«جولة الإستماع» التي بدأها وزير الخارجية الأميركي الجديد، جون كيري، في أوروبا والشرق الأوسط والتقى في محطتها الثانية، برلين، نظيره الروسي، يمكن اعتبارها بداية المفاوضات الجدية بين موسكو وواشنطن حول ملفات منطقة الشرق الأوسط برمتها ولاسيما الأزمة السورية والملف النووي الإيراني.
قمة كيري مع سيرغي لافروف في برلين لم يرشح عنها الكثير سوى الإتفاق على الحل السياسي في سوريا، ولكنها ترافقت مع مواقف وإشارات سياسية مباشرة وغير مباشرة عن عدة حلفاء إقليميين للولايات المتحدة، حملت في طياتها مخاوف هؤلاء من صفقة روسية-أميركية تقوم على بقاء الرئيس السوري بشار الأسد في الحكم، وتضع أنظمة عديدة في المنطقة بمهب الريح.
إجتماع برلين تزامن مع اجواء ايجابية أعقبت المفاوضات الإيرانية-الغربية في كازاخستان، حول الملف النووي المرتبط عضوياً بالأزمة السورية، وهو ما دفع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بعد محادثات السداسية في المآتا إلى الحث على ضربة عسكرية لإيران.
وكذلك برز انتقاد علني من أمير قطر لـ«دول كبرى» بأنها تكتفي بالإدانة لما يجري في سوريا، وذلك في إشارة واضحة إلى عدم رفع مستوى التسليح الغربي للمعارضة المسلحة السورية.
ورغم أن واشنطن لم تستبعد نهائياً تسليح المعارضة، لكنها تطلب أولاً الحصول على ضمانات من «الجيش الحر» والائتلاف السوري بأن السلاح لن يذهب إلى «جبهة النصرة» والمتطرفين، وهو أمر غير متاح عملياً. هذا كان جواب الأميركيين على احتجاجات الإئتلاف المعارض والدول التي تقف خلفه على مواقف واشنطن الجديدة التي يبدو أنها لن تتردد في استنفاذ الحلول السياسية بالتعاون مع موسكو قبل الإقدام على أي خطوة أخرى.
فالأميركيون باتوا يتقبلون فكرة بقاء الرئيس الاسد، و«دبلوماسية كيري» حتى الآن لم تطلب رحيل الاسد كشرط للحوار المقبل.
وتقول السلطة في دمشق على لسان وزير خارجيتها، غداة لقائه لافروف قبل يوم من قمة برلين، انها منفتحة على الحوار مع كل الاطراف بما فيها المسلحة مؤكدة على واجبها بمكافحة الارهاب. وأن الاسد خط أحمر بالنسبة للخارج «إذ لا يحق لغير السوريين الكلام عنه».
الموقف الروسي الحديدي في المفاوضات مع الأميركيين، لا يختلف عما سمعه الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند في موسكو التي عاد منها بمواقف لينة.
فقد قال هولاند الخميس الماضي في مؤتمر صحافي مشترك مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين في موسكو إن «فرنسا وروسيا حققتا تقدماً بشأن الملف السوري»، مشيراً إلى أن لديهما «الهدف نفسه» رغم الإختلاف بكيفية تحقيقه، وهو «إجراء حوار سياسي لوضع حد للنزاع الدائر في هذا البلد، وعدم ترك الإرهابيين يستفيدون من حالة الفوضى هذه»، على حد تعبيره.
بدوره حذّر الرئيس بوتين من أن «يستغل الإرهابيون الدوليون المأساة السورية لتحقيق أهدافهم» بحسب تعبيره، داعياً إلى «إدانة دولية للتفجيرات الإرهابية»، مذكراً «بالهجوم الإنتحاري في دمشق الأسبوع الماضي» والذي وقع في منطقة قريبة من السفارة الروسية.
وقال بوتين «روسيا حددت خيارها لصالح إقرار الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان»، مشيراً إلى أنها سوف «تتمسك بهذا الخيار»، لافتاً إلى أن «لدى روسيا وفرنسا وجهات نظر مختلفة حول سوريا، لكنهما تتوافقان على عدم تقسيمها».
في هذا الوقت كان «أصدقاء سوريا» يجتمعون في روما ويطالبون بدعم للمسلحين لتغيير موازين القوى ضد الأسد، ولكن المعارضة لم تحصل إلا على وعود بمزيد من الدعم المالي والسياسي. فقد وعد وزراء خارجية 11 دولة، شاركت في مؤتمر «أصدقاء سوريا»، وبينها الولايات المتحدة ودول أوروبية وعربية، في روما، بتقديم «المزيد من المساعدات السياسية والمادية» إلى «الائتلاف الوطني السوري»، فيما أعلن الاتحاد الأوروبي تعديل موقفه من التسليح، قائلاً إنه ربما يعتزم تقديم عربات مدرعة لمسلحي المعارضة.
وبرز واضحاً الإنقسام في صفوف المعارضة السورية حيث قاطع اجتماع روما المجلس الوطني السوري الذي اعتبر أن الحلّ الوحيد للأزمة السورية هو بتسليح المعارضة.
في هذا الوقت، أعلن وزير الخارجية الأميركي جون كيري عن مساعدة إضافية تبلغ 60 مليون دولار للمعارضة السورية، بالإضافة إلى مساعدات مباشرة للمرة الأولى للمسلحين، لكن من دون الوصول إلى مرحلة تقديم الأسلحة، وفي حين هاجم دور ايران و«حزب الله» والنظام السوري، قال أنه «لا يمكننا أن نراهن على ترك هذا البلد، الموجود وسط الشرق الأوسط، يدمّر من قبل مستبدين فاسدين، أو يخطف من قبل متشددين».
وقال كيري، خلال مؤتمر صحافي مشترك مع رئيس «الائتلاف» احمد معاذ الخطيب في روما، إن «الولايات المتحدة ستقدم 60 مليون دولار بشكل مساعدة لا تشمل أسلحة قاتلة من اجل دعم جهود ائتلاف المعارضة السورية في الأشهر المقبلة». وأضاف إن واشنطن ستقدم الآن «إمدادات غذائية وطبية للمعارضة بما في ذلك (المجلس) العسكري الأعلى السوري المعارض».
وبدوره، جدد الخطيب دعوته الرئيس بشار الأسد للقبول بعرض الحوار من ضمن المحددات التي وضعها الإئتلاف الوطني السوري في جلسته الأخيرة، والتي تتضمن رحيل النظام.
وأقر الخطيب بوجود عناصر تكفيرية في سوريا قائلاً «هناك البعض ممن يحملون أفكاراً خاصة غريبة عن مجتمعنا، نحن ننبذ هذه الأمور بكل صراحة ونحن ضد كل فكر تكفيري» رغم دفاعه سابقاً عن جبهة النصرة بعد تصنيفها منظمة إرهابية من قبل واشنطن.
وقد ظلت الدبلوماسية الأميركية تعطي إشارات شبه يومية عن إمكانية تسليح المعارضة السورية، ولكن ذلك توقف بعد لقاء كيري ولافروف في برلين.
وفي الملف النووي الإيراني، أعربت طهران عن تفاؤلها «الشديد» بإمكانية التوصل إلى اتفاق مع مجموعة الست خلال اللقاء المقبل بين الطرفين، وأشادت بمحادثات كازاخستان. ومن جانبه وصف وزير الخارجية الأميركي جون كيري تلك المحادثات بالمفيدة، لكنه طالب إيران بدرس المقترحات الغربية بـ«جدية».
Leave a Reply