بالإضافة إلى عبقريته السينمائية، يُعرف المخرج فرانسيس فورد كوبولا بمزاجه الناري، ومغامراته الفنية التي أوصلته إلى الإفلاس والعزلة. كما يعرف أيضا باعتداده بنفسه لدرجة وصفه بأنه صاحب “أنا” متضخمة.. تكاد توصل صاحبها إلى جنون العظمة، ما دفع البعض إلى تلقيبه بـ”نيرون الفن السابع” في إشارة إلى الامبراطور الروماني “نيرون” الذي أحرق روما في واحدة من لحظات جنون العظمة.
لكن مسيرة كوبولا التي عرفت ذروة المجد والشهرة، لا تخلو من السقطات والمصاعب والفشل الذريع الذي كاد يطيح بسمعة صاحب “العراب” في الأوساط السينمائية.. الأمر الذي يغري البعض بإصباغ لقب “نابليون السينما” عليه، ومرة أخرى.. في إشارة إلى الامبراطور الفرنسي العظيم الذي انهزم في معركة “واترلو” الشهيرة، من دون أن يعرف الكثيرون أسماء هؤلاء الذين سحقوه. البعض يظل عظيما.. حتى في الهزيمة!
ومن المفارقات، أن كوبولا لاقى معارضة شديدة في بداية مسيرته الفنية من قبل أبيه نيرمين، العازف الشهير في “أوركسترا نيويورك السيمفونية” الذي ظل يردد طوال حياته: “إن العائلة لا تتسع سوى لعبقرية فنية واحدة”. ويبدو واضحا أن كوبولا الابن ورث عن كوبولا الأب.. الاعتداد الكبير بالنفس، لدرجة أن البعض يراه كأحد أعراض جنون العظمة.
ورجل من هذا العيار، يستحق فعلاً ما أطلقته عليه الصحافة اللبنانية، حيث رأى بعضها أن حضور كوبولا إلى “مهرجان بيروت الدولي للسينما” سيحوله إلى حدث وطني واقليمي ودولي.
لكن من غير المنتظر، أن يترك هذا المخرج المغامر الذي لا يكف عن تحدي ديناصورات هوليود، أثراً، أو علامة في الحياة الثقافية اللبنانية، أو العربية عموما.. ذلك أن “الذهنيات” العربية، والفنية تحديدا، تعمل في اتجاه مغاير..
صحيح أن كوبولا تحدى إرادة أبيه ودخل الفن، ولكن ما نشهده اليوم من ظواهر في الحياة الفنية العربية ينبئ بغير ذلك، فأكثر الفنانين العرب، لاسيما النجوم، يورثون أبناءهم هذه المهنة، ويدخلونهم إلى “النعيم” الفني نجوما مطوبين ومكرسين سلفاً بأسماء الآباء..
فأغلب الفنانين المصريين سلموا الراية لأبنائهم الشباب، وأوصلوهم إلى أدوار البطولة، وإلى أضواء البلاتوهات، بقفزة واحدة، والسبب بسيط بالطبع “فالعائلة يمكن أن تتسع لأكثر من موهبة فنية” على خلاف ما كان يعتقد كوبولا الأب..
والفنانون السوريون أيضا لا يختلفون عن أشقائهم المصريين، لتبدأ سلسلة طويلة من التوريث ابتداءً من الممثلين فريد شوقي وعادل إمام ومحمود عبدالعزيز وغيرهم (في مصر) ومرورا بالممثلين رفيق سبيعي وأيمن زيدان وعبدالرحمن آل رشي (في سوريا).. وبالطبع لن تنتهي القائمة بالممثل المصري جمال مبارك، الذي يعد نفسه للعب دور بطولة، قد يستمر لعقود طويلة!
Leave a Reply