عواصم – شهدت الأزمة السورية خلال الأسبوع الماضي تحولات وأحداثاً كبرى. وإذا كان التخبط والتناقضات الغربية سيدة الموقف على المسارات الخارجية للأزمة الى جانب مواصلة عواصم عربية وإقليمية حربها المفتوحة على الدولة السورية في ظل مساعي تعطيل المفاوضات الروسية-الأميركية التي يبدو أنها حققت مآربها بشكل كبير لتعلق جهود الحل السلمي بانتظار ما تحمله التطورات الميدانية، فإن الساحة الداخلية شهدت خلال الأيام الماضية جرائم إرهابية في حلب ودمشق تشير أصابع الإتهام الى وقوف المعارضة المسلحة خلفها.
فقد أقدم انتحاري على تفجير نفسه داخل مسجد في وسط العاصمة دمشق مستهدفاً أحد رموز الإعتدال الإسلامي، العلامة البارز محمد سعيد رمضان البوطي رئيس «اتحاد علماء بلاد الشام»، وذلك بعد أيام من استهداف أحد أحياء مدينة حلب التي طهرها الجيش السوري بصاروخ كيمياوي وهو ما اعتبر سابقة خطيرة من نوعها.
البوطي |
وقد اقتحم انتحاري مسجد الايمان في وسط دمشق، وفجر نفسه ما ادى إلى مقتل العلامة البوطي، و42 آخرين، وإصابة حوالى 84، كانوا يستمعون إلى درس دين.
ويأتي الهجوم، الذي يظهر تزايد قوة المتطرفين الذين يريدون تحويل سوريا إلى «دولة إسلامية»، فيما يزداد المشهد السوري تعقيدا بعد انتخاب «الائتلاف الوطني السوري» المعارض غسان هيتو «رئيسا لحكومة مؤقتة»، اذ أعلنت موسكو رفضها الاعتراف به، متمسكة بمحاورة رئيس «الائتلاف» احمد معاذ الخطيب، فيما تصاعدت المعارك في درعا وقرب الجولان السوري المحتل، بعد دخول حوالى 2500 مقاتل من الأردن إلى المنطقة، بحسب دمشق.
ويرى المراقبون أنه منذ إطلاق الصاروخ الكيمياوي دخلت سوريا أخطر مرحلة في تاريخ الأزمة التي دخلت عامها الثالث، قد تحول طبيعة المواجهة العالمية على الأراضي السورية.
وجاء «الهجوم السامّ» على حلب بعد ساعات من إعلان غسان هيتو، الأميركي الجنسية الكردي الهوية و«الاخواني» الهوى، الذي انتخبه «الائتلاف الوطني» السوري المعارض «رئيساً للحكومة المؤقتة»، بدعم واضح من جماعة الإخوان المسلمين، عن رؤيته الاولية لإدارة المناطق الخارجة عن سيطرة دمشق، ما يثير هواجس التقسيم التي تخيّم على السوريين، بالاضافة الى زيادة حدة العنف، مع رفضه اي حوار مع النظام السوري وتأكيده أن الأولوية هي لتأمين دعم عسكري للمسلحين لإسقاط النظام بكل اركانه.
وقد نقلت وكالة الأنباء القطرية (قنا) عن مصدر مسؤول في وزارة الخارجية القطرية قوله إن «انتخاب رئيس للحكومة السورية المؤقتة يُعدّ خطوة مهمة للاستعداد للمرحلة الانتقالية، والمشاركة السياسية الشرعية، خاصة بعد صدور قرار حصول المعارضة السورية على مقعد سوريا في جامعة الدول العربية». وأعرب عن «ترحيب قطر بمشاركة المعارضة السورية ممثلة برئيس الحكومة المؤقتة في اجتماع جامعة الدول العربية على مستوى القمة في الدوحة».
وفي حين اتهمت موسكو مسلحي المعارضة بالوقوف وراء الهجوم الكيميائي على خان العسل، واصفة ذلك بأنه سابقة خطيرة، معربة عن مخاوفها من سقوط الأسلحة الكيميائية بأيديهم، سارعت واشنطن ولندن إلى تبرئة المسلحين، واعتبرتا أن النظام قد يكون يقف خلف هذا الأمر، و«إذا ثبت ذلك فيجب أن يكون هناك رد حاسم».
لكن وزارة الخارجية الروسية قالت إن المعارضة المسلحة في سوريا قامت بتفجير قذيفة تحتوي على مادة كيمياوية غير محددة. وقالت منظمة «حظر انتشار الأسلحة الكيمياوية» إنها لا تملك دلائل على استخدام الأسلحة المحرمة دوليا في سوريا حتى الآن.
وفي التفاصيل أن صاروخاً سقط في منطقة خان العسل في ريف حلب، بعد أيام من استرداد القوات السورية للمنطقة من المسلحين، ما أدى إلى مقتل 31 شخصاً، بينهم 10 جنود سوريين، وإصابة 110، غالبيتهم في حالة خطرة، بحسب ما أعلن نائب وزير الخارجية السوري فيصل المقداد.
وقالت مصادر في المنطقة إن عددا كبيرا من الأشخاص أصيبوا باضطرابات عصبية وخلل في التنفس وتقلص في حدقات العين ثم نوبات من التقلصات العضلية الشديدة يصعب معها تحكم الجهاز العصبي بالعضلات، وهو ما يقود إلى الوفاة اثر الاختناق الناجم عن التشنج، وهي أعراض تشير إلى التسمم بغاز السارين القاتل.
وقال مصور من «رويترز» إن المصابين نقلوا إلى أربعة مستشفيات في المناطق الواقعة تحت سيطرة القوات السورية في حلب. وأضاف «رأيت في الأغلب نساء وأطفالا. قالوا إن الناس يختنقون في الشوارع والهواء مشبع برائحة الكلور، إن الناس يموتون في الشوارع وفي منازلهم».
وجاءت هذه التطورات فيما يواصل الجيش السوري وجيش الدفاع الشعبي الذي أنشئ للدفاع عن أحياء وقرى وبلدات يستهدفها مسلحو المعارضة لأسباب دينية، التصدي للمسلحين، فيما برزت مؤشرات لإمكانية توسع الصرع الدائر في سوريا ليطال لبنان الذي بات مقراً وممراً للمسلحين الذين يتدفقون الى الأراضي السورية، تماما كما تركيا التي تشير التقارير أن آلاف المسلحين يقيمون فيها ويشنون غارات على الأراضي السورية في خرق واضح للقانون الدولي.
من ناحية أخرى بثت مواقعُ المعارضةِ السورية صور تشييع مسؤولِ «جبهة النصرة» الإرهابية في حمص أبو علي الجولاني، الذي قُتل خلال مواجهات مع الجيش السوري في القصير. وكانت «جبهةُ النصرة» اعلنت قبل ايام مقتلَ قائدِها في سوريا خلال مواجهاتٍ في دوما في ريفِ دمشق الذي يشهد عمليات موسعة للجيش السوري في ظل استعداد الطرفين «لمعركة دمشق الكبرى»، حسب تقارير اعلامية.
وبالعودة الى المسارات الغربية دعت مسؤولة السياسة الخارجية في الاتحادِ الأوروبي كاثرين أشتون إلى توخّي الحذر إزاء المسعى الفرنسي والبْريطاني لرفعِ الحظْر الذي يفرِضُه الاتحاد على توريدِ الأسلحة إلى سوريا لمساعدةِ مقاتِلي المعارضة. كما شككت في مدى تأثيرِ مثل هذه الخطوة على محاولاتِ التوصل إلى تسويةٍ سياسية هناك.
جاء ذلك غداة تراجع رئيس الحكومة البريطانية دايفيد كاميرون عن موقفِه الداعم ِلتسليح المعارضةِ في سوريا في ظل الانقسام الاوروبي، حيث لم يتوّصل القادة الأوروبيون في ختام قمتهم في بروكسل مطلع الأسبوع إلى اتفاق بشأن تسليح المعارضة. وطغى التباين على المواقف بين مؤيد كفرنسا ومتحفّظ كألمانيا والنمسا. ومن المنتظر إعادة مناقشة هذا الملف في قمة لوزراء الخارجية الأسبوع المقبل.
وفي سياق تعثر المفاوضات الروسية الأميركية بعد صاروخ حلب الكيمياوي، قال وزير الخارجية الأميركي جون كيري «ان الرئيس اوباما قال بشكل واضح ان الولايات المتحدة لن تقف في وجه الدول التي اتخذت قرار تسليم السلاح (الى المعارضة السورية) سواء كانت فرنسا او بريطانيا او غيرهما» من الدول. فيما حذر رئيس هيئة الأركان المشتركة للقوات الأميركية الجنرال مارتن ديمبسي من مغبة اللجوء إلى الخيار العسكري ضد سوريا في هذه المرحلة واصفا سوريا بأنها تمثل أكثر القضايا المعقدة التي يمكن تخيلها.
وقال الجنرال ديمبسي في ندوة عقدت في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية الاثنين الماضي إن «من الصعب الإجابة على سؤال ما الذي نأمل تحقيقه في سوريا» موضحا أن «لدينا بعض المصالح القومية تتراوح بين ما يتعلق بالأسلحة الكيمياوية والبيولوجية والأسلحة الثقيلة وشركائنا في المنطقة وأمن دولهم.. تركيا وإسرائيل والأردن والعراق. ولدينا اهتمامات إنسانية أيضاً». وقال «إن هذه قضايا متشابكة وكان لدينا قبل ستة أشهر مفهوم غامض عن المعارضة (السورية) وأرى أن هذا المفهوم قد ازداد غموضا الآن. قبل ستة أشهر لم تكن الأمور واضحة وكذلك عدد جماعات المعارضة، واليوم تبدو هذه الأمور، وكذلك جماعات المعارضة أقل وضوحاً».
التناقضات في المواقف الأميركية أيضاً انطبقت على شهادة السفير الأميركي لدى سوريا روبرت فورد الذي أدلى بشهادته في جلسة استماع عقدتها لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب الأميركي، مؤكداً تمسك حكومته ببيان جنيف للحل السلمي الذي حظي بموافقة الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن وجامعة الدول العربية وتركيا، غير أنه أكد أن الهيئة التنفيذية التي سيتم التوصل إلى إقامتها في أعقاب المفاوضات بين النظام السوري والمعارضة يجب أن لا تشمل الرئيس السوري بشار الأسد والمجموعة المحيطة به الذين قال بأنهم قد فقدوا شرعيتهم!.
وقال فورد المقيم في واشنطن منذ مغادرته دمشق في مطلع العام الماضي «لا نستطيع أن نتصور أن يكون لبشار الأسد والمجموعة المحيطة به الذين فقدوا شرعيتهم منذ وقت طويل والذين لن تقبل بهم المعارضة، دور في حكومة انتقالية» ويأتي هذا التصريح بعد دعوة كيري المعارضة السورية لمحاورة الأسد قبل أن يعود الرئيس باراك أوباما ويطالب بتنحي الأسد خلال زيارته الى فلسطين المحتلة الخميس الماضي.
Leave a Reply