نبيل هيثم – «صدى الوطن»
مفاجئة أتت زيارة بنيامين نتنياهو إلى موسكو. إذ أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بدا منساقاً بكوابيس باتت تقض مضاجع القيادتين السياسية والعسكرية في الكيان الصهيوني، في خضم التحوّلات التي تشهدها الأزمة السورية من جهة، والتحذيرات اليومية التي باتت تصدر عن الدوائر الاستخباراتية الإسرائيلية، بمختلف أذرعها، منذ الخطاب الأخير للأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصرالله في ذكرى القادة الشهداء.
قاعدة إيرانية
كان نتنياهو صريحاً حين كشف عن سبب الزيارة الموسكوفية، حين قال إن محادثاته مع الرئيس فلاديمير بوتين تطرقت إلى جهود إيران لضمان تواجد دائم في سوريا، وأن ذلك كان من بين الأسباب الرئيسية لذهابه إلى العاصمة الروسية.
وبالرغم من أن القادة الإسرائيليين عموماً، وبنيامين نتنياهو على وجه الخصوص، غالباً ما يتبعون أسلوب التهويل الاستباقي إزاء أي تحوّل جيوسياسي في الشرق الأوسط، إلا أن اللهجة المعتمدة هذه المرّة، وما تكشف عنه التقارير الصحافية والاسختباراتية، تشي بأن ثمة خطراً ما بدأت تستشعره تل أبيب، في خضم التحولات الميدانية والسياسية الجارية في سوريا حالياً مع صمود الدولة وانتصارها بمؤازرة حلفائها.
أبرز تلك المخاطر، بحسب إسرائيل، عودة الحديث عن إمكانية منح سوريا الضوء الأخضر للجمهورية الإسلامية لإقامة قاعدة بحرية قرب اللاذقية.
وبالرغم من أن الحديث عن احتمال إقامة قاعدة بحرية كهذه على الشاطئ الشرقي للبحر المتوسط، وتحديداً في سوريا، كان مطروحاً منذ فترة، لا سيما بعد تأكيد المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية السيد علي خامنئي على ضرورة حضور إيران في المياه الدولية، وكلام رئيس الأركان الإيراني اللواء محمد باقري عن سعي بلاده لإقامة قاعدتين بحريتين في سوريا واليمن، إلا أن التحرّكات الحالية، والتسريبات اليومية، تشي بأن المسألة انتقلت من مجرّد كلام دعائي إلى هدف فعلي.
ولا شك أن إسرائيل تدرك جيداً أن القيادة الإيرانية عازمة فعلاً على المضي في مشروعات من هذا القبيل.
وما لم يقله المسؤولون الإسرائيليون في هذا السياق، قاربه أحد المحللين الإسرائيليين، يوئيل جوزنسكي، بشكل واضح في تقرير مطوّل نشرته مجلة «فورين أفيرز» قبل فترة.
يرصد التقرير دوافع إيران لبناء قواعد بحرية في سوريا واليمن، فاليمن يقع على مضيق باب المندب الاستراتيجي، وهو أحد أكثر الممرات البحرية في العالم من حيث كثافة العبور، وبالتالي فإن وجود قاعدة بحرية إيرانية هناك سيمنح إيران الوصول إلى البحر الأحمر من دون قيد، كما يضعها في موقع أكثر تقدماً لتهديد السعودية.
وعلاوة على ذلك، فإنّ وجود قاعدة لإيران في اليمن سيمكن الجمهورية الاسلامية أيضاً من دعم الحوثيين بشكل أفضل، لاسيما أن الحصار الذي يفرضه التحالف الذي تقوده السعودية في اليمن يمنع إيران من الوصول للشواطئ اليمنية.
وأما في سوريا، فإن وجود قاعدة إيرانية من شأنه أن يمد الذراع البحرية للجمهورية الإسلامية إلى البحر المتوسط، ما يعزز التواجد العسكري الإيراني بالقرب من الشواطئ الأوروبية.
وتلك القاعدة البحرية ستساعد حلفاء طهران في لبنان وفلسطين وسوريا، كما أنها ستمكن إيران من نقل الإمدادات بشكل منتظم إلى «حزب الله» من دون الاعتماد على القوافل البرية والنقل الجوي عبر العراق وتركيا، وستجعل إيران أقل اعتماداً على السودان في نقل السلاح عبرها، وذلك بعدما تقربت الخرطوم بشكل كبير إلى السعودية.
التهديد البحري
وفي الصراع الإقليمي بين إيران من جهة، والسعودية والإمارات على الجهة الأخرى، فإن الرياض وأبوظبي حصلتا على ميزة متمثلة في سيطرتهما على ساحة البحر الأحمر عبر فتح قواعد بحرية في جيبوتي وإريتريا، وبالتالي فإن بناء قاعدة إيرانية في سوريا قد يساعد في معالجة هذا الخلل بالنسبة لطهران.
وما يزيد من مخاوف الإسرائيليين، في هذا السياق، أن صحيفة «نيزافيسيمايا غازيتا» الروسية المحت إلى أن سوريا منحت بالفعل الضوء الأخضر لبناء القاعدة البحرية الإيرانية قرب قاعدة حميميم التي تستخدمها القوات الروسية في عمليات مكافحة الإرهاب ومراقبة الهدنة في سوريا.
هذا الكابوس البحري، يضاف إليه كابوس بحري آخر يقض مضاجع قادة العدو، وبات محط تسريبات الدوائر الاسختباراتية الإسرائيلية في الصحافة العبرية، حول تنامي قدرات «حزب الله». آخر تلك التقارير نشره موقع «والا» الشهر الماضي، وأشار فيه إلى سيناريوهات الحرب المقبلة مع لبنان، ولكن هذه المرّة عبر الجبهة البحرية.
ونقل الموقع عن مصادر عسكرية وأمنية قولها «حزب الله» «دأب على إخفاء قدراته في الساحة البحرية، حيث لا بيانات في وسائل الإعلام ولا في استعراض السلاح الذي حصل عليه منذ حرب لبنان الثانية، فضلاً عن أن وسائله القتالية في الساحة البرية لم تكشف» لكنه قرأ في خطاب أمينه العام في السنوات الماضية وعلى نحو خاص أخيراً ما يدل على أن «حزب الله» «لم يهجر الساحة البحرية، وأنه يستثمر فيها الكثير من الأفكار والموارد».
التهديد البري
ولا يقتصر الهلع الإسرائيلي على التهديدات الآتية من البحر، فجبهة الجولان باتت، منذ فترة وجيزة، مادة دسمة في الصراع الجيوسياسي القائم حالياً، من البوابة السورية، لا سيما أنّ ثمة رسالة ميدانية واضحة بعثت بها إيران في هذا السياق، من خلال اختيار ميليشيا «النجباء» العراقية، العاصمة الإيرانية مكاناً للإعلان عن تشكيل «فيلق لتحرير الجولان السوري»، وذلك «امتثالاً لتكليف شرعي»، وبغرض «مساندة الجيش العربي السوري في تحرير أراضيه المغتصبة ورفع المظلومية عن الشعب السوري»، وكخطوة «اتجاه تحرير المقدسات في فلسطين المحتلة، وإعاقة المشروع الاستكباري في المنطقة»، بحسب البيان التأسيسي.
الجبهة الجولانية كانت مدرجة على جدول أعمال اللقاء بين بوتين ونتنياهو، حسبما كشفت الصحف الروسية ووسائل الاعلام الإسرائيلية، تماماً كما كانت مطروحة خلال اللقاء الأخير الذي جمع رئيس الوزراء الإسرائيلي والرئيس الأميركي دونالد ترامب.
وبحسب القناة العاشرة في التلفزيون فإنّ رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية «أمان» اللواء هرتسي هليفي، الذي رافق نتنياهو إلى موسكو، وعرض أمامَ الروس معلومات تدلل على «تموضع إيران في سوريا»، ورغبتها في إقامة «ميليشيا محلّية» من قبل حركة النجباء، مهمتها تحرير الجولان السوري من المجموعات المسلحة وطردهم من هناك.
ويبدو واضحاً إذاً أن إسرائيل تستنفر جهودها للحد من وطأة هذا الكابوس البري، منطلقة من «ورقة مساومة» تتمثل في الدعم الأميركي المتجدد لها. ولكنها تدرك جيداً، في المقابل، أن تهدئة الوضع في الجولان لا بد أن يمر عبر موسكو، التي لم تعتد على تقديم «شيك على بياض» للإسرائيليين، دونما مقابل، بخلاف ما هي الحال في العلاقة بين إسرائيل والولايات المتحدة.
ولا شك أن الإسرائيليين بدأوا يدركون أن الإيرانيين يرسمون الحقائق على أرض الواقع حتى قبل انتهاء الأزمة السورية، لا سيما أنهم من بين المنتصرين المحتملين في الحرب السورية، إلى جانب روسيا و«حزب الله».
هكذا تجد إسرائيل نفسها أمام أمر واقع جديد، فرضته المقاومة اللبنانية، بداية، عبر تكريسها معادلة الردع في الجنوب اللبناني، ونقلها الصراع، بدعم من الجمهورية الإسلامية، إلى جبهة الجولان، التي تؤكد التقارير الصادرة عن مراكز الدراسات الغربية، منذ فترة، أنها ستكون ميدان المواجهة المقبلة، بين إسرائيل ومحور المقاومة.
Leave a Reply