رحيل الشخصية المثيرة للجدل
التي جمعت التشدّد والدعوة إلى محاورة «الأعداء»
منذ دخوله إلى الكونغرس عام 1980، لم يترك عضو الكونغرس الديموقراطي طوم لانتوس فرصة لدفع التأييد الأميركي لإسرائيل خطوات جديدة إلى الأمام، هو الذي تربطه بالصهيونية روابط عاطفية قوية بدأت من هروبه من معسكرات الاعتقال النازي في الأربعينات.
وكان رئيس لجنة العلاقات الخارجية في الكونغرس، والعضو الوحيد الناجي من الهولوكوست فيه، قد توفي مطلع الأسبوع الماضي، في الولايات المتحدة بداء السرطان، تاركاً وراءه كمّاً كبيراً من القرارات المؤيدة للدولة العبرية، والمواقف المثيرة للجدل التي تجمع التشدد بالدعوة للحوار مع «أعداء أميركا».
ولد لانتوس من أبوين يهوديين في بودابست في هنغاريا عام 1928، وفقد أمه وعدداً كبيراً من عائلته في الهولوكوست أثناء احتلال الزعيم النازي أدولف هتلر لبلاده عام 1944. واستطاع الصبي اليهودي الحفاظ على حياته بالهرب مرتين من معسكرات الاعتقال، والحصول على مساعدة الدبلوماسي السويدي راوول والينبيرغ، الذي استعمل مركزه الرسمي وصلاحياته لإنقاذ آلاف اليهود الهنغاريين. وكافأ الكونغرس الديموقراطي والينبيرغ في ما بعد، بإقرار قانون يعطيه الجنسية الأميركية الفخرية.
تلك الخلفية أعطت لانتوس سلطة معنوية فريدة في الكونغرس منذ دخوله إليه في عام 1980، لم يتوانَ عن استعمالها مراراً للكلام في قضايا السياسة الخارجية، حيث عُرفت عنه دماثته الممتزجة بحدّته الشديدة في انتقاد معارضيه.
كان مؤيداً قوياً لإسرائيل وأحد المدافعين الكبار عن قرار عام 2002 بإعطاء الإذن لغزو العراق، رغم أنه تحوّل في ما بعد إلى منتقد شرس للاستراتيجية التي اعتمدها الرئيس جورج بوش في الشرق الأوسط.
خلال عمله السياسي، زار لانتوس الشرق الأوسط أكثر من 60 مرة في حياته. ورغم تشدده المعروف، كان من دعاة الحوار مع خصوم الولايات المتحدة. وفي وقت مبكر من عام 2004، قاد رأس بعثات الكونغرس إلى ليبيا منذ 30 عاماً، والتقى الرئيس معمر القذافي شخصياً، ودعا وقتها إدارة بوش إلى إبداء «حسن نية» تجاه الزعيم الأفريقي الشمالي في سعيه إلى ترك برنامج الأسلحة النووية، وهو ما تُرجم لاحقاً برفع العقوبات الأميركية المفروضة على طرابلس.
أعرب لانتوس عن استعداده لزيارة إيران، رغم تصريحات رئيسها أحمدي نجاد عن الهولوكوست، كذلك زار سوريا مرات عديدة والتقى الرئيس بشار الأسد، رغم أنه كان في عام 2003 أحد رعاة قانون «محاسبة سوريا». وقد سببت زيارته الأخيرة إلى سوريا في عام 2007 برفقة رئيسة الكونغرس نانسي بيلوسي، جدلاً شديداً في أوساط الإدارة الأميركية، التي اتهمته بتقويض جهودها لعزل دمشق.
وانتقد السياسي الأميركي، الذي كان أحد رعاة «قانون محاسبة سوريا» في عام 2003، بشدة «سياسة النعامة» التي تتّبعها إدارة بوش، معتبراً أن «الحوار هو المدخل الوحيد لحل حقيقي للمسائل… إذا رفضنا التعامل مع هذه الدول فسنجد أنفسنا في وضع مجمّد لا تحمد عقباه». وأعرب وقتها عن اعتقاده بأن «استئناف العلاقات الدبلوماسية الكاملة (بين واشنطن ودمشق) سيحصل عاجلاً أم آجلاً»، رغم تشديده على مطالبة سوريا بضبط حدودها مع العراق ولبنان، وتسهيل عمل المحكمة الدولية في اغتيال الرئيس رفيق الحريري، وتحرير سجناء الرأي، وإغلاق مكاتب «التنظيمات الإرهابية». وعُرف عن لانتوس في هذه المسألة قوله «إني أفضّل كثيراً مقاربة بيلوسي للشرق الأوسط على رؤية (نائب الرئيس الأميركي ديك) تشيني».
في الشأن اللبناني، عرف لانتوس بانتقاده الشديد للوجود السوري في لبنان، وعدائه لحزب الله. في عام 2006، طالب لانتوس بإيقاف المساعدات إلى لبنان بهدف الضغط على الحكومة للقبول بنشر قوات تابعة للأمم المتحدة على طول الحدود اللبنانية-السورية وتجريد حزب الله من سلاحه. وشدّد لانتوس، في زيارة له إلى إسرائيل بعد عدوان تموز بوقت قصير، على أنه «يجب على المجتمع الدولي استعمال كل الوسائل المتوافرة للضغط على لبنان وإقناع حكومته بنشر قوات جديدة لليونيفيل على الحدود مع سوريا بأعداد مناسبة… السماح بالمساعدات في الوقت الذي تبقى فيه الحدود اللبنانية-السورية مفتوحة سيسهم فقط في تكرار هجمات حزب الله في المستقبل. لا ينبغي السماح لحزب الله بإعادة التسلّح».
وكان لانتوس قد اقترح في عام 2001 قانوناً بعدم تقديم أي مساعدات أميركية إلى لبنان إلا بعد تجريد حزب الله من السلاح، وانتقد بوش بشدة في ما بعد لعدم إقرار القانون.
Leave a Reply