حسن خليفة – «صدى الوطن»
ماتزال ظاهرة زواج الشباب العرب فـي الولايات المتحدة، وبخاصة الفتيات، من أجانب مختلفـين عنهم باللون والدين والثقافة محاطة بالكثير من العوائق والشك والارتياب حول الأسباب التي تحدد الخيارات العاطفـية والحياتية لأجيال نشأت -بخلاف العائلات التي جاءت منها- على ثقافة أكثر انفتاحا وتساهلا مع التنوعات العرقية والثقافـية والدينية فـي بلاد العم سام.
وتصرّ معظم العائلات العربية أن يقترن أبناؤها بأزواج وزوجات من نفس البيئة الاجتماعية والدينية وحتى المذهبية التي جاؤوا منها، ولكن هذه المشكلة تتخذ بعداً آخر عندما يتعلق الأمر برغبة بناتهم بالزواج من «أجنبي» وتتعقد المسألة أكثر فأكثر حين يكون الزوج أسود اللون مثلاً أو من أتباع ديانة أخرى.
المثال الأخير يبدو واضحاً فـي حالة الشابة اللبنانية ندى التي تزوجت من أميركي أسود فـي شهر آب (أغسطس) الفائت متحدية موقف عائلتها المتصلب حيال رغبة الابنة التي شعرت بالصدمة المضاعفة من موقف أقاربها وأصدقائها من هذا الزواج غير المألوف وغير المرغوب به عموماً فـي المجتمعات العربية الأميركية.
خيبة أمل
وعبرت ندى، فـي حديث مع «صدى الوطن» عما أسمته بـ«خيبة الأمل الكبيرة من عائلتها وأصدقائها» وذلك على الرغم من أن زوجها مسلم، وقالت «لقد ظهروا على حقيقتهم.. لقد كنت متحمسة لتعريف خطيبي على عائلتي ولكنني عدلت عن ذلك فـيما بعد بسبب ما أبدوه من تصلب ومعارضة» بدعوى تخوف العائلة من أن يؤثر الزواج على دين وثقافة ابنتهم.
الموقف المتوجس من الزواج المختلط لا يقتصر على العائلات التي تعمد إلى قطع العلاقة مع الابنة «المتمردة» ولكنه يحضر بقوة فـي نظرة مجتمع الجالية العربية لهذا النوع من الزواج، وفـي هذا الخصوص تقول ندى «لقد تعامل بعض أفراد الجالية مع زوجها الأسود وكأنه قادم من المريخ»، وأضافت أن بعض العرب فـي ديربورن أبدوا مشاعر عنصرية صارخة ضد زوجها، الذي ينادونه ويصفونه بـ«العبد»!
وتابعت بالقول إن زوجها منع من دخول أحد الأسواق العربية بسبب الاشتباه به، وفـي هذا السياق قالت «إن مجتعمنا متحجر الذهنية».
وأكدت ندى لـ«صدى الوطن» أنها تعرف امرأتين عربيتين «تعيشان قصتي حب مجنونتين» مع شابين محترمين، ولكنهما لا تستطيعان الزواج ممن تحبان بسبب الخلفـية العرقية المختلفة، وبسبب هذا الواقع فإنهما -تابعت- «تعيشان بقلبين مكسورين لأن عائلتيهما تعارضان زواجهما وتجبرهما على التعرف على شبان عرب بغرض الزواج».
وعبرت ندى عن خجلها بسبب الطريقة التي ينظر فـيها المجتمع الإسلامي إلى الأفارقة الأميركيين، وذلك على الرغم من القرآن الكريم يطالبنا بشكل صريح ألا نكون عنصريين، وهو أمر يعرفه ويشعر به الأفارقة الأميركيون، وتنقل فـي هذا الإطار تساؤل أحد الشبان السود حول هذه المسألة بقوله: «إنني لا أفهم كيف للعرب وللمسلمين أن يكونوا عنصريين، فـي الوقت الذي يعرفون فـيه تماماً ما معنى أن يكون المرء هدفا للعنصرية».
بدوره، لم يخلُ زواج اللبنانية رحيل حسني جونسون من ردود الأفعال السلبية من مجتمعها وأفراد عائلتها بسبب زواجها من شخص أسود اللون.
«أنت متزوجة من أسود؟»
حسني جونسون التي تعمل معلمة فـي مدرسة بمدينة هامترامك كانت قد التقت بالشخص الذي ستتزوجه لاحقا عندما كانت تعمل مع إحدى المنظمات التطوعية الخيرية فـي إحدى جزر الكاريبي فـي العام 1998، وفـي ذلك الوقت تعاملت عائلتها وأصدقاؤها مع قصة غرامها كما لو أنها «فضيحة». وقالت «بعض أفراد عائلتي كانوا منزعجين ومستائين ولم يرغبوا بمقابلته، وحتى بعد أن قررنا الزواج فإن البعض منهم امتنعوا عن حضور حفل زفافـي».
وفـي بداية كل فصل دراسي يذهب زوج رحيل إلى مدرستها، ويسبب هذا الأمر مفاجأة لطلابها، وهم فـي معظمهم من الجالية اليمنية، لكونه أسود اللون. وفـي هذا السياق تقول رحيل «إن معظم طلابي يكادون لا يصدقون أنني متزوجة من شخص أسود اللون، وأستطيع أن أرى آثار الصدمة على وجوههم وعيونهم المفتوحة على اتساعها ومن حركات أجسادهم».
وفـي إحدى المرات لم تتمالك إحدى الطالبات نفسها بسبب الدهشة والاستغراب فسألت معلمتها: «أنت متزوجة من أسود؟».
ردود الأفعال هذه لا تفاجئ رحيل «لأن حالات الزواج المختلطة، عرقياً وثقافـياً، لم تصبح أكثر شيوعاً إلا فـي السنوات العشرة الأخيرة فـي مدينة هامترامك». وفـي هذا الخصوص تنصح رحيل الأفراد والآباء فـي المجتمع العربي بأن يكونوا أكثر تعقلاً وانفتاحاً أمام هذا الموضوع، كما توصي الأشخاص الحديثي الزواج بالصبر على ردود الأفعال العنيفة والمستهجنة.
أما قصة بتول (إسم مستعار) من ديربورن فلا تختلف كثيراً عن قصتي ندى ورحيل، رغم أن خطيبها أميركي أبيض، وهي ماتزال فـي مواجهة مع أمها المترددة فـي قبول الزوج «الذي لا يتكلم اللغة العربية»، وحجة الأم فـي رفضها لقبول الزواج تتلخص فـي تساؤلها: «كيف بإمكاني التحدث والتواصل مع صهري إذا كان لا يتكلم العربية؟».
من وجهة نظر بتول فإن الجالية العربية تنظر إلى زواج أي فتاة من شخص غير عربي على أنه «عار وفضيحة». وتشير إلى نوع من التناقض عندما يتعلق الأمر بزواج شاب من فتاة غير عربية، فأسرته فـي الغالب تتخذ موقفاً معارضاً لكنها لا تلبث أن تقبل بالأمر الواقع.
وتضيف أنها على علم بعدد من العلاقات التي تقيمها فتيات عربيات مع أشخاص غير عرب ولكنهن يخفـين علاقاتهن عن عائلاتهن وأصدقائهن بسبب حساسية الموضوع.
وتوجهت بتول إلى أبناء الجالية العربية بأن يكونوا أكثر تواضعا وأن يعيدوا النظر فـي إحساسهم بالتفوق، «خاصة اللبنانيين الذين يعتقدون أنهم أكثر تحضرا وتقدما من باقي العرب».
أيضا، مريم (وهي لبنانية تدرس فـي كلية الصيدلة) ترغب بالزواج من شاب غير عربي لأن «الثقافة والعرق لا يتحكمان بالحب». ومع أن سعادة والديها تهمها لكن «الحب والسعادة هما مفتاحا الزواج الناجح.. بغض النظر عن خلفـية الشخص الإثنية».
وتتوقع مريم رفض عائلتها لزواجها ولكنها فـي النهاية ستقبل بالأمر الواقع مع مرور الوقت، وتقول «أستبعد أن تحضر عائلتي حفل زفافـي، ولذلك ربما أذهب معه خطيفة».
هل العرب بيض؟
وفـي سياق تفسير هذه الظاهرة وملابساتها المتعددة والمعقدة، أدرجت أستاذة علم الاجتماع والانثروبيولوجيا فـي «جامعة إيسترن ميشيغن»، كريستين عجروش، رفض قبول العرب للزواج المختلط فـي سياق «نضالهم من أجل الاندماج فـي المجتمع الأميركي»، وقالت «إن المهاجرين الأوائل حاربوا بشراسة من أجل أن يتم تصنيفهم رسميا كـ«بيض» بدل تصينفهم كـ«أسيويين» الذين لم يكن يسمح لهم بأن يصبحوا مواطنين فـي بدايات القرن العشرين».
وأضافت أن المهاجرين الأوائل يمكن أن يكونوا عنصريين تجاه الأقليات الأخرى وأن يقبلوا الارتباط بشريك أبيض من أجل الاستحصال على «هوية بيضاء» بدل «الهوية الأقلوية» وربما دفعهم هذا الأمر إلى تبني مواقف غير مرغوب بها حيال تلك المجموعات غير البيضاء. وقالت «عندما تعتبر نفسك أبيض بالكامل فهذا يعني استبطانك للعنصرية، لأنك عندما تكون أبيض فهذا يعني أنه بطريقة ما لديك امتيازات».
Leave a Reply