شعر: كمال العبدلي
–1–
في حياتِكِ يا أمّي عرفَت العينُ كرنفالَ الورودِ في الحقول
وفي رحيلِكِ عرفَتْ وحشةَ الصمتِ في حِلكةِ الأمكنة كالقبور.
–2–
لحظةَ اختطفتْكِ يدُ المَنون، شعرتُ بأنَّ حبلَ الغسيلِ قد انقطع، فتساقطت ملابسي المُبلَّلَةُ المُعَلَّقةُ به على التراب، كما تساقطتْ طُيورُ أفراحي إذ أصابَ أجنحَتَها الشلل.
–3–
أثناءَ ليلة زفافي، حدّقتُ بالشموعِ المُضاءَةِ حولي للمُناسبة، رأيتُها تَهمي دموعاً لِشُغورِ مكانِكِ يا أمّي بين المُحتفلين، فشاركتُها حرارةَ الدمع، بينا كان المُحتفِلون حولي مُنشغِلينَ بإطلاقِ الزغاريد.
–4–
يوماً ما، عائداً من المدرسة، كنتُ صبيّاً أقطعُ شارعَ المحلّة مشياً، فجأةً هرعَ إليَّ أحدُ أصدقاءِ الطفولة لاهثاً لِيُخبرَني بموتِ أمّي، فانهارَت قوايَ لحظتَها فتهاويتُ مغشِيّاً علَيّ من وقْعِ الخبر، حتّى إذا أفَقتُ أُبلِغتُ بأنّ المُتوفِّيةَ هي أمُّ آخرَ يحملُ نفسَ اسمي.
بعدَ أربعِ سنواتٍ من تلك الحادثة، وجدتُ نفسي هذه المَرّة، ماشِياً وراءَ جنازةِ أمّي مُتعثّرَ الخُطا وأنا زائغُ العينَين، تلفُّني سَورَةٌ من دَوارٍ لم تُغادرْني رغمَ تعاقُبِ عشرات السنين وتقاطر الأحفاد، وإلى اليوم.
–5–
ليسَ أقسى على المرء
مِن أنْ يشعرَ ذو السبعين
باليُتمِ في فَقدِ أمِّهِ
–6–
تبقى الحياةُ تُمارسُ وجودَها
لكنْ يبقى معها حُزنُ فَقدِ الأمّ
متواصلاً معها
حتّى في ارتشافِ الماء بعد العطَش
–7–
ربما لنْ يفترقَ الطريقُ
بين قَبْرِ الأمّ
وبينَ قَبرِ الحنان
–8–
الأمّ هي الدنيا الضاحكة
وبفقدِها تفقدُ الضحكةُ مغزاها
ولو بين أحضان الحبيب
في ليلة العرس
–9–
رفعتُ أثقالاً وصعدتُ جبالاً
مشيتُ على نتوءات الصخر الجارجة
والتقيتُ بأحدّ النظراتِ من عيونِ القتَلَة
كانت عِظامي يتلبّسُها الحديد
غيرَ أنّي لم أجِدني أشدَّ ضَعفاً ساعةَ وصلَني
خبرُ فُقدانِ أمّي
–10–
أمّي الحنونة
لقد توقّفتْ ساعةُ الفرح
من يوم توقّفَ قلبُكِ عن النبض
وإلى اليوم
–11–
كنتُ إذا عثرتُ تصرخين:
باسمِ الرحمن
فهل تسمعين صراخيَ الدائم
من يومِ أُنزِلتِ إلى قعرِ الثرى:
ــ باسمِ الرحمن؟
–12–
أمّي .. «ومَن بالروحِ تفديني؟»
فداكِ عمري لو عُدتِ
حتّى دون أن تفديني
–13–
أمّي .. يا صورةَ الوجود الزاهي
لماذا بَعدَ رحيلِكِ
لمْ أقوَ على التطلّعِ
إلى صورتِكِ البهيّة؟
فهل الحنانُ ينقلبُ رُعباً
بَعدَ صورةِ الفَقْد؟
–14–
إنّني أتأسّى بالذاكرة يا أمّي
حناناً مُتّسعاً لكلِّ مساحاتِ الوجود
لأنّكِ مصدرُ إشعاعِ الحنان
Leave a Reply