علي حرب وخليل رمَّال – «صدى الوطن»
تدوالت آلاف الحسابات الالكترونية على مواقع التواصل الاجتماعي صورا مجتزأة لرايات سود من موكب عاشورائي نظمته الطائفة الشيعية فـي مدينة ديربورن بمناسبة «أربعين الإمام الحسين» يوم الخامس من كانون الأول (ديسمبر) الماضي، حيث عمد المتصحفون إلى استغلال تلك اللقطات للإيحاء بأن الجالية العربية والإسلامية فـي المدينة تؤيد تنظيم «داعش» الإرهابي.
وعلى الرغم من أن المشاركين فـي تلك المسيرة قاموا بالتنديد بالجماعات الإرهابية، وفـي مقدمتها «داعش»، إلا أن تلك الحقيقة لم تمنع من انتشار المنشورات المعادية للعرب والمسلمين فـي الولايات المتحدة عموما، وفـي مدينة ديربورن على نحو خاص.
وكان «مركز كربلاء الإسلامي» فـي ديربورن قد نظَّم المسيرة بمناسبة أربعين الإمام الحسين الذي يحييها المسلمون الشيعة حداداً على استشهاده مع آخرين من أهل بيته فـي منطقة كربلاء العراقية، على يد الخليفة الأموي الثاني يزيد بن معاوية، سنة ٦٨٠ ميلادية.
وقد دأب المسلمون الشيعة فـي مدينة ديربورن وضواحيها على تنظيم المسيرة سنوياً، لكن المنظمين انتهزوا الفرصة، هذا العام، لإدانة ونبذ التطرف والعنف والإرهاب خلال هذه الذكرى، وذلك فـي أعقاب الهجوم الإرهابي فـي سان برناردينو، كاليفورنيا.
وحمل المشاركون فـي الموكب يافطات كُتب عليها: 99 بالمئة من ضحايا «داعش» هم مسلمون، كما أدانت لافتات أخرى مع الهتافات التي أطلقها المشاركون الأعمال والاعتداءات الإجرامية التي ترتكبها الجماعات المتطرفة يومياً بإسم الإسلام.
ورغم أن التسجيلات تظهر بشكل لا لبس فـيه إدانة المسيرة للإرهاب والتطرف، لكن بعض الجهلاء أو الخبثاء على مواقع التواصل الاجتماعي قاموا بنشر اللقطات التي تظهر أعلاما سوداء (للإيحاء بأن الأعلام مرفوعة من أجل تأييد «داعش» ودعمه)، مع تعليقات تؤكد تأييد العرب والمسلمين القاطنين فـي ديربورن لتنظيم «داعش».
ففـي إحدى المشاركات، نشر متصفح على «فـيسبوك»، يدعى جوزيف داليسيو، صورا من المسيرة وكتب تحتها: هذا ما حصل فـي ديربورن ميشيغن بعد الهجوم الإسلامي المتطرف فـي ولاية كاليفورنيا!.. هذه هي أعلام «داعش» وهؤلاء هم أنصاره، ولكن وسائل الإعلام لم تعدّ تقاريرها (حول ذلك النشاط) بسبب ما يعتبرونه صحيحاً سياسياً.
وخلال أيام معدودة، شهد منشور داليسيو الكاذب والملفق آلاف المشاركات (أكثر من 3700 مشاركة) كما تم نشره على موقع «تويتر» حيث قام أغلب المشاركين بإضافة تعليقات تدعو إلى استخدام العنف ضد المسلمين، كما دعا أحد هؤلاء المشاركين، ويدعى ميتش آلان بوتمان، «إلى تطهير مدينة ديربورن»، حيث كتب على صفحته: المشكلة ليست فقط فـي هؤلاء البشر البدائيين المتخلفـين الذين يجوبون الشارع هناك (فـي ديربورن) ولكنها أيضاً فـي الخونة الذين يجرون من حولهم بدلا من اقتلاعهم من وسطهم.
كل هذا كان يجري على مواقع «السوشال ميديا»، رغم أن «مجلة نيويورك» وموقع «سنوبس» المختص بالتحقق من الوقائع كانا قد نشرا تقارير تؤكد أن هذه المسيرة مناهضة لـ«داعش» وليست مؤيدة لها، إضافة إلى أن بعض وسائل الإعلام المحلية قد قامت بتغطية المسيرة، وكان بينها القناة السابعة التابعة لشبكة «أي بي سي».
افتح عينيك
وتعليقا على ما يجري على مواقع التواصل الاجتماعي واستغلال المتصفحين له لتشويه صورة المدينة، خاطب الشيخ هشام الحسيني، إمام مركز كربلاء الذي نظم المسيرة، مستخدمي «السوشال ميديا» بالقول «كان واضحاً أن المسيرة قد تبنت موقفا مديناً للإرهاب بكافة أشكاله.. افتحوا أعينكم وانظروا إلى الواقع واقرأوا اللافتات وأنصتوا إلى شعاراتنا.. لا تدعوا الكراهية تسيطر على أحكامكم».
وأضاف «إن الكلمات والهتافات فـي المسيرة نددت أيضاً بالتطرف.. تاريخنا مشهود فـي هذا المجال وهو يتحدث عن نفسه.. لقد نددنا بتنظيم القاعدة منذ سنوات مضت، واليوم نحن مستمرون فـي الوقوف ضد الارهاب».
وأكد الحسيني على أن طبيعة المسيرة، لا يمكن أن تكون مؤيدة للإرهاب، وقال: «لقد قام الحسين ضد قوى الظلم من أمثال داعش.. فالتطرف هو الذي قام بذبح الإمام الحسين، فـي نهاية المطاف».
ووصف الشيخ الإمام الحسين بأنه «الضحية الأولى لـداعش»، وقال «بعد كل هذه الحقائق.. إذا كانوا مازالوا يعتقدون أننا نؤيد داعش فهذه مشكلتهم وليست مشكلتنا، مؤكدا أن مركز كربلاء قد قام بفعل الكثير من أجل دحض هذه المفاهيم الخاطئة».
مهمة مستحيلة التحقيق
فـي العام الماضي، نشرت «صدى الوطن» افتتاحية تدعو الجالية الشيعية إلى إعادة النظر فـي إحياء مسيرة «أربعين الإمام الحسين» لتفادي سوء الفهم الذي قد
تسببه لقاصري النظر من الأميركيين، وهو ما حصل بالفعل هذا العام.
وهذه المرَّة حاول الشيخ الحسيني تجنب أي تشويه أو ترويج لمفاهيم خاطئة عن المسيرة وطقوسها وأهدافها، فقام بتوجيه «مركز كربلاء» من أجل إضافة رايات ملونة فـي المسيرة، وعدم الاقتصار على الرايات السود التي تستخدم تقليديا من أجل التعبير عن الحزن على مصير الإمام الحسين.
واستشهد الحسيني بالقول العربي المأثور القائل «إرضاء الناس غاية لا تدرك»، مؤكداً أن المسيرة تهدف الى التعبير عن موقف المسلمين الأميركيين الحقيقي من العنف بعد حادثة إطلاق النار فـي مدينة سان برناردينو بولاية كاليفورنيا، وإدانتهم للاعتداءات الإرهابية الدموية فـي أي مكان فـي العالم.
وأضاف فـي حديث مع «صدى الوطن»: «يجب على الناس قول الحقيقة.. أنتم تفعلون ذلك فـي الجريدة ونحن نفعل ذلك فـي الشارع».
ورداً على الأكاذيب المنتشرة على مواقع التواصل الاجتماعي، مثل «فـيسبوك» و«تويتر» و«يوتيوب»، أعرب أنتوني باتاغليا، وهو مدرّس فـي ثانوية هامترامك يعيش فـي مدينة ديربورن، عن غضبه من «الجهل الذي أبداه متصفحو مواقع التواصل الاجتماعي فـي إشاعة وترويج المعلومات المضللة والمفبركة».
وأضاف «لقد وصلنا إلى درجة يرى فـيها البعض
أن الكتابة باللغة العربية، هي سبب كافٍ بالنسبة لهم لوصف الآخرين بأنهم ينتمون أو يؤيدون «داعش». وخلص باتاغليا الى القول «أن عدم معرفة ثقافة الشرق الأوسط والدين الإسلامي يؤجج لهيب كراهية الأجانب فـي هذا البلد».
Leave a Reply