الزبائن اليمنيين، وقد آثرنا حينها عدم التطرق لتلك الحادثة تفادياً لإثارة النعرات وتعميق الانقسامات في المجتمع العربي الأميركي، وإننا نتساءل اليوم –بعدما جرى ما جرى في الفترة الأخيرة– ماذا لو أننا نشرنا ما حدث؟ هل كان ذلك سيعني بأننا نؤيد ممارسة التمييز ضد أشقائنا اليمنيين، أم أننا نرفض وندين مثل تلك السلوكيات الذميمة؟ الحقيقة.. هي أن البعض سيبقى على موقفه المناوئ للصحيفة سواء قمنا بتغطية ذلك الخبر، أو آثرنا عدم نشره. والأسباب ليست بخافية على أحد!
إن عقوداً أربعة من مسيرة «صدى الوطن» ودورها في توحيد المجتمع العربي الأميركي وريادتها في الدفاع عن القضايا العربية في الأوطان الأم، لا ينكرها إلا جاهل حاقد، أو كاره متحامل لا يتورع عن صب الزيت على النار من أجل تمزيق صفوفنا وتشتيت جهودنا.. ولهؤلاء نقول: لن نحيد عن البوصلة التي اخترناها منذ بداية المشوار، فعودوا إلى جحوركم وقواقعكم. وكفاكم افتراءً وتهوراً، فمحاولاتكم البائسة والرخيصة لن تزيدنا إلا عزيمة وتصميماً على النهج الذي يليق بتاريخنا وطموحاتنا في بناء مجتمع عربي أميركي مزدهر ومتماسك!
«صدى الوطن»
Leave a Reply