أميركا تتحول إلى مركز الوباء
واشنطن – تواصل وتيرة الإصابات والوفيات اليومية بفيروس كورونا المستجد، ارتفاعها في الولايات المتحدة، في وقت حذرت فيه منظمة الصحة العالمية، من أن تفشي فيروس «كوفيد–19» في الولايات المتحدة قد يتجاوز مستوى الانتشار الذي تشهده القارة الأوروبية، لكن ذلك لم يمنع الرئيس الأميركي دونالد ترامب من التفاؤل بعودة الأمور إلى طبيعتها قريباً، معرباً عن أمله في السيطرة على الوباء ورفع القيود المكبِّلة للاقتصاد بحلول 12 نيسان (أبريل) القادم.
ورغم التدابير الصارمة التي فرضت في معظم الولايات الأميركية لمكافحة انتشار الوباء، تجاوز، يوم الخميس الماضي، عدد الإصابات المؤكدة في الولايات المتحدة حاجز 83 ألف حالة، متخطياً عدد الإصابات المسجلة في الصين. فيما ارتفع عدد الوفيات في أميركا إلى أكثر من 1,201، لتحل خلف إيطاليا والصين وإسبانيا وإيران وفرنسا.
وبعدما انطلق الوباء من الصين في كانون الأول (ديسمبر) الماضي، تحولت بؤرة انتشاره في الأسابيع الأخيرة من آسيا إلى أوروبا، ليصل إجمالي عدد الإصابات حول العالم إلى 530 ألف شخص توفي منهم نحو 24 ألفاً.
وأظهرت دراسة جديدة نشرت الخميس أن فيروس «كوفيد–19» يمكن أن يخلف أكثر من 80 ألف وفاة في الولايات المتحدة، ويستنفد طاقة مستشفياتها في مطلع أبريل حتى وإن تم الالتزام بإجراءات عدم الاختلاط الاجتماعي.
وقام خبراء في معهد القياسات الصحية والتقييم في كلية الطب بـ«جامعة واشنطن» بتحليل أحدث بيانات فيروس كورونا المستجد على المستويات المحلية والوطنية والدولية، وتوصلوا إلى أنه بحلول الأسبوع الثاني من أبريل، سيتجاوز الطلب على وحدات العناية المركزة وأجهزة التنفس الاصطناعي، بكثير، الأعداد المتوفرة.
وخلال ذروة الوباء التي توقعوا حلولها في أبريل أيضاً، يمكن أن يموت 2,300 مريض يومياً، وفقاً للنماذج الحاسوبية التي أعدها الباحثون.
وقدر التحليل الافتراضي أن ما يقرب من 81 ألف شخص في الولايات المتحدة سيموتون بسبب الفيروس خلال الأشهر الأربعة المقبلة. وتراوحت التقديرات، وفق السيناريوهات المختلفة، بين 38 ألفاً وأكثر من 160 ألف وفاة. وتوقعت النماذج أن تحتاج 41 ولاية أميركية عدداً أكبر من أسرة العناية المركزة أكثر مما هو متاح حالياً وأن تحتاج 12 ولاية إلى زيادة عدد الأسرة بنسبة 50 بالمئة أو أكثر لتلبية احتياجات المرضى.
ترامب وعيد الفصح
وكان ترامب قد حذر الثلاثاء الماضي من أن الإغلاق العام في الولايات المتحدة والذي بدأ يتسبب بأزمة اقتصادية يمكن أن «يدمر» البلاد.
وقال ترامب في مقابلة لشبكة «فوكس نيوز» «يمكن أن ندمر بلدنا إذا أغلقناه على هذا النحو» موضحاً أنه يريد أن تعود الولايات المتحدة إلى العمل بحلول 12 أبريل القادم الذي يصادف يوم عيد الفصح المجيد.
واعتبر الرئيس الأميركي أن «انكماشاً كبيراً» يمكن أن يفوق في عدد ضحاياه فيروس كورونا المستجد في الولايات المتحدة، مبدياً أمله باستئناف النشاط الاقتصادي سريعاً. وأضاف «يمكن أن نخسر عدداً معيناً من الأشخاص بسبب الإنفلونزا. ولكن قد نخسر عدداً أكبر إذا أغرقنا البلاد في انكماش كبير»، لافتاً إلى إمكان حصول «آلاف عمليات الانتحار».
ونبه ترامب إلى أن الولايات المتحدة تشهد بالمتوسط وفاة 36 ألف شخص سنوياً بالإنفلونزا، و«لكن لم يتم إغلاق البلد قط». وأقرّ الرئيس الأميركي بأن بلاده تواجه مشكلة صحية، «ولكن لن نسمح بتحويلها إلى مشكلة اقتصادية طويلة الأمد».
وأوضح ترامب أن بعض الخبراء يميلون إلى خيار الإغلاق حتى ولو كان ذلك «لبضع سنوات»، وأردف «لا يمكننا فعل ذلك»، موضحاً بأن «البلاد يجب أن تعود إلى العمل. وشعبنا يرغب في العودة للعمل»، معرباً عن ثقته بقدرة الاقتصاد الأميركي على النهوض بسرعة من الأزمة في حال عدم إطالة فترة الإغلاق.
وقال ترامب في مؤتمر صحفي لمجموعة أزمة البيت الأبيض لمكافحة تفشي وباء كورونا المستجد إن «الأمر سيستمر لفترة ولكننا سننتصر، ونحاول أن ننهي هذا بحلول عيد الفصح فهو يوم خاص بالنسبة لكثيرين، وهذا هو الموعد الذي نحدده لأنفسنا، آمل أن يعود الأميركيون للعمل بحلول عيد الفصح».
ويسعى ترامب إلى تعويض خسائر الاقتصاد عبر دفع الكونغرس إلى إقرار حزمة تحفيزية قياسية بأكثر من تريليوني دولار لدعم المواطنين الأميركيين والأعمال التجارية وخطوط الطيران والمصانع، على تحمل الأزمة.
إجراءات الولايات
وفي إطار مكافحة وباء كورونا، فرضت معظم الولايات الأميركية تدابير عزل تتراوح بين «التباعد الاجتماعي» (عدم الاختلاط) والحجر، ما أبطأ عجلة أكبر اقتصاد في العالم وبات يهدده بالانكماش.
وأصدرت العديد من الولايات الأميركية، الأسبوع الماضي، أوامر تنفيذية صارمة بإغلاق كل الأسواق التجارية، باستثناء متاجر البقالة ومحطات الوقود والصيدليات، ومطالبة المواطنين بالبقاء في منازلهم وعدم الخروج إلا للضرورة القصوى.
وحتى الآن، أعلنت الحكومة الفدرالية حالة الطوارئ في عدة ولايات حيث تم وضع قوات الحرس الوطني تحت سيطرة حكامها، وأبرزها ولاية نيويورك الأكثر تضرراً من الوباء، وواشنطن وكاليفورنيا ولويزيانا.
وتنامت سريعاً، خلال الأسبوع الماضي، قائمة الولايات التي أمرت مواطنيها بالبقاء في منازلهم؛ لاحتواء انتشار فيروس كورونا، بانضمام ولايات ميشيغن وأوهايو وإنديانا ومينيسوتا وماساتشوستس وكونتيكيت ولويزيانا وغيرها إلى القائمة التي بدأت بولايات واشنطن ونيويورك ونيوجيرزي وإيلينوي وكاليفورنيا بإصدار أوامر بالإغلاق العام مع استثناء الوظائف الأساسية، ليصبح بذلك، معظم سكان البلاد مطالبين بالبقاء في منازلهم لمنع تفشي الوباء.
وكان لافتاً توجه الحكام الديمقراطيين إلى اتخاذ تدابير أكثر صرامة مقارنة بالحكام الجمهوريين مثل حاكمَي فلوريدا وتكساس اللذين لم يفرضا أوامر تنفيذية واسعة النطاق رغم تسجيل عدد كبير من الإصابات في ولايتيهما.
واكتفى حاكم فلوريدا رون ديسانتيس بإصدار قرارات بإغلاق المقاطعتين الأكثر تأثراً بالوباء، براورد وبالم بيتش. أما حاكم تكساس، غريغ آبوت، فأصدر إرشادات لسكان الولاية بتفادي التجمعات وتناول الطعام في الأماكن العامة، مكتفياً بمنع زيارة مراكز رعاية المسنين وطلب مساعدة وكالة إدارة الطوارئ الفدرالية.
في المقابل، قرر تشارلي بيكر، حاكم ولاية ماساتشوستش الديمقراطي، إغلاق كل شركات الأعمال غير الضرورية، ابتداءً من يوم الثلاثاء الماضي، وذلك بعد تسجيل عشرات الإصابات بالولاية، فيما ذهب حاكم كاليفورنيا، غافين نيوسم، إلى حد تجريم التفاعل الاجتماعي خارج المنازل.
بؤرة نيويورك
ولاية نيويورك تحولت إلى مركز لوباء كورونا في الولايات المتحدة حيث بلغ عدد الإصابات في الولاية حوالي نصف إجمالي عدد الإصابات الوطنية (39 ألف مصاب بحلول 26 مارس).
ويضغط حاكم ولاية نيويورك، آندرو كومو، ورئيس بلدية مدينة نيويورك بيل دي بلاسيو على إدارة ترامب لاستدعاء الجيش الأميركي للمساعدة في مكافحة الفيروس الذي أصاب أكثر من 45 ألف شخص في الولاية بحلول مساء الخميس 26 مارس.
وبحسب كومو، فإن الأرقام التي سجلتها نيويورك تشكل عشرة أضعاف عدد الحالات في ولاية نيوجيرزي، الثانية من حيث الإصابات في الولايات المتحدة.
وحث البيت الأبيض، مساء الثلاثاء المنصرم، أي شخص يغادر نيويورك، على عزل نفسه لمدة 14 يوماً، لوقف تفشي فيروس كورونا.
وفي محاولة منه للضغط على ترامب باستدعاء الجيش لمنع تفشي الوباء في المدينة، قال رئيس بلدية نيويورك، في مقابلة مع قناة «فوكس نيوز»، إن الجيش الأميركي يمثل قوة وحيدة قادرة على احتواء الوباء سريعاً.
وأوضح: «أعتقد أن قواتنا المسلحة لا مثيل لها فيما يخص القدرات على التنظيم والاستنفار والعمل اللوجيستي وتنفيذ عمليات النقل في نطاق البلاد كلها. كما تتمتع القوات المسلحة بإحدى أفضل الكوادر الطبية في الدولة».
وتابع: «يمثل الجيش برأيي قوة وحيدة قادرة على ضمان إمدادات الكوادر الطبية والأدوية والمعدات إلى الأماكن التي تعاني من أكبر حاجة إليها دون أي انقطاع. الحرس الوطني يقوم بعمل ممتاز، لكن في إطار كل ولاية بشكل منفرد، بينما اتخذت الأزمة نطاقاً وطنياً عاماً».
ودعا عمدة مدينة نيويورك إلى «تعبئة القوات المسلحة الأميركية بأسرع وقت ممكن»، قائلاً: «لا قوة أخرى في الولايات المتحدة تستطيع تنفيذ هذه المهمة».
ويتطلب استدعاء الجيش الأميركي فرض الأحكام العسكرية، وهو أمر يرفضه ترامب بشدة.
ورغم رفض الرئيس الأميركي للتدخل العسكري الممباشر إلا أنه أمر سلاح الهندسة في الجيش وقوات الحرس الوطني ببناء مستشفيات في نيويورك وكاليفورنيا وواشنطن، إضافة إلى ولايات أخرى بحسب طلب الحكام كما ستذهب سفينة إلى ميناء نيويورك وسفينة أخرى إلى لوس أنجليس، ونبني مستشفيات هناك كما نعمل على ذلك في ولاية واشنطن».
القوات المسلحة
وفي ظل امتناع الرئيس ترامب عن إصدار أمر بتدخل الجيش الأميركي لمكافحة وباء كورونا، أعلن وزير الدفاع الأميركي مارك أسبر، الاثنين الماضي، نشر وحدات من الحرس الوطني في عدة ولايات للمساهمة في مواجهة تداعيات فيروس كورونا المستجد، مضيفاً أن الجهات العسكرية ستساهم في توفير مستشفيات ميدانية للمناطق التي شهدت تفشي الفيروس بشكل واسع.
وأضاف أسبر أن المستشفيات العسكرية الميدانية ستتوفر في عدة مدن، مؤكداً أن القوات العسكرية «بإمكانها إجراء ستة آلاف اختبار يومي للكشف عن فيروس كورونا»، وأن وزارته قامت بتجهيز ملايين المعدات والأجهزة لمكافحة فيروس «كوفيد–19».
وأجبر الانتشار السريع لفيروس كورونا، الجيش الأميركي على تقييد حركة آلاف العسكريين في مناطق ما وراء البحار الأكثر عرضة للفيروس مثل آسيا وأوروبا والشرق الأوسط، وفقاً لقيادات عسكرية.
وأعلن البنتاغون أنّه جمّد لمدة شهرين كلّ تنقلات العسكريين الأميركيين حول العالم، بما فيها عمليات إرسال الجنود إلى مناطق القتال أو إعادتهم إلى وطنهم، وذلك في إطار مساعيه لكبح وباء كورونا المستجدّ.
وذكرت وزارة الدفاع الأميركية في بيان أن وزير الدفاع، أمر بوقف تنقّلات كلّ موظفي البنتاغون الموجودين في الخارج، من مدنيين وعسكريين، لمدة 60 يوماً، مشيرة إلى أنّ التجميد يشمل أيضاً أفراد أسر هؤلاء الموظفين إذا كانوا يعيشون معهم في الخارج.
وفي كل مرة يصاب فيها أي جندي أميركي بالفيروس، يسعى الجيش الأميركي لعزل ذلك الشخص وأي شخص آخر تعامل معه أو معها. وبلغ عدد حالات الإصابة بين الجنود 227 حتى الأربعاء الماضي.
Leave a Reply