“صدى الوطن” واكبت رئاسة لبنان لمجلس الأمن من قلب الحدث ومن مكاتب البعثة فـي نيويورك. ورشة عمل لا تهدأ فـي عرين صناعة القرار الدولي.
نيويورك – خاص “صدى الوطن”
كي تعرف كيف يحكم العالم بـ”التراضي” عليك أن تعرف كيف يصاغ القرار الدولي ويفرض وفقا للمشيئة الأميركية في أروقة مجلس الأمن أو ما يسميه أعضاء البعثة اللبنانية الدائمة في الأمم المتحدة “حكومة العالم”. فلعنة “الفيتو” تلاحق كل من تسول له نفسه أن يدعم مشروع قرار أو يتقدم بمسودة مشروع أو حتى ، يطرح أمرا لا يوافق هوى أي من الدول الخمس دائمة العضوية، وبشكل خاص الهوى الأميركي. فتلك هي “العدالة” الدولية التي تمخضت عن موازين القوى الجديدة التي أفرزتها الحرب العالمية الثانية بعد هزيمة المانيا واليابان على يد الحلفاء بقيادة الولايات المتحدة الأميركية. انهزمت ألمانيا ولكنها بعد فترة وجيزة تصدرت الدول الأوروبية اقتصاديا وهي تطالب اليوم بحجز مقعد دائم لها في مجلس الأمن قد تم التمهيد له من خلال مجموعة الـ 5 زائد 1.
وقُصفت اليابان بالقنبلة الذرية وانهزمت شر هزيمة، ولكنها استطاعت في فترة قياسية أن تتصدر دول العالم اقتصاديا وتكنولوجيا وحجزت لنفسها موقعا سياسيا متقدما على الساحة الدولية.
أما العرب فقد لزموا الحياد في الحربين العالميتين الاولى والثانية، ولازالوا مذاك على الحياد حتى في قضاياهم المصيرية، فتصرفت الدول المنتصرة بالارض العربية كما تشاء، ووفقا لمشيئة السيدين البريطاني والفرنسي سايكس وبيكو تم تقاسم الأرض العربية وتم تقطيعها وتقزيمها الى دويلات وامارات لا تحمل شيئا من أمارات الدولة أو علاماتها. ولأن التاريخ لا يتجزأ كان اندلاع الحرب الأهلية اللبنانية نتيجة حتمية لميثاق الـ 43 الذي فرضه المستعمر الفرنسي ونتيجة لزرع الكيان الاسرائيلي في فلسطين المحتلة على جثث واشلاء الشعب الفلسطيني الذي هجر وشرد من أرضه.
وبعد عشرين عاما من انتهاء الحرب الأهلية وبعد أقل من سنتين على انتهاءالأزمة الداخلية التي كادت أن تشعل حربا أهلية جديدة، دخل لبنان مجلس الأمن الدولي كممثل للمجموعة العربية حاجزا لنفسه موقعا سياسيا على الساحة الدولية نظرا لحساسية الدور الذي تلعبه الدول الأعضاء، ونظرا لقيمة ولأهمية “الصوت” داخل المجلس، فكل 7 أصوات من الدول غير الأعضاء الدائمين يمثلون قوة “الفيتو”، بمعنى آخر تستطيع سبع دول في المجلس. اذا تقاطعت مصالحها فيما بينها وتعارضت في نفس الوقت مع الدول الخمس الدائمة العضوية تستطيع أن تستخدم حق النقض (الفيتو) عبر رفع سبع أيدٍ إعتراضية.
ولكن المجلس ليس مجرد رفع أيدٍ وتصويت بـ”مع” أو “ضد” أو حتى امتناع، فوسط كل ذلك التعقيد تستطيع الدولة العضو أن تمارس دورا متقدما ينبع من موقعها الجيوسياسي والاقتصادي والعسكري. كتركيا والبرازيل التي كانت مندوبتها حازمة وقاطعة بوجوب عدم مناقشة اي مشروع في الوقت الحالي يتعلق بفرض عقوبات على ايران خلال الجلسة الطارئة التي دعت لها اميركا بعد توقيع الاتفاق الثلاثي بين ايران وتركيا والبرازيل.
فماذا ينقص لبنان كي يلعب دورا متقدما ومحوريا على الساحة الدولية انطلاقا من موقعه كعضو لمدة سنتين في مجلس الأمن وكرئيس للمجلس لشهر أيار الجاري؟
فالموقع العسكري الذي يحتله لبنان اليوم بمواجهة اسرائيل يجعله في الصدارة خاصة بعد فشل حرب تموز 2006 التي كرست لبنان كقوة يضرب لها ألف حساب في الميزان العسكري الذي يثبت الموقع السياسي ويفرضه بقوة الأمر الواقع.
والكادر البشري هو ما يميز البعثة اللبنانية في نيويورك نشاطا وحيوية وعملا وكدحا منذ ساعات الصباح الأولى وحتى أواخر الليل، فما الذي يحتاجه لبنان حتى يستطيع مندوبه الدائم لدى الأمم المتحدة والرئيس الحالي لمجلس الأمن نواف سلام أن يضرب بمطرقته على طاولة المجلس معلنا افتتاح العهد الجديد للبنان؟
المطلوب تحرير لبنان من الخلافات العربية-العربية واطلاق يده، من غير أ ن يعني ذلك عدم التنسيق والتشاور مع الدول العربية، فهل يعقل أن لبنان كممثل للدول العربية جمعاء أضحى مغلول اليدين لا يستطيع أن يتحرك بمبادرة ما في الشأن الايراني حتى أصبح الدور التركي يفوق دور الدول العربية مجتمعة من نيلها الى فراتها؟
من هنا كان لا بد من الإضاءة على البعثة اللبنانية الدائمة لدى الأمم المتحدة في نيويورك وعلى كادرها البشري كي نجيب على السؤال التالي: ماذا تفعل البعثة اللبنانية في نيويورك؟
ماذا يفعل نواف سلام في الأمم المتحدة ومجلس الأمن؟
منذ اليوم الأول لتسلم لبنان رئاسة المجلس واكبت “صدى الوطن” الحدث من داخل مجلس الأمن ومن داخل مكتب الرئيس الذي عُلّقت فيه صورة رئيس الجمهورية اللبنانية ميشال سليمان ورفع فيه العلم اللبناني الى جانب علم الأمم المتحدة.
مراسم الاستلام والتسليم بين الرئيس السابق اليابان والرئيس الجديد لبنان تتم وفقا لبروتوكول متبع منذ زمن، وهو إقامة حفل إفطار صباحي تقيمه الدولة المتسلمة للرئاسة يحضره جميع أعضاء مجلس الأمن، دون استثناء، وعليه فان “الترويقة الدولية” كانت على الذوق اللبناني مما خف حمله وسهل أكله وقوفا، قبل الانطلاق بمهام رئاسة المجلس.
لم تكن لي معرفة شخصية مسبقة بالسفير نواف سلام، ولكني قبل ذهابي الى نيويورك واظبت على تتبع اخباره وتجميعها من الصحف اللبنانية، لأن ما سأقوم به ليس مجرد مقابلة عابرة لمدة قصيرة ثم أذهب في حال سبيلي، فهناك أسبوع من “الاقامة الجبرية” في أروقة الأمم المتحدة وداخل قاعات مجلس الأمن وفي مكاتب البعثة اللبنانية، فاستعنت بتقنيات البحث المسبق على شبكتي “غوغل” و”يوتيوب” للوقوف على شخصية الرجل ودراستها، محاولا كعادتي، تصيد الهفوات والعثرات، وما اكثرها عند رجال السياسة. فوجدت نفسي أمام مئات التسجيلات لخطابات في الامم المتحدة ومجلس الأمن تعكس الموقف اللبناني، ومعظمها تتعلق بالرد على الادعاءات الاسرائيلية مفندة أكاذيبها وافتراءاتها. إضافة الى بعض النبذات عن حياته ودراسته ومؤلفاته.
حسنا، لم أكن أعلم أن نواف سلام هو سليل العائلة التي لعبت دورا محوريا في تاريخ لبنان، فعمه الرئيس صائب سلام من رجالات الإستقلال وكان رئيساً لأربع حكومات، وجده لأبيه سليم سلام مؤسس “الحركة الاصلاحية في بيروت” والمعين نائبا عن بيروت في المجلس العثماني عام 1912. استوقفني النسب الارستقراطي للسفير سلام وقلت في نفسي علّه يرضى “برئاسة حكومة العالم” ولو لشهر واحد كتعويض عن أمجاد العائلة وعن إرثها السياسي والاجتماعي الذي خلفه الأجداد وضاع جزء كبير منه بسبب الحرب الأهلية وبسبب المال السياسي الذي صنع زعامات جديدة. وبعكس المتوقع كان الاستقبال سهلاً، وكان اللقاء الأول مشجعا ومريحا خصوصا اذا ما اخذنا بعين الاعتبار زحمة الضيوف في حفل الافطار وكثرة الاجتماعات مع بدء ورشة العمل لرئاسة لبنان.
وبعد قدوم اخر الوافدين المندوبة الأميركية سوزان رايس التي مكثت لبعض الوقت، انتقل السفراء الى جلسة مغلقة لإقرار جدول أعمال شهر أيار، ومن ثم عقد السفير سلام اجتماعا لأعضاء البعثة تم خلاله مناقشة أول كلمة سيلقيها الرئيس في أول جلسة لمجلس الأمن. الا أن المهمة الأصعب التي واجهت السفير في أول يوم عمل كان المؤتمر الصحفي الذي عقده وشهد هجوما اعلاميا قويا على لبنان فيما خص ملف العقوبات الايرانية الذي لم يُضمّن جدول الأعمال، فتكونت اولى انطباعاتي عن السفير سلام الذي يخفي وراء ابتسامته الدائمة حنكة ومرونة كانتا كفيلتين بصد الهجوم الاعلامي على أعقابه.
في زاوية يجتمع بعض أعضاء البعثة يقيّمون رد السفير على الصحفيين، وبعد برهة يخرج السفير فيسأل مساعديه، هل كانت إجاباتي موفقة؟ ثم يختفي عن الأنظار حتى موعد بدء جلسة مجلس الأمن الأولى، فيدخل سلام القاعة بمرافقة مساعديه، يتوسط طاولة المجلس التي تأخذ شكل “حدوة حصان” ويجلس على كرسي الرئاسة المُعدّ للبنان ويطرق بمطرقة الرئاسة معلنا افتتاح الجلسة.
ينتهي اليوم الأول بمحصلة ايجابية انعكست على وجوه أعضاء البعثة ارتياحا بعد يوم عمل طويل.
وفي اليوم الثاني يتجمع الأعضاء في مبنى البعثة الذي يقع على مرمى حجر من مقر الأمم المتحدة، ثم ينفذون انتشارا في قاعات الجمعية العمومية ومجلس الأمن، كي يؤمّنوا التمثيل اللبناني في عدة اجتماعات تحصل في نفس الوقت. فمن مناقشة احتياجات القوات المشاركة في حفظ السلام في تشاد الى اجتماع حركة عدم الانحياز وترقب المقاربة الايرانية التي عقدها وزير الخارجية الايرانية منوشهر متكي الى متابعة الجمعية العمومية وما يدور فيها من مناقشة لمعاهدة عدم الانتشار، خاصة بعد الهجوم الذي شنه الرئيس الايراني أحمدي نجاد على الولايات المتحدة من على منصة الجمعية العمومية، وهكذا في كل يوم ومع بداية كل صباح يكرر أعضاء البعثة المشهد الروتيني ذاته الذي لا يكسر رتابته الا اختلاف المواضيع وتعدد القضايا وتبدل القاعات، وحصول المفاجآت كإعادة طرح ملف العقوبات على إيران من خارج جدول الأعمال.
يقول أحد اعضاء البعثة اللبنانية في نيويورك “مجرد دخول لبنان كعضو الى مجلس الأمن هو تحد كبير على المستوى السياسي، وكادت هذه المسالة أن تتحول الى موضوع خلافي كبير آخر في لبنان عندما قال النائب وليد جنبلاط يكفينا ما نحن فيه لا نريد زج لبنان في الخلافات الدولية. كذلك فان التحدي كان ادرايا أيضا بالنسبة للبعثة اللبنانية المكونة اساسا من السفير ومن ثلاثة دبلوماسيين تم تعزيزهم بخمسة دبلوماسيين آخرين التحقوا بالبعثة التي تبقى أصغر بعثة بين الدول الأعضاء”.
ثمانية دبلوماسيين، إذن، يتابعون الملفات في مجلس الأمن ويشاركون في لجان الجمعية العمومية الست، ويؤمنون حضور لبنان في كل الاجتماعات، وهذه مسألة كانت بحاجة الى توزيع دقيق للمهام التي يضطلع بها كل عضو من أعضاء البعثة كما يشرح احدهم ويقول “بأن الفضل يعود للسفير الذي أحسن استغلال الموارد البشرية المحدودة استغلالا أمثل بحيث مهما تضاربت مواعيد الاجتماعات في الجمعية العمومية والمجلس فان الحضور اللبناني مؤمناً”. علما بأن لبنان إضافة الى عضويته في مجلس الأمن فهو عضو في مجموعة الـ 77 ومؤتمر الدول الاسلامية والفرانكوفونية وجامعة الدول العربية.
ووفقا للتراتبية الادارية تأتي بعد السفير كارولين زيادة نائبة السفير ومساعدته التي تتولى قضايا لبنان في مجلس الأمن المتعلقة بالصراع مع اسرائيل ويدخل في نطاق عملها الـ1701 والخروقات الاسرائيلية المتكررة، وكانت زيادة قد ردت الأسبوع الماضي على المندوب الاسرائيلي ودافعت عن “حزب الله” بقولها عن الحزب بأنه فصيل لبناني له نوابه ووزراءه في الحكومة اللبنانية. وتتولى زيادة اضافة الى ذلك ملف اصلاح مجلس الأمن مع العلم بأن مجلس الأمن حتى الآن لا يملك نظاما داخليا دائما بل نظام مؤقت، وتتابع أيضا أعمال المجموعة العربية. في المرتبة الثالثة يأتي ابراهيم عساف المنسق السياسي ويتولى ملف افغانستان وهايتي. وفي المرتبة الرابعة يأتي أسامة خشاب الحائز على تنويه من وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون السياسية على عمله في اللجنة الخامسة (ادارة ومالية) في الجمعية العمومية، وهو اضافة الى عمله في اللجنة الخامسة يتولى في مجلس الأمن ملفات افريقيا الوسطى وشرق افريقيا من السودان (دارفور) الى الكونغو وتشاد وبروندي وجيبوتي والبحيرات العظمى، اضافة الى توليه شؤون المحاسبة في البعثة. وفي المرتبة الخامسة يأتي مجدي رمضان المسؤول عن ملف الشرق الأوسط اضافة الى عمله في اللجنة الرابعة المتعلقة بإنهاء الاستعمار، ويتولى ايضا ملف حركة عدم الانحياز. وفي المرتبة السادسة يأتي توفيق جابر المسؤول عن ملف ساحل العاج وكل قضايا افريقيا الغربية ويعمل في اللجنة الثانية (اقتصادية) في الجمعية العمومية، ويمثل لبنان في مجموعة الـ 77 والصين. وفي المرتبة السابعة يأتي فادي زيادة المسؤول عن أحد أهم الملفات الشائكة في العالم الملف النووي الايراني والملف الكوري وملف النيبال، اضافة الى توليه ملف “معاهدة عدم الانتشار النووي” ويعمل في اللجنة الاولى (نزع السلاح) ويتولى ملف المؤتمر الاسلامي. وفي المرتبة الثامنة تأتي بريجيت طوق المسؤولة عن ملف كوسوفو والبوسنة وملف جورجيا، وتتولى ايضا ملف الترشيحات وتعمل في الجمعية العمومية في اللجنة الثالثة (اجتماعية وحقوق انسان). وفي المرتبة التاسعة يأتي علي قرانوح المسؤول عن ملف الارهاب (القاعدة وطالبان) ويتولى ملف المحاكم وملف الفرانكوفونية ويعمل في اللجنة السادسة القانونية.
بالمحصلة، يرفض سلام ان يعزو الفضل بإنجازات البعثة لنفسه، مع تشديده دوماً وتأكيده على العمل المشترك المضني الذي يقوم به فريق البعثة دون كلل أو ملل.
Leave a Reply