سامر حجازي – «صدى الوطن»
ضمن دائرة قطرها عشرة أميال تشمل منطقة الرمز البريدي «٤٨١٢٦»، هناك أكثر من ألف شخص مسجلين على قائمة المعتدين جنسياً، بحسب موقع sexoffenderrecord.com المتخصص بجمع بيانات وأحكام الجرائم الجنسية الصادرة من مختلف المحاكم والوكالات الحكومية الأميركية.
وتتضمن لائحة المعتدين جنسياً، المتاحة للعامة، أسماء وصور ومواصفات مرتكبي الجرائم الجنسية وأماكن إقامتهم فـي الأحياء السكنية حتى يتسنَّى للأهالي إتخاذ الحيطة والحذر منهم وحماية أبنائهم، غير أن أماً من مدينة ديربورن كشفت لـ«صدى الوطن» عن صدمتها الكبيرة لدى معرفتها بأن بائع المثلجات الذي كان يتجول خلال أشهر الصيف فـي الحي الذي تعيش فـيه، هو نفسه مسجل على لائحة المعتدين جنسياً، و«القانون لا يمنعه عن ذلك»، فما كان منها إلا أنْ أخذت الأمر على عاتقها لإبلاغ الجيران فـي الحي بـ«حقيقة بائع الآيس الكريم»، على حد قولها.
بعد التدقيق فـي اللائحة، يتبين أن السواد الأعظم من مرتكبي الاعتداءات الجنسية فـي المنطقة هم من الرجال العرب والأفارقة الأميركيين. قد يكون ذلك انعكاساً طبيعياً للتركيبة السكانية للمنطقة، لكنه أيضاً قد يكون نتيجةً للتمييز ضد أبناء الأقليات فـي المحاكم حيث غالباً ما تصدر بحقهم أحكام توصلهم الى لائحة المعتدين جنسياً فـي حين ينفذ «القوقازيون البيض» بجلدهم!.
الأكيد، هو أن ميشيغن واحدة من أكثر الولايات الأميركية تشدداً ضد مرتكبي الجرائم الجنسية، حيث ينص قانون الولاية على إبقاء أسماء أصحاب السوابق على اللائحة لمدة لا تقل عن ٢٥ سنة، على أن تتضمن اسم ومواصفات المعتدي ونوع الجريمة الجنسية المدان بها. كما تجدر الإشارة إلى أن ميشيغن هي واحدة من ١٣ ولاية أميركية تسمح بإضافة أشخاص الى اللائحة رغم عدم ارتكابهم أية جرائم جنسية، إذ تشمل اللائحة أيضاً أسماء مرتكبي جرائم الخطف وحتى التعري فـي مكان عام.
ولكن ذلك لا يعني الاستخفاف باللائحة واعتبار أن معظم الأشخاص الواردة أسماؤهم لم يقوموا سوى بالتبول فـي مكان عام ليجدوا أنفسهم على تلك اللائحة. بل إن الأمر أكثر جدية وخطورة حيث يتواجد على اللائحة أفراد لهم سوابق خطيرة، بحسب الأم المصدومة فـي ديربورن.
وقد توصل البحث الذي أجرته «صدى الوطن» الى وجود أكثر من ٩٩ معتدياً جنسياً يقطنون فـي المدينة نصفهم من العرب.
ناس بـ«سمن» وناس بـ«زيت»
يقول محامي الدفاع الجنائي سيريل هول، لـ«صدى الوطن» إنه خلال سنوات عمله الطويلة فـي تمثيل أبناء الأقليات المتهمين بارتكاب جرائم جنسية أمام القضاء، رصد هول بعض الأنماط والمعطيات المحددة، التي لا يمكن تفسيرها سوى بوجود نوع من الامتياز الذي يمنح للمتهمين البيض.
يقول هول من مكتبه فـي ديربورن، «بالتأكيد الرجال السود هم مستهدفون ويجري تنميطهم عرقياً»، وتابع «أنا لا أعتقد أن الشباب السود هم أكثر انبراءً لارتكاب مثل هذه الأعمال مقارنة بأي عرق آخر.. انه مثل حالة المخدرات. البيض وأبناء الأقليات يستخدمونها بنفس المستوى تقريباَ، لكن الشرطة تقوم بملاحقة مجتمعات السود فقط فـي الأغلب».
واستدل هول على وجود هذه النمطية المريبة من خلال خبرته فـي الترافع أمام محاكم مقاطعة أوكلاند، حيث وجد أنه غالباً ما يتم إعفاء المدانين البيض من وضع أسمائهم على لائحة المعتدين جنسياً رغم ارتكابهم جرائم تستحق ذلك.
وأردف هول أنه شهد على ذلك بنفسه مؤخراً عندما كان ينتظر دوره لتمثيل موكله فـي قاعة المحكمة، حيث قام محامي الدفاع عن متهم أبيض بإقناع القاضي بإعفاء موكله من التسجيل فـي لائحة المعتدين، على الرغم من إدانته بجريمة جنسية.
واستطرد هول، أنه عندما استعرض القاضي قضية موكله، وهو رجل أفريقى أميركي، أصر قاضي المحكمة على وضعه على لائحة المعتدين جنسياً، إلا أنْ هول قلب الطاولة على القاضي وطالبه بمنح موكله الأسود نفس الامتياز الذي أسبغه على المتهم الأبيض الذي سبقه.
«لقد ضبطت القاضي متلبساً، ورأيت بعيني ما يحدث لصالح المتهم الأبيض» أشار هول، واستأنف قائلاً «أنا لم أكن أنوي طلب ذلك الامتياز من القاضي إلى أنْ شاهدت ما جرى. ولو لم أرَ ما حدث فـي المحكمة، كان عليّ الدفاع بشراسة من أجل حق موكلي».
وكان مكتب محاماة هول قد مثّل فـي الآونة الأخيرة موكِّلاً عربياً أميركياً وجهت إليه تهمة «نقل مواد جنسية فاضحة عبر الهاتف» وذلك بعد أن صوَّر بالفـيديو نفسه مع صديقه وهما يقومان بأنشطة جنسية مع رفـيقة لهما هي دون السن القانوني فـي فندق بمدينة ديربورن». وكان الشابان العربيان أيضاً دون السن القانونية وقت حدوث الفعل.
وبعد أنْ نما إلى علم الضحية أنَّ الشابين بدءا بتعميم لقطات الواقعة الجنسية على أصدقائهما، قامت بالتقدم بشكوى ضدهما. وأحالت محكمة مدينة ديربورن القضية إلى الادعاء الفدرالي الذي قام فـي نهاية المطاف بإدانة الشابين والحكم عليهما بالسجن لمدة تزيد عن عشر سنوات!
لكن اللافت للنظر هنا هو أن هناك حالة قانونية مماثلة تقريباً حصلت فـي مقاطعة ماكومب فـي شهر آذار (مارس) الماضي، كان أبطالها ثلاثة مراهقين بيض صوروا انفسهم على الهواتف المحمولة الخاصة بهم وهم يقومون بأنشطة جنسية مع فتاة قاصر. لكن عقوبة مرتكبي تلك الجريمة لم تكن فـي النهاية أكثر من صفعة على اليد.
فبعد إدانة المراهقين، وهم من مدينة تشسترفـيلد، بذنب ممارسة الجنس مع فتاة قاصر (١٥ عاماً) ونشر الصور الفاحشة على «تويتر»، حُكم عليهم فقط بالخضوع للمراقبة لمدة ثلاث سنوات الى جانب منعهم من استخدام الهواتف المحمولة لمدة عام كامل، فـي حين بقي المراهقون الثلاثة أحراراً خارج لائحة المعتدين جنسياً.
حيث نجح المحامون فـي القضية بالتوصل الى صفقة مع المحكمة تعفـي المراهقين من التسجيل على اللائحة. وإذا حافظوا على شروط المراقبة لمدة ثلاث سنوات، فإن جريمتهم لن تظهر على سجلاتهم العدلية.
والسؤال هنا بعد هذا الدليل الصارخ فـي التفاوت بالأحكام القضائية بين الشابين العربيين والفتيان البيض، هل هناك فـي القانون أناس بسمن وناس بزيت؟.
المحرمات فـي المجتمع العربي
وإذا كان التفاوت فـي العقوبات بين القضيتين يثير القلق والاستهجان، فإن ذلك لا يعني أن نغضّ الطرف عن «الوحوش الجنسية» المفترسة فـي مجتمعنا المحلي والذين يستفـيدون فـي كثير من الأحيان من صمت وخضوع ضحاياهم.
ففـي الجالية العربية، يلجأ الناس عادة الى إخفاء قضايا التحرش وتجاهلها، خوفاً من الفضيحة والصيت السيء الذي قد يلحق بشرف وسمعة العائلة.
الدكتورة هدى أمين، وهي أخصائية نفسية واجتماعية فـي مؤسسة «أبيكس» للصحة السلوكية فـي غرب مقاطعة وين، لديها خبرة طويلة فـي هذا المجال تمتد إلى ٣٠ عاماً. إذ تؤكد أمين لـ«صدى الوطن» أنها لاحظت من خلال عملها مع الكثير من الرجال والمراهقين العرب وجود «أنماط متكررة.. لكن أساس المشكلة هي فـي المنزل».
واضافت ان «النمط الأكثر شيوعاً هو ان الرجل أو الصبي يحتاج إلى معرفة حدوده، لكن عليهم أن يعرفوا أيضاً أن هناك مسؤولية قانونية تترتب على ذلك».
وأردفت أمين انها تعاملت مع العديد من الحالات فـي الجالية العربية «مثل تعرض الفتاة أو الامرأة لضغوط هائلة ثم تبقى صامتة بعد وقوعها ضحية للاعتداء الجنسي أو للمضايقة من قبل أحد أقاربها الذكور. وفـي بعض هذه الحالات، تنمو الحالة لتصبح جرائم متكررة لا يتيمة. وفـي كثير من الأحيان، تكون المرأة فـي حالة من الإنكار أو حتى انها تلوم نفسها لانها تعتبر انها هي التي كانت المحرِّك لمثل هذا السلوك».
«البعض يعتبرن انه أمرٌ يمكن التغاضي عنه طالما أن الإيلاج لم يتم» أكدت أمين، واستطردت «بعض البنات يقلن لي إن أعمامهن أو أقاربهن وضعنهن فـي أحضانهم، وقاموا بلمس أرجلهن واثدائهن لذلك علي رفع مستوى الوعي لديهن وإعلامهن ان هذا غير مقبول. وظيفتي هي تمكين الفتيات ومساعدتهن على أن يكنّ أكثر حزماً».
يا ما على اللائحة مظاليم؟!
وتشير أمين إلى «أن بعض الرجال الذين ينتهي بهم الأمر على قائمة المعتدين جنسياً قد لا تكون لديهم النية فـي الأصل بالتحرش الجنسي بالنساء، ولكنهم يتخطون حدودهم من دون أن يدركوا ذلك».
وأستدلت بقضية «تتعلق بمهاجر عربي انتهى به المطاف على اللائحة بسبب لمس ثدي إحدى الإناث الزميلات معه فـي العمل. والذي حصل، بحسب أمين، هو ان «حلمتي صدر زميلته كانتا منتصبيتن بسبب الطقس البارد فسألها ممازحاً إذا كانت مثارة جنسياً وقام بلمس ثديها. ونتيجة لذلك السلوك وضع إسم الشاب على اللائحة وسيبقى عليها لمدة ٢٥ عاماً». «هذا الشاب حديث العهد فـي أميركا، كان عليه أن يكون على علم ودراية أفضل»، تقول أمين، «كان يقصد ممازحة زميلته، لكنه أثار ذعرها. والآن هو مسجل على قائمة مرتكبي الجرائم الجنسية».
وأفادت أمين بوجود «خلل فـي نظام تسجيل جرائم الجنس، لكن اللائحة تبقى مفـيدة لنشر الوعي فـي الأحياء». وشجعت الآباء العرب الأميركيين على القيام بدورهم ومعرفة من هم مرتكبو الجرائم الجنسية فـي منطقتهم وما نوعية ودرجة جرائمهم». وأضافت «يحتاج سكان الحي لهذا النوع من الإنذار لمعرفة ما إذا كان أحد الجيران من المعتدين الجنسيين» وختمت أمين بالقول «إحرصوا على الاستفسار أكثر عن الأشخاص الموضوعين على اللائحة، ومعرفة لماذا وضعوا عليها. فكلما كانت الجالية أكثر تنوراً فـي هذا الشأن، كلما كان فهمهم أفضل لكيفـية التعامل مع هذه الحالات. الوعي هو مفتاح الحل».
Leave a Reply