مريم شهاب
من بدائع التطور والتحضر اللذين أنتجا الشعر الحديث والرسم الحديث والغناء المودرن.. وبقية البلاهات والسفاهات، أن أصبحت الموضة عند بعض السيدات العربيات.. اقتناء كلب. وصارت صفحات المجتمع بأغلب الصحف العربية المناضلة فـي سبيل تحرير المرأة العربية وتمكينها، تنشر صور حفلة فخمة أقامتها الست الفاضلة المتطورة وهي تناغي الكلب وتناجيه وتطعمه أشهى الطعام وتسقيه أعذب الشراب. وتقرأ فـي الصحيفة نفسها خبراً يقول أن كلبا آدميا من زعماء المجتمع يذكرك منظره بوجه المرابي الفاسد، قد بنى لكلبه بيتاً صغيراً خاصاً به إلى جانب قصره، وجهزه بأثاث فخم بلغت تكاليفه ملايين الليرات اللبنانية ليكون لائقاً بالزعيم وكلبه.
الإنسان العادي، الغلبان مثلي، يستغرب ويتعجب من هذه العلاقة الودية بين الكلاب وبعض السيدات والسادة فـي هذه الأيام العصيبة التي فلتت فـيها وحوش الفساد وعبّاد المال على الأدميين فـي لبنان وغيره من بلاد الشرق، الذي أصبح كغابة لا يجد معظم البشر فـيها ما يأكلون بعدما ذهب الأكل كله إلى بطون «الذين يتدارسون القضايا فـي عشاء عمل وسمسرة».
بدون شك، من حقّ الكلب أن يتغنّج ويتدلّع ويأكل أفخر الطعام ويشرب الماء المقطّر، وأن يعيش فـي بيت فخم وينام على الحرير. فهو، أي الكلب، على الأقل لا يكذب ولا يسرق ولا يترك الزبالة تملأ عاصمة وطنه ولا يحلل وينظّر ولايسبب الضغط وتصلّب الشرايين، مع العلم أن كل مظاهر الرفاه والتكلف الزائف مخالفة لطبيعة الكلب، والتي لا تتطلب مثل تلك المآكل وتلك المساكن.
بإمكان الكلب أن ينام على الأرض ويظلّ كلباً. أما الإنسان فلا يمكنه أن يعيش بدون مأكل ولا ملبس ولا دواء ولا بيت ويظل إنساناً. وهذا ما هو موجود الآن سواء هنا أو فـي لبنان، الزعيم البطران والكلب الشبعان والإنسان الغلبان الجوعان. ناس يموتون عوزاً وقهراً، وأناس يموتون بطراً وعهراً.
لمثل كل البطرانين هنا أو هناك يقول الله تعالى فـي كتابه الكريم: «وَإِذَا أَرَدْنَا أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا».
لا تنسوا.. السخرية مُرّة أيضاً
أتفق مع محمد الماغوط فـي رأيه بأن الإنسان الواقعي الجاد هو مريض وفـيه خلل». فـي زمن الفجائع العربية والإنتخابات الأميركية والتحليلات السياسية التي تجبرك على شراء أنواع حبوب منع الكآبة، للإستعانة بها لاستيعاب ما يجري حولك.
والإنسان الجدّي يكفـيه قصاصاً أنه أشبه بصنم بشري فـي حياة لا تستحق أن تؤخذ على محمل الجد. وبعض القرّاء يعتبون على كتاباتي بأنها ساخرة وخفـيفة وسخيفة وخالية من الدسم الأدبي والكولسترول الثقافـي. يا سادة.. هذا العتب يليق بالكتاب المبدعين أصحاب الأعمال الأدبية الخالدة، والتي لا علاقة لها بالكتابات السطحية كالتي أكتبها لكم مثلاً!
أنا لا أدعي أنني كاتبة، ولا أطمح أن أكون كذلك، فقط أريد أن تكون كلماتي خفـيفة ومختلفة وساخرة، لقناعتي أن السخرية هي الوجه الآخر للوجع.. لا بل هي ذروته. ربما أنت تشبهني أيها القارئ الكريم. ومثلي، غرس والدك فـي عروقك فـيروس العروبة، وتربيت على همروجة «القومية العربية»، وكنت فـي السابق لا تفارق جهاز الراديو، واليوم أنت مدمن على سماع آخر الأخبار والتحليلات السياسية، وتبكي قهراً لما يحدث فـي بلدان العربان.
أنت هنا فـي «اليونايتد ستايتس أوف أميركا»، والسياسة وحقوق الإنسان وحقك فـي التعبير والدين والجنس، سوف تصبح قريباً مثل الحقوق فـي البلدان العربية، حيث.. لا حقوق ولا بلّوط. سوف يرجع الأسود أسود والأبيض أبيض، ونحن العرب أشبه بالديوك، فرحانين نأكل ونشرب حتى نسمن، بدون أن ندري متى يتم ذبحنا وأكلنا على مائدة الكبار. لهذا كله إعتب على أبيك فـي قبره لأنه لقحك بلقاح العروبة ونقل إليك فـيروس القوميّة، ولن تنقذك من ذلك إلا روح السخرية وخلع قناع الجدّية والتداوي بجلسات «الكي» ضحكاً، وحضور جلسات الهزل والتنكيت والإستعانة بالأفلام الكوميدية، لأنك لست مسؤولا عن كل أعرابي يموت على يد أعرابي آخر. وصدق الأديب برنارد شو حين قال: لا ينقطع المرح من الدنيا لأن الناس يموتون، ولا ينقطع الجد من الدنيا لأنهم يضحكون.
Leave a Reply