عندما نقتسم الخبز، نهزم الكراهية
نوكسفيل (تينيسي)
للوهلة الأولى قد يبدو أنه ثمة خطأ فادح في المضمون، إذ من المعروف والمتوقع أن تقوم الحكومة الأميركية بتقديم المساعدات للاجئين، وليس العكس.
لكن اللاجئ الدمشقي الأصل، ياسين ترو، كسر القاعدة من باب رد الجميل للبلد الذي آواه من شرور الحرب الدامية التي تعصف بوطنه الأم، حين قرر أن يقوم بتقديم وجبات غذائية مجانية للموظفين الفدراليين الذين لم يقبضوا رواتبهم منذ حوالي الشهر، بسبب إغلاق الحكومة الفدرالية.
وفتح اللاجئ السوري مطعمه أمام الموظفين الفدراليين وعائلاتهم، ليحصلوا على الوجبات التي يريدونها بلا مقابل، مؤكداً أنه من المهم بالنسبة له أن يقوم بما في وسعه من أجل مساعدة هؤلاء الموظفين وأسرهم «لأنهم إخوتنا وأخواتنا، وقد قاموا بعملهم، ولكنهم لم يحصلوا على رواتبهم لقاء ذلك».
وقد أعلن ترو عن مبادرته، السالفة الذكر، الاثنين الماضي، عبر صفحة المطعم على موقع فيسبوك (Yassin’s Falafel House)، حيث كتب: «إننا لنشعر بسعادة غامرة في خدمة هؤلاء الموظفين الذين كانوا يعملون لخدمتنا، ولن نتخلى عنهم». وقد تحول هذا المنشور إلى هاشتاغ بعنوان: «نحن جميعاً نريد الحب والفلافل».
وأفاد اللاجئ السوري لبعض وسائل الإعلام الأميركية أن العديد من الموظفين الفدراليين قصدوا مطعمه، حيث قدم لهم الطعام بلا مقابل، مؤكداً بأن «ياسينز فلافل هاوس» سيبقى ملتزماً بمبادرته حتى يعاد افتتاح الحكومة الفدرالية. وقال: «هؤلاء الموظفون يمكنهم اختيار الطعام الذي يريدونه من القائمة مجاناً، بعد إبراز بطاقاتهم التي تثبت عملهم لدى الحكومة الفدرالية».
وأشار إلى أن أحد الموظفين الفدراليين المتقاعدين عرّج على مطعمه وتبرع بمئة دولار لتغطية تكاليف الوجبات المجانية. وقال: «لقد طلبت منه عدم التبرع، ولكنه رفض. لقد أراد –بحق– أن يكون جزءاً من المبادرة».
وكان ترو قد لجأ إلى الولايات المتحدة، قبل نحو سبع سنوات، وعانى من شظف العيش ومرارة الغربة ما عاناه، في بلد لا يعرف فيه أحداً، ولا يعرق لغة أبنائه. وبعد ثلاث سنوات من العمل والكدح المتواصل، تمكن في 2014 –بمساعدة المجتمع الإسلامي في نوكسفيل– من افتتاح مطعم «فلافل ياسين» الذي سرعان ما غدا اسماً لامعاً ومكاناً مقصوداً في مدينة نوكسفيل بولاية تينيسي، بسبب أطباقه الشهية وأجوائه الأسرية، إضافة إلى كرم الضياقة الذي بات أقرب إلى الماركة المسجلة باسم صاحب المحل الدمشقي، في المنطقة المتعددة الأعراق والأطياف.
ترو، الذي وضع شعاراً لمطعمه: «عندما نقتسم الخبز، نهزم الكراهية»، قدّم نموذجاً رائعاً عن اللاجئين الذين لا يتقاعسون عن العمل والكفاح، مكتفين بالمعونات الحكومية، ونجح كـ«مطعجمي» في اكتساب الزبائن بوصفهم أصدقاء وأفراداً في عائلته الكبيرة، وليس مجرد أفواه جائعة تدر الأرباح.
وفي أقل من سنتين، افتتح فرعاً ثانياً لمطعمه بسبب الإقبال الكثيف وذيوع شهرته في المدينة، حتى بات خلال وقت قياسي أحد المرشحين لنيل جائزة «أفضل مكان في أميركا»، التي يقدمها البرنامج التلفزيوني: «صباح الخير يا أميركا» (غود مورنينغ أميركا).
وفي تشرين الأول (أكتوبر) 2018، حصد «ياسينز فلافل هاوس» الجائزة خلال البث المباشر لبرنامج «صباح الخير يا أميركا» عبر شبكة «أي بي سي». وقالت المذيعة روبن روبرتس في معرض إعلانها عن الجائزة: «عندما ذهبت إلى نوكسفيل لزيارة مطعم ياسين، وجدت ما هو أكثر من الطعام، لقد وجدت الحب منذ اللحظة التي دخلت فيها الباب».
من جانبه، قال ترو: «إنه لشرف عظيم لي أن أنال هذه الجائزة، ولكن الرابح الحقيقي ليس أنا، وإنما تينيسي هي الرابحة».
Leave a Reply