واشنطن – (أ ب)، “صدى الوطن”
تبدأ القصة ببلاغ صغير أو بمعلومة استخبارية أو ببصمة أصبع ملتقطة من منزل مشتبه بعلاقته بالارهاب، لتنتهي بأن يواجه شخص ما منعا من ركوب الطائرة، وهو قرار يقع في ايدي مجموعة من حوالي ستة “خبراء” من “ادارة أمن المواصلات الاميركية” (تي أس أي).
لائحة الممنوعين من الطيران التي يشرف عليها باستمرار اولئك “الخبراء” تتعرض لتغيير مستمر على ضوء انخراط مئات المحللين في تمحيص معلومات استخبارية متدفقة باستمرار.
ويعتبر الاشراف على تلك اللائحة عملية فائقة الحساسية. فمن شأن الذهاب بعيدا في اتجاه ما أن يؤدي الى مضايقة مسافرين ابرياء، ومن شأن الذهاب باتجاه اخر أن يؤدي الى نجاح احد الارهابيين في التسلل الى طائرة.
وقد يستغرق قرار وضع اسم ما على لائحة الممنوعين من ركوب الطائرات دقائق قليلة، او ربما ساعات أو اياما أو أشهرا، وذلك بسبب حقيقة أن جودة اللائحة هي مرآة لجودة الاستخبارات الوطنية وكفاءة الخبراء المشرفين على تحليلها.
فاذا أخفق القيمون على اللائحة في التشارك في معلومة استخبارية أو أخفق أحد المحللين في ربط معلومة بأخرى، قد يؤدي ذلك الى نجاح احد الارهابيين في التسلل الى الطائرة.
ويشتبه المسؤولون الامنيون أن هذا ما حصل بالتحديد قبل محاولة تفجير طائرة “نورث وست” فوق ديترويت يوم عيد الميلاد الماضي.
في خلال الاشهر التي تلت اعتقال الارهابي النيجيري عمر فاروق عبدالمطلب، تضاعف عدد الاسماء المدرجة على لائحة الممنوعين من السفر جوا من حوالي 3400 الى حوالي 6000 وفق تقديرات مسؤول كبير في جهاز الاستخبارات الاميركية.
وتعرضت اللائحة للتوسعة، بسبب اضافة اشخاص مرتبطين بفرع تنظيم “القاعدة” في اليمن، من جهة، واشخاص آخرين من نيجيريا واليمن يشتبه بصلات محتملة لهم بعبد المطلب وفق ما يقول أحد خبراء مكافحة الارهاب.
وتمثل اللائحة اكثر الأدوات الحكومية شيوعا منذ اعتداءات 11 أيلول 2001 وينظر اليها من الجهات الامنية كوسيلة لجعل الاميركيين “اكثر حصانة” من المخاطر عندما يستقلون الطائرات، لكنها قد تعني المزيد من حدوث حالات ظلم للابرياء.
ونقلت وكالة اسوشيتد برس عن مسؤولين حاليين وسابقين في مكافحة الارهاب وعن مسؤولين رسميين اميركيين اشترطوا عدم الافصاح عن هوياتهم لحساسية الموضوع، الكيفية التي يجري من خلالها خلق لائحة الممنوعين من السفر.
وقال هؤلاء إنه رغم التغييرات التي يحملها الزمن فان اللائحة تبقى اداة غير مثالية، وتعتمد على عمل مئات من محللي مكافحة الارهاب الحكوميين الذين يتلقون سيلا هائلا من المعلومات.
وقد تضخمت اللائحة اثر اعتداءات 11 أيلول وتأرجحت على مدى العقد الماضي.
ففي العام 2004 اشتملت على حوالي 20 ألف شخص. وجرت اعادة تحديد المعايير المتبعة في ادراج الاسماء عليها خلال السنوات الماضية على ضوء التطور التكنولوجي ولجعل عملية المواءمة اكثر صدقية.
وهنالك اربع خطوات لمنع شخص ما من ركوب الطائرة:
تتمثل الخطوة الاولى بجمع المعلومات الاستخبارية الاولية عن الشخص المشتبه به، من قبل سلطات تطبيق القانون، مثل بلاغ من مخبر لدى الاستخبارات المركزية، أو مكالمة مسجلة. وترسل المعلومات حينها الى المركز الوطني لمكافحة الارهاب الواقع في شمالي ولاية فيرجينيا الذي جرى افتتاحه بعد اعتداءات “11 أيلول”.
هناك يصار الى وضع الاسماء، حتى الجزئية منها، في قاعدة معلومات ضخمة لارهابيين معروفين أو مشتبه بهم. ويطلق على تلك القاعدة اسم “مؤسسة الهويات الارهابية” والتي تتضمن ايضا اسماء بعض اقرباء المشتبه بهم واخرين على اتصال بهم، وتقدر نسبة الاميركيين في تلك القاعدة المعلوماتية بـ 2 بالمئة.
ويقوم المحللون بالتمعن في قاعدة المعلومات محاولين اجراء روابط بين محتوياتها.
وقد كان اسم الارهابي عبدالمطلب في تلك القاعدة قبل محاولة تفجير الطائرة يوم الميلاد بفضل تحذير قدمه والده الى السفارة الاميركية في نيجيريا حول ارتباط ولده بمتطرفين في اليمن.
غير ان معظم المعلومات التي ترد الى المركز تكون غير مكتملة.
وثمة سبب على الاقل يفسر عدم ربط تحذير والد عبدالمطلب الى معلومات اخرى متناثرة.
ولذلك لم يقم المحللون بارسال اسم عبدالمطلب الى الحلقة الثانية من التحليل في “مركز الفحص الارهابي” وهو مركز مخابراتي آخر يقع في شمالي ولاية فيرجينيا يديره محللون من وكالات تطبيق القانون الفدرالية.
ثم يصار الى ارسال 350 اسما يوميا الى “مركز الفحص الارهابي” لمزيد من التحليل ولدراسة وضع اللائحة الحكومية الأوسع لمراقبة الانشطة الارهابية. وهذه اللائحة تتضمن 418 ألف اسم يحتفظ بهم مكتب التحقيقات الفدرالي.
ومن اجل وضع اسم على تلك اللائحة، يجب أن يتوافر لدى المحللين اشتباه معقول بأن الشخص على صلة بالارهاب.
والاشخاص المشمولون بهذه اللائحة يمكن أن يتعرضوا للتحقيق عند نقاط الحدود الاميركية او عندما يتقدمون بطلبات للحصول على تأشيرة. غير ان مجرد وجود اسم الشخص على هذه اللائحة ليس كافيا لمنعه من ركوب الطائرة. وعلى السلطات ان تمتلك الاسم الكامل للمشتبه به وتاريخ ولادته، اضافة الى معلومات كافية تظهر ان المشتبه به يشكل تهديدا للطيران أو للأمن القومي.
عندما يتسلح خبراء “إدارة أمن المواصلات” بالمعلومات المطلوبة عن الشخص، يكون أمامهم خياران: اما ادراج الاسم على “لائحة المنتقى” وهي قاعدة معلومات لـ 18 ألف شخص يظل بامكانهم السفر جوا، لكن يتحتم عليهم الخضوع لفحوصات اضافية في المطار. واذا قرر المحللون ان شخصا ما يشكل وجوده على الطائرة خطرا بامكانهم عندئذ تحويل الاسم الى “لائحة الممنوعين من السفر جوا”.
وتخضع لائحة الاسماء باستمرار الى مراجعة وتحديث مع تبدل طبيعة التهديد.
في العام 2007 أزال المسؤولون اسماء عن اللائحة لم يعد ينظر لأصحابها كمصادر للتهديد. وبعض هؤلاء كانوا عناصر غير فاعلين في “الجيش الجمهوري الايرلندي”. وفي العام 2008 جرى توسيع معايير اللائحة لتشمل معلومات حول شباب صوماليين اميركيين يغادرون الولايات المتحدة للانضمام الى المجموعة الارهابية الدولية المسماة “حركة الشباب”.
وفي حال وفاة شخص ما على لائحة الممنوعين من الطيران يمكن أن يحتفظ باسمه على اللائحة، بحيث يتسنى للحكومة القبض على اي شخص يحاول انتحال هويته.
وفي بعض الاوقات قام المسؤولون بالسماح لاشخاص مشمولين بـ”لائحة الممنوعين من السفر جوا” بالصعود الى الطائرات من اجل اتاحة المجال امام رجال المباحث حصر الارهابيين المشتبه بهم خلال وجودهم في الولايات المتحدة. لكن قبل السماح لهم بالصعود الى الطائرات يقوم رجال المباحث الفدرالية وخبراء مكافحة الارهاب بالتشاور فيما بينهم.
واذا تقرر السماح لارهابي مشتبه به بالصعود الى الطائرة يجري اخضاعه وامتعته الى تفتيش اضافي، وقد يوضع تحت مراقبة الكاميرات في المطار، ويجري تعزيز امن الرحلة الجوية بمزيد من الرجال لمراقبته خلال الرحلة.
ومع تولي السلطات الحكومية المزيد من المسؤوليات عن فحص الأسماء ومقارنتها باللائحة، يأمل المسؤولون بأن يتضاءل بصورة كبيرة عدد الحالات التي يتعرض خلالها ابرياء الى الاشتباه بهم.
ومنذ يوم الميلاد الماضي يعكف مسؤولون في الامن القومي على ايجاد وسائل التغيير وتعزيز معايير وضع الاسماء على اللائحة.
ثمة شيء واحد أكيد: إن حادثا آخر مثل حادث يوم الميلاد سوف يؤدي الى المزيد من اعادة النظر بنظام لايزال بعيدا عن اثبات جداوه الكاملة.
Leave a Reply