أجرى خمسة أكاديميين تحقيقاً صحفياً مطولاً حول كيفية تغطية وسائل الإعلام الغربية للشؤون الخارجية، وذلك في مقال خضع أولاً للرقابة، ثم للرفض، من قبل دورية ليبرالية بارزة، قبل أن ينشر في عدد أغسطس من مجلة «بيس نيوز» Peace News
التقرير بعنوان «كيف تدعم وسائل الإعلام الغربية إرهاب الدول بينما يموت الملايين»، للباحثين: ماثيو ألفورد، فلوريان زولمان، آلان ماكلويد، جيفري كلاين، ودانييل برودي
(ترجمة بتصرف: وليد مرمر)
عندما لاحظ نعوم تشومسكي لأول مرة أن الولايات المتحدة هاجمت فيتنام الجنوبية، كان يحاول إبراز حالة خاصة من التواطؤ الإعلامي في تلك الحقبة، والذي أجمع على أن الغرب كان يحارب الشيوعيين في الشمال للدفاع عن سايغون. ولقد كان الأستاذ الشاب محقاً للغاية. فمع نهاية الحرب، سقط ثلثا القنابل الأميركية –وهي كمية تساوي ضعف كمية القنابل التي استعملت في الحرب العالمية الثانية– على الجنوب!
المؤرخ العسكري البارز برنارد فال، الذي كان يؤيد وجود الولايات المتحدة في فيتنام، قال وقتها «إن فيتنام ككيان ثقافي وتاريخي… مهددة بالانقراض… حيث كانت مناطق الريف تدمر تحت وطأة ضربات أكبر آلة عسكرية على الإطلاق أطلقت العنان لجبروتها على مساحة بهذا الحجم». ولكن رغم ذلك، كما بيّن تشومسكي، فإن وسائل الإعلام كانت ترى في تدخل الولايات المتحدة في فيتنام «قضية نبيلة كان يمكن كسبها بمزيد من التضحية»، فيما اقتصر الجانب الآخر من الطيف السياسي على النقد الإيجابي وتحدث المعارضون عن «خطأ ثبت أنه باهظ التكلفة».
ولقد جرفت الحروب كل شيء كدوامة: فيتنام، كمبوديا، لاوس.. حتى أن برنارد فال نفسه قد قتل بانفجار لغم أرضي.
وبالمثل، عندما غزت إندونيسيا تيمور الشرقية في عام 1975 (تحت حكم سوهارتو الذي كان مناوئاً للصين)، كان تشومسكي وزميله أدوارد هيرمان، ربما الوحيدين اللذين لاحظا أن الهجوم قد حدث فعلاً. ولقد أودى القصف الجوي وعمليات الإعدام الجماعية والمجاعة القسرية بحياة نحو مئتي ألف شخص. لكن هذا الغزو لم يحظ بأية تغطية إعلامية على الإطلاق. الإستثناء الذي يكاد يكون وحيداً كان الوثائقي الذي أعده جون بيلغر بعنوان «موت وطن: مؤامرة تيمور» Death of a Nation: the Timor Conspiracy والذي بثته قناة ITV في بريطانيا. ولقد استطاع بيلغر والمخرج ديفيد مونرو والصحافي كريستوفر وينر دخول تيمور الشرقية متظاهرين بأنهم مندوبو شركة سفريات. وكشف الفيلم عن التواطؤ الغربي فيما يعتبره معظم المحللين إبادة جماعية.
بيلغر استشهد بالضابط السابق بوكالة الاستخبارات المركزية (سي آي أي) فيليب ليشي، الذي كان يتمركز في جاكرتا والذي اعترف بأن الرئيس الإندونيسي سوهارتو قد أعطي الضوء الأخضر من قبل واشنطن لفعل ما فعله: «لقد زودناهم بكل ما يحتاجونه من الأسلحة والدعم العسكري واللوجيستي. وعندما بدأت الفظائع بالظهور في تقارير وكالة الاستخبارات المركزية، كانت الطريقة التي تعاملوا معها هي التستر لأطول فترة ممكنة».
وكباحثين حول الإعلام وكمشاركين مع تشومسكي وهيرمان في أبحاثهم حول «نظرية المؤامرة»، لدينا اهتمام خاص بوجهات النظر التي يتم تجاهلها في الإعلام السائد، خصوصاً من قبل أكثر وسائل الإعلام تقدميةً.
وعلى مدار السنوات العشر الماضية، وفي سلسلة من الدراسات الأكاديمية التي قمنا بها حول طريقة إظهار وسائل الإعلام الغربية للعديد من البلدان، لاحظنا أن أعداء الغرب ما زالوا يُصَوَّرون بشكل مختلف تماماً عن حلفائهم مثل بعض الديكتاتوريات التي سادت حقبة الحرب الباردة في جنوب فيتنام وإندونيسيا.
إن ما ترتكبه الأنظمة «المعادية للغرب» في أماكن مثل صربيا/يوغوسلافيا وأفغانستان وإيران وسوريا تؤدي وبشكل روتيني إلى الحث على التدخل الخارجي. ولو أننا استطعنا تبرير هذا الامتعاض، فإن الولايات المتحدة والمملكة المتحدة –إلى جانب حلفاء مثل إسرائيل ومصر وكولومبيا– يرتكبون فظائع تُعطى تغطية رمزية فقط.
وعلى سبيل المثال، توضح دراستنا كيف تمت شيطنة فنزويلا في وسائل الإعلام باعتبارها «ديكتاتورية اشتراكية» منذ الانتخابات الرئاسية عام 1998 لهوغو تشافيز ذي الشعبية الكبيرة.
وفي أعقاب انقلاب عام 2002، أيدت صحيفة «نيويورك تايمز» دكتاتورية لم تدم طويلاً مدعومة من الولايات المتحدة في فنزويلا باعتبارها «مظهراً جديداً للديمقراطية». وواصلت الصحافة السائدة –ناهيك عن بعض ألعاب الفيديو التي تشجع على إراقة الدماء– الدعوة إلى انقلاب آخر ضد خليفة تشافيز، نيكولاس مادورو الذي تم انتخابه رئيساً عام 2013، بحجة سوء إدارته الاقتصادية المزعومة.
وفي 30 أبريل 2019، عندما دعا السياسي المعارض والرئيس الذي عين نفسه خوان غويدو الجيش الفنزويلي للإطاحة بمادورو، ترددت وسائل الإعلام الغربية حتى في وصف ما حدث بأنه محاولة انقلاب.
وقد أظهر استطلاع للرأي أجرته وكالة مراقبة وسائل الإعلام الأميركية «فير» Fair بأنه لم يكن هناك صحافي بارز واحد قد عارض محاولة الانقلاب في أبريل 2019، بل أنه تم وصفها بأنها «انتفاضة» أو «احتجاجات» أو حتى «جيش تقوده المعارضة». كما تم الاحتفاء بالعقوبات الأميركية–البريطانية الجديدة في وسائل الإعلام الرئيسية رغم تفاقم الأزمة المعيشية في فنزويلا. وقد منعت الولايات المتحدة استيراد الأنسولين وآلات غسيل الكلى وأدوية السرطان ونقص المناعة المكتسبة، بما في ذلك الأدوية التي كانت فنزويلا قد دفعت ثمنها مسبقاً.
ونتيجة لهذه العقوبات، توفي 40 ألف فنزويلي في الفترة بين أغسطس 2017 وديسمبر 2018، وفقاً لتقرير أصدره كبار الاقتصاديين في «مركز البحوث الاقتصادية والسياسية» ومقره واشنطن. ويظهر التقرير بالتفصيل قدرة فنزويلا على تخطي الأزمة لو رفعت العقوبات وذلك بسبب الإحتياطات النفطية الضخمة.
وكمشارك في وفد من قدامى المحاربين من أجل السلام في فنزويلا في مارس 2019، سألنا دان شيا، وهو من قدامى المحاربين في بورتلاند بولاية أوريغون: «لماذا فرضت الولايات المتحدة عقوبات على الناس لتجويعهم وحرمانهم من الدواء، إن هذا ضد اتفاقيات جنيف الذي يحظر إيقاف الإمدادات الطبية والمواد الغذائية. إنها تمنع كل شيء من الدخول ثم تستدير وتلقي اللوم على حكومة مادورو»!
لقد تمت إدانة العقوبات رسمياً في الأمم المتحدة، حيث وصفها الأمين السابق لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة بأنها تشبه الحصار الذي كان يفرض في العصور الوسطى وهو «جريمة ضد الإنسانية». وباستثناء مقال وحيد في «الإندبندنت» لم تظهر أية معلومات في أية صحيفة كبرى في الولايات المتحدة أو المملكة المتحدة.
إن ما حدث في فنزويلا هو القاعدة وليس الاستثناء. ففي فبراير 2011، عندما اندلع النزاع بين الحكومة الليبية وجماعات المعارضة، صورت وسائل الإعلام الإخبارية أعمال الحكومة الليبية باعتبارها جرائم عشوائية، بأمر من أعلى مستويات الحكومة. ومع ذلك، فقد تبين أن قوات الأمن الليبية لم تستهدف المتظاهرين بشكل عشوائي، كما أكد مجلس العموم البريطاني لاحقاً. ولقد كانت هناك مقالتان فقط في «نيويورك تايمز» تنتقدان تدخل الناتو بقيادة فرنسا في ليبيا، وقد تم وصف هذا التدخل بأنه حماقة وهو من حروب «الإيثار التي لا تنتهي». وعارضت المقالتان الحرب لأسباب «تكتيكية» متجاهلين آراء الأكاديميين الذين يرفضون التدخل لأسباب منطقية.
وبالتالي، لم يكن من المهم بالنسبة لوسائل الإعلام أن يكون تدخل الناتو، وفقاً لدراسة في مجلة الأمن الدولي رفيعة المستوى، قد أدى إلى تضاعف عدد القتلى في ليبيا سبع مرات على الأقل.
وفي مصر، بعد أن أطاح الجيش بمحمد مرسي، أول رئيس منتخب ديمقراطياً في البلاد، في 3 يوليو 2013، احتل المتظاهرون ميدان رابعة العدوية في القاهرة، مطالبين بإعادة مرسي إلى منصبه. وفي 14 أغسطس، قامت قوات الأمن المصرية بقيادة اللواء عبد الفتاح السيسي –وهو حليف غربي ثمين سيصبح رئيساً في عام 2014 بعد الانقلاب– بقتل 817 شخصاً أثناء تفريق اعتصام رابعة العدوية. وقد وصفت «هيومن رايتس ووتش» اقتحام ميدان رابعة بأنه «واحدة من أكبر عمليات قتل المتظاهرين في العالم في يوم واحد في التاريخ الحديث». لكن هذه الحادثه لم تؤد إلا لبعض الإنتقاد الذي يكاد لا يذكر في وسائل الإعلام الغربية وفي الأوساط الدبلوماسية.
واعتُبر السيسي نسخة للرئيس السابق حسني مبارك ولكنها نسخة أكثر استقراراً. وحتى اليوم تمتنع صحيفة «نيويورك تايمز» عن وصف السيسي بأنه «ديكتاتور» على الرغم من أنه من المقرر أن يبقى في الحكم حتى عام 2034، وهو يشار إليه باعتباره «حصناً» ضد التشدد الإسلامي.
ولا يعارض الغرب، الأصوليين الإسلاميين بالمطلق. فالمملكة السعودية هي حليف غربي رئيسي آخر، وهي بالكاد بدأت في ملاحظة تاريخها مع حقوق الإنسان. أما حرب السعودية على اليمن فقد أصبحت أسوأ أزمة إنسانية في العالم. وفي الوقت نفسه استنتجت المخابرات الأميركية أن ديكتاتور السعودية ابن سلمان قد أمر بقتل جمال خاشقجي. وقد تم التأكد من عملية القتل المروعة لصحافي الـ«واشنطن بوست»، كما تمت إدانتها في وسائل الإعلام، لكن تغطية الحرب في اليمن كانت بائسة وخجولة، خاصة في السنوات الأولى من الصراع.
وفي خبر لا يصدق مرّ دون تعليق، أوضح وزير الخارجية البريطاني السابق جيريمي هانت في مجلة «بوليتيكو» أنه نظراً لكونها ثاني أكبر تاجر أسلحة إلى المملكة العربية السعودية، فإن على المملكة المتحدة أن تساعد في وقف العنف قريباً. ولكن ما معنى «قريباً»؟ فها قد مرت سنوات أربع والحبل على الجرار.
ثم هناك فضيحة التدخل الروسي في الانتخابات الأميركية أو ما أصبح يعرف بـ«رشا غيت».
والرواية التي روّج لها الديمقراطيون هي أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يسيطر سراً على الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن طريق التهديد بالكشف عن أسراره، وهو قد تدخل في صناديق الاقتراع ووسائل التواصل الإجتماعي للتأثير على السياسة الخارجية وللسيطرة على الانتخابات الرئاسية الأميركية عام 2016.
وأدى تقرير المحقق روبرت مولر، والذي كان قد طال انتظاره، إلى إضعاف نظرية المؤامرة إلى حد كبير، بينما تجنّب الإعلام إبراز مراكز نفوذ أكثر وضوحاً، مثل لوبي الشركات الضخمة والحكومة الإسرائيلية، والتأثير الهائل للولايات المتحدة نفسها على مسار الديمقراطية في دول أخرى.
وقد أدت «رشا غيت» إلى حرب باردة جديدة. علاوة على ذلك، فإن هوس الإعلام بروسيا قد حول اهتمام وسائل الإعلام بعيداً عن الإجراءات الأخرى الأكثر خطورة التي اتخذتها إدارة ترامب بشأن قضايا مثل تغير المناخ وحقوق الإجهاض والإعفاءات الضريبية للشركات.
وفيما خص احتلال العراق وأسلحة الدمار الشامل، تشير الدراسات الرئيسية حول تقارير وسائل الإعلام الأميركية والبريطانية عن حرب العراق إلى أن التغطية الإعلامية كانت تعكس الآراء التي تتبناها النخب السياسية والعسكرية القوية. ولقد تمت التعمية المطلقة على أن احتلال العراق كان يشكل جريمة دولية صارخة بحق القانون الدولي.
قد يتساءل المرء أين كانت تلك الأقلام والعدسات الغربية العظيمة في العقد السابق، عندما أدت العقوبات إلى وفاة مئات آلاف الأطفال ثم الغزو الذي تسبب في مقتل الاف الضحايا من المدنيين العراقيين.
وبالمثل، تؤكد دراستنا إلى أنه قد تم تغطية الحرب في سوريا بطريقة غير موضوعية تعكس أداء وسائل الإعلام الضعيف أثناء حرب العراق. فوفقاً للمراسل المخضرم باتريك كوكبورن، فإن وسائل الإعلام الغربية قد قامت بالتغطية بشكل مناصر ومؤيد «للثوار» بشكل كامل في النزاع. ونتيجة لذلك، ووفقاً لكوكبورن، فإن «الأخبار الملفقة والتقارير من جانب واحد قد استحوذت على أجندة الأخبار إلى درجة ربما لم نشهدها منذ الحرب العالمية الأولى».
وفي عام 2019، تم تسريب معلومات سرية حول عمل بعثة تقصي الحقائق تم قمعها من جانب منظمة حظر الأسلحة الكيميائية على ما يبدو.
تشير هذه التسريبات التي حصلت عليها «مجموعة العمل السورية للدعاية والإعلام» ومقرها المملكة المتحدة، إضافة إلى حقائق أخرى حصلت عليها المجموعة، تشير إلى أن بعض تقارير منظمة حظر الأسلحة الكيميائية قد تم التلاعب بها من قبل أمانة السر التقنية التي ترأس بعثة تقصي الحقائق.
ويشير تقرير صادر عن «مجموعة العمل» أن أمانة سر منظمة حظر الأسلحة الكيميائية قد تمت السيطرة عليها من قبل تحالف من الدول بقيادة فرنسا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة.
كما يشير التقرير إلى أن المنظمة قد استبعدت أو تجاهلت حقائق حول كون بعض الهجمات الكيميائية «المزعومة» قد تم إعدادها لتظهر وكأنها من تنفيذ النظام.
كما وتظهر هذه التقارير أن المعارضة السورية ربما تكون قد ارتكبت فظائع للتحريض على التدخل العسكري «الإنساني» من جانب الغرب.
في الواقع، كان من بين الهجمات الكيميائية المزعومة التي يشكك الخبراء الآن بمنفذها هو الهجوم الذي وقع في دوما في أبريل 2018 والذي أدى إلى سلسلة من الضربات من قبل فرنسا والولايات المتحدة والمملكة المتحدة.
لقد وجدت هذه القصة حول تسريبات منظمة حظر الأسلحة الكيميائية طريقها في الصحافة المستقلة ولكن اقتصر نشرها في التيار الإعلامي السائد على مقالين الأول للكاتب بيتر هيتشنز في «الدايلي ميرور» والثاني للكاتب روبرت فيسك في «الإندبندنت». (كما تم عرض القصة على شبكتي «فرانس 24» و«فوكس نيوز»).
إن وسائل الإعلام الوطنية تنأى بنفسها عن تغطية الانتهاكات التي ترتكبها الدولة والشركات، بل هي غالباً ما تدافع عنها بشكل روتيني. هذه هي المشكلة في كل من الأنظمة الاستبدادية والديمقراطية سواء في الشرق والغرب. وهذا يتوافق مع التنبؤات التي قدمها هيرمان وتشومسكي فيما يتعلق بأنماط أداء وسائل الإعلام.
إن الملايين يموتون بسبب نتائج الحروب الاقتصادية والعسكرية. وهذه حالات موت يسببها أفراد ومؤسسات نافذة من الممكن تجنبها. وهذا ليس إلا غيض من فيض إذا تطرقنا إلى بقع الدم الطويلة التي خلفتها بعض الصناعات المتضخمة والتي تعمل في أراضينا –لا سيما التبغ والتعدين والأسلحة، فضلاً عن التأثير غير المتناسب بشكل كبير للجيوش الغربية على التلوث والاحترار العالمي أو الكوارث التي ممكن أن تقع فيما لو بدأنا الحرب ضد إيران أو حتى الصين وروسيا.
الطريق إلى النشر
لقد شرعنا في ربيع عام 2019 في كتابة مقالة قصيرة وميسرة للغاية للصحافة السائدة، انتقاداً لتغطية وسائل الإعلام للسياسات الخارجية الغربية. وكما توقعنا، تم تجاهل جهودنا بالكامل.
ومع ذلك، وكما كان مقدراً، فقد أثار المشروع اهتمام دورية ليبرالية رائدة. ليس ذلك فحسب، بل قد عملوا معنا عن كثب ولعدة أسابيع لإعداد نسخة من العمل الذي اعتقدنا جميعاً أنه قد أتم بشكل جيد للغاية.
وكان من المقرر أن ينشر التقرير في شهر أبريل الماضي ولكن مدير تحرير الدورية تدخل لكي يتفحص المادة. وبعد ساعة قام سكرتير التحرير بالاتصال بنا لإعلامنا بأن هناك مشكلة ما ستؤدي إلى تأجيل النشر.
ولقد تم حذف «بينما يموت الملايين» من عنوان التقرير وكذلك تم حذف كل إشارة إلى التدخل الغربي في تيمور الشرقية أو فيتنام أو إندونيسيا أو فنزويلا. وكذلك تم حذف ملاحظاتنا المتعلقة بكل من أد هيرمان ونعوم تشومسكي، وحتى أنهم حذفوا وصفنا لأنفسنا بـ«الباحثين»، كما حذفت كلمة «بروباغندا».
ولقد كان رئيس التحرير في حيرة من انتقاداتنا لصحيفة «نيويورك تايمز»، على افتراض أن استخدامهم الملتوي للنقد فيما خص تدخل «الناتو» في ليبيا («حماقة»، «حروب الإيثار التي لا نهاية لها») كان «شيئاً جيداً» لمصطلحاتنا.. هل سيكون انتقاداً جيداً أو مشروعاً، على سبيل المثال، كان جوابنا، لو قرّعنا الرئيس السوري الأسد لإلقاء اللوم عليه بسبب «حروب الإيثار التي لا تنتهي»؟
وفيما خص فقرتنا عن قصف الناتو لليبيا فقد ذيلت الفقرة بالتالي: «بحاجة لإضافة هنا حول طبيعة نظام القذافي. لا يمكن تجاهل الأعمال الوحشية التي قام بها». ورداً على ذلك، وفقاً لمصادر رسمية، فإن الجهات التي أيدناها والثوار الذين دعمناهم، وليست حكومة القذافي، هم من ارتكبوا انتهاكات إنسانية وتطهير عرقي على نطاق واسع ضد الأفارقة السود.
لقد قمنا بذكر كل الروابط بالمصادر المتاحة والأكثر ثقة، بما في ذلك مقالات المجلات الأصلية التي راجعناها بأنفسنا. ولقد قمنا بالرد على كل استفسار تمت إثارته وحافظنا على اتصال أسبوعي مع مكتب المنشور لأكثر من شهر قبل أن يتم إخبارنا أخيراً بأنه يجب علينا أن نفتش على ناشر آخر.
ولقد كتب إلينا نعوم تشومسكي بما خص ذلك قائلاً التالي: «إنها حكاية لا تصدق. في حين أن هذه التصريحات (حول جرائم الحرب الأميركية التاريخية) كانت مثيرة للجدل إلى حد كبير في ذلك الوقت، اعتقدت أن الرأي العام قد يكون متسامحاً معها اليوم بحكم كون هذه الأخبار قديمة أو بحكم كونها «أخطاء» قد حصلت وتم تجاوزها».
وفي حين كان تشومسكي مصدوماً ومندهشاً مما حصل، خصوصاً مع باحثين مهنيين مثلنا، إلا أنه أضاف: «بكل أسف، ما حصل معكم ليس استثناء.. بل هو المعيار»!
Leave a Reply