بطريقة ساخرة ومرة راحت تسترجع كلمات أمها لها قبل سفرها إلى أميركا على طريقة إحدى الإعرابيات لابنتها يوم زفافها: كوني له أرضاً يكن لك سماء. كوني له فراشاً يكن لك غطاء. لا تقع عيناه على قبيح ولا يشم منك إلا أطيب الروائح!
حملت الصبية هذه الوصايا معها واهتمت كثيراً بتطبيقها واتباع تلك النصائح في كل أوقاتها وفي جميع شؤون حياتها.
لكن مع الأيام فترت همتها وقل اهتمامها، لا بسبب حقيقة متاعب الحياة والإنجاب والسهر على تربية الأطفال، بل بسبب صدمتها الثقيلة بعادات وسلوك زوجها نفسه.
في الوقت الذي كانت تحرص فيه على أن توفر له كل أسباب الراحة والهدوء في المنزل كان لا يبالي بذلك، المهم أن يكون الطعام جاهزاً ليملأ جوفه ويأمن خوفه ويرمي جسمه في أي مكان وينام، على الكنبة في غرفة المعيشة، أو في الطابق الأرضي على سرير في غرف الأولاد وأحياناً في غرفة النوم.. في أي مكان.. المهم أن يأكل وينام، وليس مهماً أن ينام في ثياب النوم أو بأي ثياب حتى ولو كانت ثياب العمل القذرة.
المهم عنده أن ينام بأي صورة وفي أي مكان. بلطف وهدوء كانت تلفت نظره لذلك فيقابل لطفها بسخرية وحنانها باستهزاء ويأخذ الأمور باستخفاف وبدون اهتمام. وكلما تفانت في نظافتها الشخصية واهتمت بشكلها وثيابها وجدت منه عدم اللامبالاة والإنكار في أحيان كثيرة. واهتمت بنفسها أهمل هو نفسه فليس المهم أن تكون ثيابها أنيقة ومناسبة وشعرها مرتباً ومصففاً. كان المهم عنده أن تكون جاهزة له، ليأتي حرثه، وقتما يشاء وبأي شكل هو يريده كما يسمع من بعض الشيوخ الأميين في الجوامع، فلا يهتم إن كان جسمه نظيفاً ورائحته جذابة، ولا يهتم أن يكون منظره على الأقل مقبولاً وخلقه لطيفاً.
حاولت تلك الصبية القادمة من الشرق مراراً عديدة تعويده على النظافة بأن يهتم بقص شعره وتهذيب لحيته والعناية بأسنانه، وتبديل ثيابه المهلهلة فلا يبدو رث المنظر وكريه الرائحة. إلا أنه كان يقابل محاولاتها بالسخرية وجهودها بالإهمال وإذا غضبت واشمئزت منه تمادى هو في إهماله لإغاظتها مردداً على مسامعها أن في أميركا لا أحد يبالي بما يلبس بل بما يملك.
تلك السيدة واحدة من الكثيرات اللواتي يكابدن ويتحملن مثل هؤلاء الأزواج لحرصهن على بيوتهن وأطفال كن سبباً بإنجابهن. لكن تدريجياً بدأت المرأة تملّ من كل شيء وتحول حبها الكبير لزوجها إلى اشمئزاز ونفور فأصبحت تكره الجلوس معه أو الأكل أو النوم، وأصبحت تتحاشى لقاءه وتؤدي واجباتها الشخصية بكثير من الكره وعدم الرضى ولا تهتم إن وقعت عيناه على قبيح أو إذا لم يشم منها أطيب رائحة. وكلما تذكرت وصايا أمها لها قبل سفرها أو سمعت أحد رجال الدين يأمر الزوجات بأن يتصرفن كالمحظيات لإرضاء غرائز ذكورة أزواجهن تضحك بمرارة وسخرية من نفسها ولا تبالي.
Leave a Reply