المخلوقات جميعها فطرت على قضايا تربطهم بخيط واحد لا يتفاوتون فيما بينهم في ذلك إلا بالقدرات التي ميزتهم عن بعضهم البعض، والقضايا الجامعة لهم، قضية الخوف والقلق، والرعب.فالعصفور يريد أن يحميّ نفسه من الجوع فكان آكلا، ويحمي نفسه بمأمن حتى لا يكون مأكولا، وكثرة إلتفاتاته دال على القلق الذي يرتديه في رحلة حياته حتى أن الرائي له يصوره وكأنه يرقص رقصة الموت التي تحكي رعبه من مخلب ينقض عليه. وهكذا كل المخلوقات كل حسب موقعه وخلقته في هذه المعمورة. فالحق الأول هو أن يحيى الإنسان آمن ممّا يقلقه، وعند اهتزاز هذا الحق بالقلق والإرهاب والخوف الشديد فلا يعود هناك معنى لحياة يتمسك بها، لأن الأمن والطمأنينة هما روح الأمل التي هي صميم السعادة الدنيوية وجسر الوصول إلى الحياة الفضلى. هذه الحقيقة مكـوّن نفسي في حركة الإنسان لخصّها أمير البلغاء ألإمام علي (ع)، «لا حياة مع الخوف».فما أروع هذا المعنى الذي خرج من صدر قاموس الإنسانية النابض بالحركة العملية المفعمة بالحياة حينما كان بسدة الحكم بل قبل ذلك عندما كان العين الساهرة على من حكم ليوطد الأمان ويعيد للإنسان نسمة الطمأنينة لحياة تكون مستقرة بفك عقد الخوف المدمر للمجتمعات وهذا ظاهر في كل خلجاته وأفعاله، وإن أردت عزيزي القارىء فعد لكتبه التي كان يوصي بها ولاته على الولايات الإسلامية في فترة حكمه (كتابه للأشتر، وأبن عباس، وعثمان أبن حنيف، ألخ…). وهذا واضح بّين بتعاليم وأقوال النبي محمد (ص) والتي إنعكست بأفعال الإمام (ع) وأقواله، هذا الرسول العظيم الذي جعل من نفسه أمثولة القرآن الناطق في حركة الإنسانية التي إقتلعها من فك الجاهلية الظالم لها وأخرجها من ظلمة التماهي بحقها إلى نور يعود بها إلى المعنى الحقيقي لخلافة الخالق . وأهم ما أتت من أجله التعاليم السماوية على لسانه هي حياة المخلوقات وأمنها والحفاظ على حياتها وخاصة الإنسان، خليفته على خلقه!.فشرّع القوانين لحماية الحياة الإنسانية لا بل أكثر من ذلك، الحفاظ على حياة المخلوقات الأخرى من عجماوات وأشجار ونبتات فنالتها التشريعات لتكمل العقد المكمّل للحياة الفضلى وعدم هدرها بالعبثية التي ينتهجها المتجاهلون العبثيون الذين لا يرون من كبرهم الاّ أنفسهم بمرآة الأنانية، وقوله تعالى بيّن في ذلك {مَن قتل نفساً بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنّما قتل الناس جميعاً ومَن أحياها فكأنّما أحيا الناس جميعاً} المائدة/23. وقوله تعالى {وما من دابة في الارض ولا طائر يطير بجناحيه الا امم امثالكم ما فرطنا في الكتاب من شيء ثم الى ربهم يحشرون} سورة الأنعام/83، والتي تبين حق المخلوقات الأخرى. يعني حتى هذه الأمم يجب توفير الأمن لها والحفاظ على حياتها، فنرى بالتشريع الإسلامي أنه لا يجوز الصيد العبثي لغير الحاجة.هذه القيمة للإنسان خاصة والمخلوقات عامة يوضح قيمتها الحديث القدسي «لأن تزول السموات والأرض أهون على الله من قطرة دم حرام» وليست قطرة دم الإنسان فحسب بل غيره من المخلوقات أيضا عندما لا توجد موجبات ضرورية لذلك.وعند الإنحلال من تلك العهود والمواثيق والإبتعاد عن تلك التعاليم والتشريعات تعود المجتمعات إلى جاهليتها الأولى ولكن بشكل جديد مهندم وأناقة تكتنف داخلها قاذورات نفوس من سبقهم وأنانية يثبتون عليها ليوطدوا وُيبقوا صرح أمجاد السابقين أمجاد أعداء الإنسان الخليفة، فتسفك الدماء وتهدم الدور وتباح الفروج المحرمة ويعاد من أراده الله ليكون خليفته إلى أغلال العبودية ولكن بصور مغايرة عن العبودية السابقة، والموؤدة تعود إلى حفرتها ولكن بثوبها الجديد ثوب الدعارة والمهانة والحقارة لإنسانها وتهيل عليها الجريمة تراب الذلة والهفت بحق الإنسان والإنسانية. لذلك كانت أهم الحرمات وأهم الدماء هي حرمة ودماء الإنسان وذلك بيّن وواضح بتعاليم القرآن الكريم وأحاديث النبي (ص) ومسلكيته فلم يرض أن يظهر يوما بمظهر الجبابرة وإنما حياته كانت رحمة على الدوام ناطقة بتعاليم من أرسله تبارك وتعالى رحمة للعالمين، يروى أنه صادف النبي إمرأة في طريقه فإرتعدت فرائضها وأسقط في يدها، فقال لها (ص) «هوّني عليك فأني لست بملك ولا جبار، إنما أنا أبن إمرأة كانت تأكل القديد». ففي كلامه نرى بعثه الأمان والطمأنينة في نفس تلك المرأة وهذا هو الهدف الفطري لتعاليمه (ص).أما قتل المرء البريء في تعاليم الوحي قتل لكل إنسان ومن أنقذ وحمى ودافع هو إحياء وإنقاذ ودفاع عن الإنسانية جمعاء. فتعاليمه خلال رحلة بعثته بينة بالحفاظ على الإنسان وأمنه، هذه التعاليم التي تمتهن اليوم على ألسنة الزور والإفتراء والتي توسم ديننا وتنال من نبينا عبر الصحف والفضائيات والإذاعات دينية وغيرها بالنيل والتعرض والشتم، ليثيروا علينا الحاقدين والناقمين هؤلاء الذين إستنارت حضارتهم من تعاليم هذا النبي العظيم فكان جزائنا شرّ جزاء. ورحم الله الشاعر إذ يقول: إذا كان الطباع طباع سوءفلا أدب يفيد ولا أديبيقول (ص) «إنّ هذا الانسان بنيان الله، ملعون مَن هدم بنيانه». فلم يقل المسلم فقط والمسيحي فقط واليهودي أو أي إنسان محدد بعينه وإنما الإنسان ككل، عملا بقول الله تبارك وتعالى: سورة الإسراء – 70 – آية 70: {ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا}. فالإنسان هو هدف الدين الحنيف، وأمنه هو الذي يبقيه فعندما يفقد الأمن فلا حياة للهدف المنشود ولا معنى لها دونه، لأن به تعرف!!
Leave a Reply