مريم شهاب
«ذات ظهيرة من أحد أيام الأشهر، كان الطفل الأبيض منتظراً هنا، عندما جاء والد صديقه الأسود، يبحث عن إبنه ساعة إنتهاء وقت المدرسة. وقف الطفل الأبيض مدهوشاً وهو ينظر إلى الرجل. في صباح اليوم التالي. إنتظر الطفل الأبيض، صديقه. ما إن رآه قادماً، حتى هرع إليه متحمساً ولاهثاً ليسأله: لم تقل لي أن والدك أسود!».
هذا ما رواه الكاتب «أندريه بريك» من جنوب أفريقيا عن بعض ذكرياته التي وردت في كتابه «الحب والنسيان» عن قصة إبن أحد أصدقائه البيض من مدينة «كيب تاون» الذي التحق مؤخراً بدار الحضانة وسرعان ما إرتبط بصداقة مع طفل أسود.
هذه الكلمات أتمنى أن يقرأها أبناء جيراننا في القاطع الشرقي من مدينة ديترويت الكبرى ويتذكروا جيداً أننا جئنا جميعاً من شرق واحد،كنا نعيش فيه متجاورين وبدون كراهية وبدون مرارة في داخلنا، وأن هذا مسيحي وذلك مسلم. كانت رؤيتنا لبعضنا مشروطة بالنية وكانت النوايا صافية والجار قبل الدار.
في السنوات الأخيرة، وقع الشرق الأوسط تحت قبضة رجال وحكام بلا كفاءة كل همهم السلطة وقيادة شعوبهم كالقطعان بالقوة والتهديد ثم تمخضت الثورات العربية عن «داعش» لكي تدمر آخر صورة بهية للشرق الأوسط. جيراننا في القاطع الشرقي، خصوصاً من المسيحيين، الذين انتبهوا الآن إنهم كانوا يعيشون في بيئة واحدة مع المسلمين، ثم أصابتهم - أي المسيحيين - حمى الثرثرة على الإذاعة المحلية، وعلا منسوب التوتر لديهم بأن الدين الإسلامي هو الوقود لهذا الجحيم السياسي والديني الذي يجتاح الشرق.
الذي أسمعه من الجيران في بعض البرامج الإذاعية، طروحات خطيرة ومؤذية للجميع، سواء كنا مسلمين أو مسيحيين. فالتركيز على تعقيدات الماضي ومساوئ الإسلام، حسب إدعائهم، ولو كانت هذه المقولات صحيحة لما كان هناك مسيحيٌ واحدٌ في الشرق. والأخطر من ذلك تركيزهم عبر برامجهم الإذاعية بتوصية الحكومة الأميركية بالحذر الشديد ومراقبة العرب والمسلمين هنا في الولايات المتحدة، وإلحاق هزيمة كاملة بهم في العالم ودفع الأموال الطائلة لقساوسة الفتنة والدجل لإفراغ الدين الإسلامي من روحيته وسموّه وضرب صميم العقيدة الإسلامية والقرآن الكريم والنبوة، وقذفها بكل شتائم القباحة والفجور.
عندما يصاب الإنسان بالحمى تنتابه الهلوسة ويقول كلاماً غير مسؤول. ولا أنكر أن فريقاً من عقر دارنا المسلم يهلوس أيضاً ويغضب لكن إلى متى هذه الدوامة؟؟ لقد هجرنا أوطاننا وبلادنا وتغربنا لنربي أولادنا بعيداً عن صراعات الشرق الملوث بغبار القتل والموت والإنتحار والعدم. «داعش» ظاهرة مرضية مثل كل الظواهر الأخرى التي أفرزها المجتمع العربي. وأذى داعش مس العرب والمسلمين أيضاً. موجع جداً أن تُنسب الهجمة الداعشية وسلوكها الوحشي إلى الحضارة العربية والإسلامية بكل بهائها وتسامحها.
أقول هذه الكلمات ليس من قبيل الوعظ ولا العتب. إنها كلمة سواء لا أكثر. إن التشدد والتعصب يقوده المتعلمون المأجورون أكثر مما يقوده الجهلة. وجهالة العلم أسوأ من جهالة الجهل. وإليكم يا من تدّعون التحضر والتعلم، لطفاً قليلاً من التواضع والسيطرة على النفس الأمارة بالسوء، مقابل الفائض من حب الذات والتلذذ بإيذاء الآخر والثرثرة فوق بحيرات الدم.
Leave a Reply