واشنطن – إلى جانب الخسائر البشرية الفادحة، مع تجاوز عدد الوفيات بفيروس كورونا المستجد في الولايات المتحدة، أعداد الجنود الأميركيين الذين قتلوا خلال حرب فيتنام بأكملها، يبدو أن الخسائر التي تنتظر الاقتصاد الأميركي بسبب وباء «كوفيد–19» لن تكون أقل كارثية.
وفي حين حصدت حرب فيتنام التي جرت بين عامي 1955 و1975 أرواح 58 ألفاً و220 عسكرياً أميركياً، بحسب الحصيلة الرسمية لدائرة الأرشيف الوطني، تسبب وباء «كوفيد 19» حتى مساء الخميس الماضي بإزهاق أرواح أكثر من 63 ألف شخص في الولايات المتحدة فيما بلغ عدد المصابين نحو 1.1 مليون، وفقاً لـ«جامعة جونز هوبكينز» التي تعتبر مرجعاً في تتبع الإصابات والوفيات الناجمة عن الفيروس.
ورصدت نحو 30 بالمئة من الإصابات في ولاية نيويورك، بؤرة تفشي المرض في البلاد، تلتها ولايات نيوجيرزي وماساتشوستس وإيلينوي وكاليفورنيا وبنسلفانيا، في حين حلت ميشيغن في المرتبة السابعة بعدد الإصابات والثالثة بعدد الوفيات بعد نيويورك ونيوجيرزي.
وبرر الرئيس الأميركي دونالد ترامب عبر «تويتر» ارتفاع عدد الإصابات في الولايات المتحدة بالقول إن «السبب الوحيد لإعلان الولايات المتحدة عن أكثر من مليون حالة لفيروس كورونا هو أن اختباراتنا أفضل بكثير من أي دولة أخرى في العالم».
وأضاف: «البلدان الأخرى متأخرة جداً في الفحوص، وبالتالي تظهر حالات أقل بكثير!». ونفذت الولايات المتحدة حتى الآن نحو ستة ملايين اختبار للكشف عن فيروس كورونا كما أصبحت تتوفر على كميات هائلة من المعدات الطبية وأجهزة التنفس الاصطناعي، بحسب ترامب.
ترامب والصين
وفي ظل تزايد أعداد المصابين واستمرار القيود المكبلة للاقتصاد في معظم الولايات الأميركية، وجه ترامب، الخميس الماضي، سهامه نحو الصين، مؤكداً أنه يمكنه القول و«بدرجة عالية من الثقة» إن أصل فيروس كورونا أتى من «مركز ووهان للأبحاث الفيروسية».
وتزامنت تعليقات ترامب مع إجراء تحقيقات استخباراتية أميركية حول مصدر انتشار الفيروس في الصين، ووضع الرئيس في خطاب ألقاه بمناسبة تكريم المسنين، احتمالين قائلاً: «الصين إما فشلت في احتواء فيروس كورونا أو تركته ينتشر بشكل متعمد».
ورفض ترامب الرد على سؤال عما إذا كان يحمل الرئيس الصيني شي جينبينغ مسؤولية تفشي الفيروس حول العالم وانعدام الشفافية في توفير المعلومات من قبل السلطات الصينية، لافتاً إلى أنه يدرس فرض رسوم على الصين على خلفية فيروس كورونا.
وقال ترامب في المؤتمر الصحفي مع لجنة العمل المعنية بمكافحة كورونا، الاثنين الماضي، «نجري حاليا تحقيقات معمقة في هذا الشأن، ولسنا سعداء من الصين، لأننا نؤمن أنه كان بالإمكان إيقاف الفيروس من مصدره ولذلك نقوم بتحقيقات جادة وقوية وسنحصل على الإجابة وسنعلمكم بالنتيجة».
وقال ترامب إن بكين «ستفعل أي شيء كي أخسر في (انتخابات) 2020»، مشيراً إلى أن الاتفاق التجاري بين الصين والولايات المتحدة «تأثر سلباً» نتيجة الأزمة.
وذكر ترامب بأنه يبحث مجموعة من الخيارات لمحاسبة الصين على تعاملها مع تفشي الفيروس، قائلاً: «يمكنني أن أفعل الكثير». وأشار إلى أن العقوبات قد تتمثل في دفع الصين أموالاً طائلة «نتحدث عن أموال أكثر مما تتحدث به ألمانيا (التي تطالب بتعويضات بحوالي 160 مليار دولار)»، مؤكداً أن الفيروس تسبب بضرر بالغ على نطاق العالم بأسره.
وأكد ترامب إصراره من جديد على إعادة فتح الاقتصاد، وقال وخلفه شعار «فتح أميركا مرة أخرى» إن «الأميركيين يريدون العودة إلى العمل في أسرع وقت».
ويواجه ترامب معارضة واسعة من الديمقراطيين ووسائل الإعلام والأوساط الأكاديمية، بشأن إعادة فتح الاقتصاد، إلا أن حسابات الرئيس الانتخابية تدفعه إلى التعجيل بإعادة تحريك عجلة الاقتصاد قبل موعد الانتخابات.
وفي هذا الصدد قال الرئيس الأميركي في مقابلة مع «رويترز» يوم الأربعاء إنه لا يصدق استطلاعات الرأي التي تظهر أن منافسه الديمقراطي المحتمل جو بايدن، ، يتقدم في سباق انتخابات 2020.
وقال الرئيس الجمهوري أثناء المقابلة التي أجريت في المكتب البيضاوي، «لا أصدق استطلاعات الرأي». وتابع قائلاً «أعتقد أن شعب هذا البلد ذكي. ولا أظن أنهم سيؤيدون رجلاً غير كفؤ».
وانتقد ترامب سجل بايدن على مدى عقود كعضو بمجلس الشيوخ وكنائب للرئيس باراك أوباما.
وأظهر استطلاع للرأي لـ«رويترز–إبسوس»، الأسبوع الماضي، أن 44 بالمئة من الناخبين المسجلين قالوا إنهم سيؤيدون بايدن في انتخابات الثالث من تشرين الثاني (نوفمبر)، بينما قال 40 بالمئة إنهم سيدعمون ترامب.
فتح الاقتصاد
ويطالب الرئيس الأميركي بإعادة فتح الاقتصاد بشكل آمن وسريع تفادياً لخسائر فادحة في الوظائف والشركات التي تضررت بشدة من قيود كورونا.
وقد أعلن ترامب أنه سيستأنف الأسبوع المقبل رحلاته داخل الولايات المتحدة، مؤكداً أنه ينتظر بفارغ الصبر عقد مهرجانات انتخابية «جنونية» في أسرع وقت ممكن.
وقال ترامب لصحافيين إنه «سعيد» بالتوجه إلى ولاية أريزونا الأسبوع المقبل، في أول رحلة له داخل الولايات المتحدة منذ أن شل فيروس كورونا المستجد، البلاد.
وخلال اجتماع مع مسؤولي القطاع الصناعي الأميركي، عبر الرئيس الأميركي عن تفاؤله مشدداً على أن أول اقتصاد في العالم سيخرج بسرعة من هذه الأزمة.
وأضاف أنه يتوقع أن تضعف خطورة الفيروس تلقائياً، مؤكداً أن الولايات المتحدة مجهزة لإخماد «الجمر» المتبقي.
وأكد ترامب بشأن فيروس كورونا المستجد «أريد العودة (إلى اقتصاد يعمل بكامل طاقته) مع أو دون (لقاح)، لكننا سننتظر بالتأكيد رحيله وسيرحل».
وقال ترامب بعد لقائه مجموعة من المدراء التنفيذيين لشركات صناعية إن «الكثير من الحكام يريدون فتح الولايات، وفتح المدارس، قد ترون فتح بعض المدارس ولو لفترة قصيرة، لكن لا يزال هناك بعض الولايات غير جاهزة».
وبالفعل اتخذت جورجيا وأوكلاهوما وألاسكا خطوات لإعادة فتح اقتصاداتها بعد شهر من إجراءات الإغلاق التي أمرت بها الحكومة، في حين أعلنت خمس ولايات أخرى على الأقل، أنها ستنضم إلى قرار فتح الاقتصاد وتخفيف القيود.
وفي السياق، وقع الرئيس الأميركي، الثلاثاء المنصرم، على مرسوم بشأن الأمن الغذائي، يهدف إلى تعزيز شركات تصنيع اللحوم، حسبما أفاد المكتب الصحفي للبيت الأبيض.
وأشار إلى أنه من «الضروري أن يستمر منتجو لحوم البقر والخنزير والدواجن في الوفاء بالتزاماتهم المتعلقة بالإمدادات الغذائية… بعد أن أدى انتشار فيروس كورونا إلى تقليص الطاقات الإنتاجية لعدد من الشركات».
وتم التوقيع على مرسوم الأمن الغذائي بناء على قانون الإنتاج العسكري الذي يعود إلى أيام الحرب الكورية بين عامي 1950 و1953.
وعلق عدد من مصانع اللحوم الأميركية عمله، بعد اكتشاف حالات إصابة بكورونا بين موظفيه، منها مصانع في ولايات آيوا وداكوتا الجنوبية ومينيسوتا وإلينوي.
خسائر فادحة
انكمش الاقتصاد الأميركي بأكثر من المتوقع وبأكبر وتيرة منذ الربع الأخير من عام 2008 في الأشهر الثلاثة الأولى من عام 2020، بسبب انتشار فيروس كورونا الذي تسبب في توقف النشاط الاقتصادي داخل الدولة صاحبة أكبر اقتصاد في العالم.
وأظهرت البيانات الحكومية تراجع الناتج المحلي الإجمالي الأميركي 4.8 بالمئة في الربع الأول، وذلك بعدما نما الاقتصاد بوتيرة 2.1 بالمئة في الأشهر الثلاثة الأخيرة من عام 2019.
لكن هذه الأرقام لا تعكس الصورة الكاملة للأزمة، إذ لم تُفرض جميع القيود حتى نهاية شهر آذار (مارس)، ومن المتوقع أن ينكمش الاقتصاد بنسبة أكبر خلال الربع الثاني. ويتوقع المحللون أن يتقلّص الاقتصاد بنسبة 30 بالمئة أو أكثر في الأشهر الثلاثة من نيسان (أبريل) حتى حزيران (يونيو).
من جهته، أعلن وزير الخزانة الأميركية ستيفن منوتشين، الأربعاء الماضي، استعداده لضخ المزيد من الأموال في برامج الإقراض الجديدة التي تم تفعيلها بسبب أزمة كورونا، لدعم الاقتصاد الأميركي.
يأتي هذا فيما حذر رئيس البنك المركزي الأميركي جيروم باول من أن الاقتصاد الأميركي «قد يتراجع إلى مستوى غير مسبوق في الربع الثاني» من 2020 بسبب وباء كوفيد–19. وأعلن خلال مؤتمر صحافي «لا نعرف بعد، حجم ومدة التباطؤ الاقتصادي وهما إلى حد كبير رهن بسرعة احتواء الفيروس» مشدداً على أن الاحتياطي الفدرالي سيسعى إلى ضمان «انتعاش متين قدر الإمكان».
ومنذ بداية أزمة الفيروس، تقدّم أكثر من 30 مليون شخص في الولايات المتحدة بطلبات للاستفادة من إعانات البطالة، وشهدت الولايات المتحدة انخفاضاً تاريخياً في دورة الأعمال وفي ثقة المستهلك.
وأظهرت البيانات انخفاض الإنفاق الاستهلاكي –الذي يمثل نحو 70 بالمئة من إجمالي النشاط الاقتصادي الأميركي– بنحو 7.6 بالمئة في فترة الأشهر الثلاثة المنتهية في مارس، مقارنة بزيادة بنسبة 1.8 بالمئة في الربع الرابع العام الماضي.
واستجابت الولايات المتحدة للأزمة الاقتصادية عبر إنفاق جديد بلغ أكثر من ثلاثة تريليونات دولار.
وقام مجلس الاحتياطي الفدرالي أيضاً بتدخل كبير تمثّل بخفض أسعار الفائدة في إطار يترواح بين 0 و0.25 بالمئة واستخدام سلطات الطوارئ لتوسيع مشتريات السندات ومنح القروض.
وترك مصرف الاحتياطي الفدرالي، الأربعاء الماضي، أسعار الفائدة دون تغيير، قائلاً إنه ملتزم باستخدام «مجموعة كاملة من الأدوات» لدعم الاقتصاد.
Leave a Reply