من خلال عملي وتواصلي مع العديد من المسنين هنا في ديربورن، أعرف الكثير من كبار السن الأميركيين البيض، الذين رفضوا الانتقال إلى مدن أخرى وفضلوا البقاء في بيوتهم المجاورة لعائلات عربية ومسلمة، لأنهم وجدوا عند هؤلاء العرب المحبة والعطف وحسن الجيرة التي تكاد تتلاشى في المجتمع الغربي السريع والبارد والخالي من المودة، والمشبع بالتوحد والبرودة.
في أحيان كثيرة، لا تكون اللغة عائقا في التواصل بين الجار الأميركي وجاره العربي: “هالو..” مغلفة ببسمة حانية، يقولها الجار العربي لجاره الأميركي وهو يقدم له، تقريبا كل يوم، طبقا من الطعام تكفي لتكون جسرا من المودة والرحمة بين الجيران، أو عندما يتبرع الشاب العربي في الأيام الباردة لجرف الثلوج من أمام بيت جاره الأميركي المسن، أو قص الحشيش في الصيف مثلا.
تسألني، شيلا، وهي سيدة أميركية وجارة لعائلة مسلمة لأكثر من عشرين سنة، تسألني عن كيفية رد الجميل لجيرانها العرب الذين لا يأكلون طعامهم بدون تقديمهم طبق منه لها. كذلك الختيار جيمس الذي رفض الانتقال الى مدينة أخرى للعيش بقرب أولاده الذين قد يزورنه في السنة مرة، وفضل البقاء قرب جارته المسلمة التي تتكفل بإطعامه مما تطبخ وكأنه أخ لها. جيمس أحب طعامها ويشعر بالطمأنينة والأمان مجاورا لجيرانه المسلمين، ويسالني أيضا عن الطريقة لرد الجميل لجيرانهم العرب.
وببساطة أقول: قبولكم لطبق الطعام من جيرانكم العرب، يدخل السرور والسعادة الى قلوبهم، فالإنسان العربي والمسلم يفعل ذلك لأن الدين الاسلامي يوصي.. بسابع جار، والعادات العربية الأصيلة تحث على العناية بكبار السن وإكرامهم ولا إيمان عند شخص ينام وجاره جوعان.
كولين، سيدة أميركية أعمل معها منذ سنوات، بعد انتظار سنوات عديدة هي وزوجها، تحقق حلم حياتها بولادة ابنتها. كولين تقول لي دائما إنها محظوظة بجيرانها العرب المسلمين. إنهم أسرتي الثانية ولا أشعر بالخوف عندما أترك ابنتي (عمرها 8 سنوات) تلعب مع أبنائهم وتأكل من طعامهم، واشعر بالاطمئنان والألفة عندما أولادهم يلعبون مع ابنتي عندنا في البيت. ابنتي ليست وحيدة.. لديها أربعة أخوة وأخوات وعندما أكون وزوجي مشغولين، يقوم جارنا بأخذ ابنتي أو إرجاعها من المدرسة مع أولاده.
تتابع كولين: لا أشعر بالأمان نفسه عندما تلعب ابنتي مع بعض أولاد أصدقائنا الآخرين..
جوزفين، سيدة من الجيل الأول، لعائلة كثيرة العدد هاجرت من لبنان، هي الأخت الكبرى، أفنت شبابها وحياتها في العمل في شركات “فورد” للسيارات، وساعدت والديها وأخوتها وأخواتها من أجل حياة أفضل لهم هنا في المهجر. آلمها جحود عائلتها الكبيرة العدد وانفضاضهم عنها عندما بلغت من العمر عتيا وحد من نشاطها وأقعدتها الشيخوخة.
تحدثني جوزفين بكلامها العربي الثقيل وتقول دوما –الشكر للرب- على جارتها مهى. مهى الصبية المهاجرة حديثا من جنوب لبنان، والتي تعتني بجوزفين كما لو كانت أمها أو جدتها وتخدمها بكل محبة وحنان. تعتبر هذه النماذج البسيطة ذات الدفء الانساني المجرد من كل غابة دينية أو سياسية، ردا على كل مروجي الصورة البشعة للإنسان العربي وللمسلم تحديدا الذي أضحى العدو الأوحد للحضارة الغربية في الاعلام الغربي والأميركان وفي غياب إعلام عربي وإسلامي رصين. وفي حضور مؤسسات ثقافية وإعلامية هزيلة لاهية في حفلات الخطابات والحفلات والتكريمات الزائفة.
البعض من أهلنا الطيبين في ديربورن يسلكون أفضل السبل في أن يكونوا قدوة بالأعمال الحسنة وليس بالكلام والضجيج.
Leave a Reply